شغب الملاعب بالمغرب … عندما يصبح التشجيع تعصباً و التفضيل عنفاً والتشجيع حقداً و هيجاناً
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( شغب الملاعب )
الثلاثاء 22 مارس 2016 – 18:35:31
والشغب فضــلاً عن كونهِ سُلوكا عُدوانيًا، ينجم عن أنصار متعصبين لفرقهم الرياضية وغيرهم من المتهورين، الذين لا يؤمنون بقواعد اللعبة ويفتقرون إلى أبسط القيم الأخلاقية، فهو ظاهرة اجتماعية ونفسية تعكس واقع تصرفاتنا اليومية، وتشكل إحدى أبرز مظاهر الانفلات والعنف، التي باتت تخلق الفواجع وتقض المضاجع، على مستوى المسؤولين والدوائر الأمنية وكل المهتمين بالشأن الرياضي…
ويلاحظ على ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية وكرة القدم تحديدًا، أنها صـــارت في السنوات الأخيرة، تأخذ أبعــادًا خَطيرة وأشكالا متعدّدة من العُنف، الذي يتّضح أن جُذوره تعود إلى ما بات يلاحظ على الأسرة والمدرسة من تـــراخ في القيام بواجبهما، انعدام الحس بالمواطنة وغياب الوعي بالمسؤولية والروح الرياضية العالية لدى فئات واسعة من الجمهور، لاسيما المنحدرون من الأحياء الهامشية، الذين يلجون الملاعب تحت تأثير المخدرات والمسكرات، ويشرعون في العبث بالمنشآت الرياضية تحت أنظار رجال الأمن، ومن ثم تتسع رقعة الشغب إلى الشارع العام، وتحويله إلى ساحة للاشتباكات والهجوم على وسائل النقل والممتلكات العامة والخاصة…
ووفق شَهادات المُهتمين بالشأن الرياضي، لم يعد الشغب رد فعل عفوي ينجم عن مراهقين مندفعين وقاصرين طائشين، بل أصبح يقف خلفه أشخاص لا صلة لهم بقيم الرياضة، يتصيدون هفوات بعض عناصر الأمن أو حُكام المقابلات أو حركات لا رياضية للاعبين أو أي شيء آخر للركوب عليه، يرفعون شعارات تحريضية ويستخدمون شُهبا نـــارية قصد تهييج الجماهير الرياضية وإثارة الفوضى. وإلا كيف يمكن تفسير مرافقة الشغب للمباريات الرياضية حتى إبان فترات الفوز؟
ورغم أن الجامعة الملكية المغربية رفقة المجموعة الوطنية لكرة القدم، قامت على مدار السنوات الفارطة بعدة محاولات متوخية إنهاء مسلسل العنف والشغب، معتمدة في برامجها على حملات التحسيس الإعلامي، بواسطة طبع وتوزيع أقمصة رياضية ونشر لوحات إشهارية، ومعاقبة الأندية الرياضية المتورط جمهورها في إثارة القلاقل، بإجبارها على إجراء مباريات دون حضور أنصارها أو خارج ملاعبها، والسعي إلى منع القاصرين من ولوج الملاعب إلا برفقة الآباء والأولياء، باعتبارهم الفئة الأكثر حضورا وإثارة للشغب في الملاعب ومحيطها… ورغم صدور القانون الخاص بمكافحة الشغب، متضمنا مجموعة من المقتضيات الزجرية، فإن ذلك لم يزد الكثيرين إلا إصرارا على المزيد من السخط والتهور…
وسعيا إلى الحفاظ على الأمن العام وحماية الأرواح والممتلكات، وللحيلولة دون استغلال الجانحين والمتهورين من طرف بعض المغرضين، في تغذية أعمال الشغب وتـــأجيج الصراعات المفتعلة والغضب الشعبي لزعزعة الأمن والاستقرار، كان لزاما على السلطات إعادة الكرة مع بداية شهر فبراير 2016، بعقد اجتماعات بين مجموعة من كبار المسؤولين في وزارات: الداخلية، العدل والحريات، الشباب والرياضة، ثم رئيسي الجامعة الملكية والعصبة الاحترافية، وممثلي الدرك والأمن والقوات المساعدة والوقاية المدنية، أسفرت عن حزمة من القرارات القانونية والرادعة، الرامية إلى الحد من ظاهرة شغب الملاعب الرياضية في الأجل المنظور، حيث كان قد دَعا مصطفى الرميد وزير العدل و الحريات قضاة النيابة العامة إلى إجبار المدانين في أحداث الشغب على ملازمة محلات إقامتهم أو أي مكان آخر، أو تكليفهم بالتردد على مركز الأمن أو السلطة المحلية وقت إجراء المباريات والتظاهرات الرياضية التي منعوا من حضورها، موضحا أن قضاة النيابة العامة يجب عليهم تفعيل العقوبات الإضافية المتعلقة بظاهرة الشغب الرياضي، من خلال تقديم الملتمسات الملائمة للمحكمة، نظرا للدور الذي يمكن أن يساهم فيه تطبيق هذه التدابير في الحد من ظاهرة الشغب الرياضي وزجر المتسببين في إحداثه، لكن كل هذه القرارات تعتبر قرارات نظرية ولا تفعّل و لا يتم الاعتراف بها من الأساس.
