بلا عودة
جريدة طنجة – عبد السلام مفرج ( آراء)
الخميس 10 مارس 2016 – 10:45:53
هذا المشروع يوجد الآن في طور الانجاز . من هذا يستطيع مقاومة إغراء مثل هذه الرحلة الفضائية ؟ ومن هذا لا يشعر بقشعريرة غريبة من الخوف تَعبر أعماقه عندما يفكر بأن هذه الرحلة هي ذهاب دون إياب ؟
أسميتها رحلة وليست سَفرًا لأن معنى أن تُسافر هو أن تذهب وتَعـــود ذات يوم . لا بد أن يكون هناك ذهاب دون إيـــاب فليس هذا بسفر وإنما هو في الحقيقة نفي .
النفي مسألة قديمة . قِدَم المجتمع الإنساني ذاته ..
هذا النفي قد يكون اختياريـًا ، فالكثير من الأشخاص في العالم ، لأسباب متعدّدة ومختلفة ( دينية وعرقية و سياسية .. الخ ) هَجــروا أوطانهم إلى الأبد ، مُتّخذين من البلد المضيف وطنًا بديلاً . وقد يكون هذا النفي إجبـاريــًا فهناك الكثير من الأشخاص عبر العالم يمنع عليهم الدخول إلى أوطانهم لسبب من الأسباب . الأكيد أن هذا شيء قاس ومأساوي . لكن ” ابن تيمية ” كان يقول عندما كان مهددا بالنفي : ” إخراجي من بلدي سياحة ” .
وهناك طبعـًا صنف ثالـث هو ما يمكن أن نسميه : ” منفيو الداخل ” . ونقصد بذالك كل شخص يشعر بالغربة في وطنه . يقول ” أبو حيان التوحيدي ” في هؤلاء : ” أغرب الغرباء من صار غربيا في وطنه , وأبعد البعداء من كان بعيدا في محل قربه ” .
وفي جميع الحـــالات فالنفي ليس قَدَرًا لا يمكن تغييره , إذا يمكن أن ينتهي النفي ويعود المنفي إلى وطنه , إما نتيجة لتغير المناخ السياسي , أو لقيام ثورة تقلب نظام الحكم , أو غيرهما .
أن تسافر معناه أن تذهب إلى حيث تشاء , وفق رغبتك وإمكانيتك . ولكن حيث يكون السفر سفرا لا بد أن تعود يوما إلى المكان من حيث انطلقت .
معنى ذلك أن نقطة الانطلاق ونقطة النهاية واحدة ..
إن ما قام به ” طارق بن زياد ” مثلا لا يمكن اعتباره سفرا . فإحراق السفن , يعني قطع الأمل في العودة . خطب “طارق بن زياد ” في الناس قائلا : ” العدو أمامكم و البحر وراءكم ” . فالموت من الأمام ومن الخلف . ولا سبيل إلى الهرب , لذلك فالحل الوحيد المتبقي للنجاة بالنفس هو القتال إلى أخر نفس .
إن السفر لا يعني أن تحرق سفنك مثل طارق بن زياد , ولا أن تلقي في البحر بكل ما يتعلق بهويتك . فتذهب دون عودة كما هو حال ” المهاجرين السريين ” أو بعضهم على الأقل .
هؤلاء المُهاجرين يلقون بأنفسهم في البحر , لأنّهُم لم يَجدوا أمامهم غيره . كل الأبواب موصدة إلا بابه فهي مفتوحة في وجه الجميع . نعتقد عادة أنهم يذهبون إلى الموت, والحل أنهم يهربون إلى الحياة . فهم مثل جنود ” طارق بن زياد ” ينازلون الموت من أجلِ الحياة .
إنّهم ، بخلاف ما يقال عنهم عادة ، ينتصرون للحياة . وقد سبق أن قلنا من قبل إن الحياة الإنسان برمتها ما هي إلا سفر . وقد كانت بداية هذا السفر من التراب و نهاية هذا السفر هي التراب أيضا . فمن التراب وجد الإنسان ومهما طالت سلامته فلا بد أن يعود إليه . من أجل ذلك يمكن القول إن حياة الإنسان سفر يمتد من التراب إلى التراب . وقد كان ” عمر الخيام ” يقول إن التراب ما هو في الحقيقة أمره إلا خد لكاعب حسناء . لذلك وجب أن نزيله عن وجوهنا برفق .
ثمّ إنّ الإنسان قبل نزوله إلى الأرض كان يعيش في السماء ومنذ نزوله وهي تراوده فكرة العودة . إن الإنسان بطبعه يحن إليه شيء ما ومن بين أهم ما يحن إليه ، نجد وطنه . اذكر هنا أن ” ابن عربي ” يرى أن المرأة تحن إلى الرجل لأنها من ضلعه خلقت ، لذلك فهو الوطن بالنسبة لها .
إن الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة يتمنى أن يوفق في سفره على الأرض , قبل أن يتركها و يصعد إلى السماء , عائدا إلى الجنة التي منها خرج .
إن الله هو البارئ واليه المآب . لذلك فالإنسان يشفق على نفسه حتى ولو لم يكن سفره الأرضي قد شارف على النهاية ، إذ قد ينتهي هذا السفر في أي لحظة ، ودون سابق إنذار , لذالك لا يملك الإنسان في الواقع من أمره إلا الدعاء بحسن الخاتمة ..
حُسن الخاتمة هُنا يعني العَودة إلى الجنّةِ .. نسأل الله ألا يُحرمنا منها .. قولوا : آمين . .