وإذ اعتبرت هذه المبادرة خطوة إيجابية، فإنها شكلت حسب البعض قيدا لحرية “الإلترات” في الإمتاع ونشر الفرجة، ولا ترقى إلى مستوى النفاذ لعمق المعضلة التي تواصل زحفها في اتجاه حصد المزيد من الأرواح، كما هو الشأن بالنسبة لما عرفه كلاسيكو الجيش الملكي/الوداد البيضاوي، بملعب الفتح الرياضي عشية يوم 17 فبراير 2016، حيث خلفت أحداث شغب موت ثلاثة شبان، و آخر حادثة هي بعد المباراة التي جمعت الرجاء البيضاوي بشباب الريف الحسيمي وخلفت مقتل ثلاثة أشخاص أيضا وجرح حوالي 60 آخرين، واعتقال أزيد من 100 شخص وتحدث هذه الكوارث في وقت لم يمر كثيرا على صدور بلاغ مشترك بين تلك القطاعات، يكشف عن الرغبة في النهوض بالمنظومة الرياضية، عبر الاستعداد لتجهيز ملاعب البطولة الاحترافية، بالوسائل التكنولوجية الحديثة: وضع كاميرات للمراقبة في الملاعب وتحديث نظام بيع التذاكر، تأهيل البنيات التحتية وتهييء الظروف الملائمة لاستقبال الجماهير الرياضية، عبر ترقيم الكراسي وتوجيه الجمهور، توفير المرافق الصحية ووسائل الترفيه، وتأطير جمعيات المشجعين من لدن السلطات الإدارية المحلية وإشراكها في الاجتماعات التحضيرية والتنسيق معها في ما يتعلق بالأنشطة الاحتفالية… وما إلى ذلك من قرارات، لن تخدم إلا الصالح العام وكرة القدم خاصة، يجب السهر على تنفيذها بصرامة.
فأمام هذه الأحداث الأليمة والمتنامية، لا أعتقد أن أحدا من ذوي الضمائر الحية يرضى بتحول ملاعب بلاده ومحيطها إلى مسارح للجريمة، لذا، يلزمنا لكسب رهان الحد من شغب الملاعب، الانخراط الفوري في رفع التحديات واتخاذ التدابير الوقائية، الكفيلة بحسن تنشئة أطفالنا في الأسرة والمدرسة، والحرص على إدماجهم في الأنشطة التربوية والترفيهية، وأن تعمل الشركة الوطنية “سونارجيس”، المكلفة بالتنظيم اللوجستيكي لمباريات البطولة، على ابتكار أساليب حديثة لإنعاش الملاعب، وجعلها فضاءات ذات جدوى وجاذبية لنشر القيم الراقية واستقطاب الأسر المغربية، وأن تقلع الجامعة عن تماديها في التعتيم والتلاعب بمشاعر الجماهير، والتزام الشفافية في اتخاذ القرارات المصيرية.
و في هذا السياق، يرى حسن قرنفل، أستاذ علم الإجتماع ، أن “الشغب بالملاعب المغربية، ظاهرة ذات بُعد اجتماعي بالغ التعقيد، يجب التعاطي معها بذكاء، إذ ترتبط بالأساس بمجموعة من “المشاكل النفسية” الناتجة عن الظروف الإجتماعية التي يعيشها الأفراد المتورطون في فعل شغب الملاعب”، موضحاً أنه “عندما يجتمع الفرد بالجمهور الذي ينتمي إليه، خُصوصاً إذا كانوا يمثلون فئات هشة اجتماعياً، وغير مؤمنة باحترام القانون، فإن جدالاً بسيطاً بين شخصين يمكنه إشعال شرارة المواجهة بين آلاف الأشخاص”.
وزاد ذات المتحدث قائلاً إن “نشوب حالة هيجان في أوساط الجماهير، يعطل عقل المتورطين فيه، تليها ردود أفعال فوضوية غير خاضعة لأي منطق”، ليؤكد أنه “لا حل لظاهرة شغب الملاعب في المغرب، سوى محاولة احتوائها بطرق مبتكرة داخل الملاعب وخارجها، موازاةً مع فرض النظام عليها” ، لأنه من الحيف أن يُؤخذ جمهور كامل بجريرة بضعة عناصر طائشة”، موضحاً أن “هذه العملية ستتحقق بتطور الوسائل اللوجستيكية للملاعب، وذلك باعتماد أنظمة معلوماتية، بالاضافة إلى فرض بطائق تعريف للمشجعين، من شأنها تسهيل عملية تدبير الفضاءات الرياضية”.
و لكي نفهم جيّدا مــأسـاة ثلاثـــة من مُشجعي الرجــاء البيضاوي ، و لكي نفهم أيضا أسباب العنف و شغب الملاعب .لا بد من النظر بعمق وبتجرد الى فصائل المشجعين و محبي الفرق الرياضية ، المتتبع لانشطة هذه الفصائل و المتصفح لصفحاتهم لا شك سينتبه الى القاسم المشترك بينها على مستوى الخطاب المروج و الأفكار المتجدرة في اذهان هؤلاء الشباب ، و الذي يظهر في أوضح تجلياته في الرسوم و اللوحات الاشهارية و العبارات التي يؤثّثون بها فَضاءاتهم ، فــالغالب عليها أنّهــا تحتوي على عبارات دالة على العُنف و التحدي و التضحية بالـــرُوح من أجل الفريق، و الأخطر في الأمر أن هذه الصور و هذه العبارات تجد لها صدى و تأثيرا سحريـًا على نفوس النشء الصغير و أبناء المدارس . فتنغرس هذه الأفكار في عقولهم الفتية و يتشبتون بها الى درجة التعصب للفريق و الاستعداد لارتكاب كل الحماقات من أجل رفع علم الفريق .
الى هنا يمكننا جميعا ان نتفهم هذه الأمور و نَعزوها الى شغف الجمهور بفريقه و بلعبة كرة القدم .، لكن ما لا نستطيع تَفهُمه أبدًا هو كيف للسلطات المحلية في مدن المملكة كلها و لمجالسها المحلية و لهيئات المجتمع المدني و حتى لوزارة التربية الوطنية كيف لها جميعها أن تسمح بوجود مثل هذه الشعارات و مثل هذه الرسومات في المؤسسات التعليمية و الفضاءات المجاورة لها ؟ كما تبين الصورة ( انظروا بالله عليكم ملامح الوجه و قبضة اليد ) – و هي من مدينة مغربية و أمام مؤسسة تعليمية – .كيف لا تتكرر مــأســـاة شغب الملاعب كل نهاية أسبوع و الأطفال الصغار يتشربون مبادئ العنف و التعصب المغلف بقناع التشجيع الرياضي و حب الفريق ، .؟؟ كيف تتغافل جمعيات المشجعين و محبي الفرق الرياضية عن الجانب التأطيري و تكتفي بدور تجييش و تعبئة الأطفال و المراهقين لحضور المباريات حتى و ان كان ذلك ينطوي على مخاطر كبيرة ؟
إن دوافع الشغب الرياضي لا تتعلق بالفاعلية الرياضية بصورة مباشرة، بل تنبع من الحياة اليومية التي يعيشها الأفراد، وربما تكون وليدة رد فعل تعويضي إزاء وضعهم كفئةٍ شبابية أو كفئةٍ اجتماعية تعاني من ظروفٍ اقتصادية أو أوضاعٍ اجتماعية غير مقبولة ولا تنساق إلى دوافعٍ سياسية، مما يجعلهم في حالةٍ نفسية غير معتدلة يسهل إثارتها لارتكاب الشغب و القيام بأعمال العنف.
الشغب ليس فيض من حماس ينتهي بالقتل و الجرح والتخريب، فالعداء الذي يتراكم عبر حقبٍ طويلة يجد الفرصة للانطلاق، لاسيما حين تشعر الجماهير في موقف الحشد بتراخي الضوابط الاجتماعية لدى الجميع، كما أن ظاهرة شغب الملاعب ترجع إلى جملةِ المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدها العالم منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، فدعونا لا نتستغرب كثيرا ما حدث و ما يحدث و ما سيحدث ، فالمنظومة فاسدة من أساسها، بدء من الأسرة و ختما بما يمنحه هذا البلد لأولاده من أطفال و شباب و شيب .
انعدام شروط العيش الكريم بالنسبة للأطفال و الشباب يؤثر على تفاؤلهم بمستقبل أفضل، وهو ما يفسر أن المغرب يتموقع دائما في آخر الصفوف دوليا في شق البلد الذي يوفر مستقبلا جيدا للشباب، توفير شروط عيش كريم للشباب لا يتعلق بمستوى غنى الدولة فقط، وإنما يرتبط بقدرة البلد على التوزيع العادل للثروات وتحقيق التوازن بين مختلف فئات المجتمع.
و على رأي أحمد رضا الشامي الوزير الأسبق: “كل بلد لا يهتم بأبنائه لا يرقى إلى مستوى وطن” . .