انتظار طويل يفاقم معاناة مرضى مستشفى “القرطبي” بطنجة
جريدة طنجة – عبد الواحد استيتو ( هسبريس )
الجمعة 18 مارس 2016 – 17:39:01
الساعة تشير إلى حوالي الثانية عشر من منتصف النهار، وهو ما يوحي أن “عايشة”، التي تعاني من مرض هشاشة العظام، قد جاءت متأخرة، فلم يتبقى أمامها سوى أن تأخذ مكانها في آخر الصف لعلّها تحظى بموعد لا يعلم أحد متى سيكون، لكن المفاجأة كانت عندما اقتربنا من “عايشة” وسألناها منذ متى وهي تقف في الطابور، لتجيبنا أنها قد حضرت منذ الصباح الباكر، وهي لا تعرف إن كان الوقت سيمهلها ليصلها الدّور أم أنها “ستعود في وقت لاحق”.
المفاجأة الثانية هي أن “عايشة” جاءت من مدينة القصر الكبير، حيث استيقظت في الخامسة صباحا في انتظار القطار الذي أقلها نحو طنجة، من أجل الاصطفاف مع أخريات وآخرين جاؤوا للسبب نفسه، والمشكلة أن “عايشة” كانت قد فوّتت موعدا سابقا ظلت تنتظره لمدة 6 شهور، حيث جاءت متأخرة بأسبوع، ليمنحها الطبيب إرشادات سريعة قبل أن تتوجه نحو الطابور مجدّدا للحصول على موعد آخر لا تعلم متى سيكون، لكنها متأكدة أنه سيفوق الشهور الستة في الغالب، كما هو حال جلّ المواعيد.
حالة “عايشة” ليست استثناءً، وكلّ المواعيد تأخذ وقتا يتراوح بين 6 و8 أشهر، وقد تتجاوزها أحيانا. وقد وقفت هسبريس على حالات عديدة تتقاسم الشعور بالإحباط بسبب المدة الزمنية الطويلة التي يجب انتظارها حتى يحين موعد الفحص.
إكراهاتٌ لا حلّ لها
تركنا “عائشة” وتوجهنا نحو إدارة المستشفى مستفسرين عن سبب ما يحدث، فصادفت زيارتنا مناقشةَ بين إداريتيْن حول المشكل نفسه وطريقة تسريع الطابور وتخفيفه، أما المواعيد فبدا أن مشكلتها أضخم وأكبر من إدارة المستشفى.
تقول (بـ.ر) متصرفة مقتصدة بالمستشفى: “كما ترى، ها أنا أناقش مع زميلتي المسؤولة التقنية عن المواعيد التي تؤخذ عن طريق الإنترنت، والتي نريد أن تتم بطريقة أسرع أمام الضغط الذي يخضع له الموقع، أما بالنسبة للمدة الزمنية البعيدة للمواعيد فلا حيلة لنا أمامها نظرا لقلة الأطباء”.
“لا يمكن تقريب أي موعد لأي مريض وإلا سيكون ذلك على حساب آخرين. الشهور التي تبدو طويلة هي في الحقيقة محجوزة كليا لمرضى آخرين ولا يمكن أن يتم تقريب موعد شخص ما إلا على حساب آخر”، تواصل محدّثتنا مفسّرة.
وتضيف المتحدثة موضحة أكثر: “الطبيب الواحد يفحص مثلا 30 حالة في اليوم بمعدل 15 دقيقة للحالة تقريبا، لو منح وقتا أكثر للمريض فسيظلم المنتظرين الآخرين، ولو منح أقل فسيظلم المريضَ نفسَه، ولا يمكن تقديم الأفضل إلا بتوفير المزيد والمزيد من الأطباء، وهو أمل موكولٌ للوزارة الوصية وليس لنا”.
بالنسبة للحالات المستعجلة، فقد أكدت لنا مُحاوَرَتنا أنها تؤخذ بعين الاعتبار ويتم التعامل مباشرة معها إن ثبت أنها فعلا كذلك، فالأمر لا يخلو من حالات التحايل دائما.
“موعدي”.. نصفُ حلّ
الطبيبة والمسؤولة التقنية عن مواعيد مستشفى القرطبي بموقع “Mawiidi.ma”، الذي أطلقته وزارة الصحة مؤخرا، أفصحت لنا عن معاناتها مع الضغط الكبير على الموقع، مما يجعل عملية أخذ المواعيد نفسها تأخذ وقتا طويلا لكل مريض قد يصل إلى 15 دقيقة.
“كان من المفروض أن يخفف هذا الموقع الضغط على المستشفى من ناحية طول الطوابير، حيث يفترض أن يأخذ كل مريض موعده بنفسه، لكن كما تعلم فالبسطاء من الناس لا يستطيعون التعامل مع الموقع بأنفسهم، وبالتالي يحضرون للمستشفى.. صحيحٌ أن الموظف الذي يأخذ المواعيد أصبحت مهمته أسرع وأكثر فعالية، لكن لازلنا نعاني من مشكل طول الطوابير”، تضيف المسؤولة التقنية.
تقول المتحدثة إن الحل الوحيد هو إضافة موظف أو أكثر ليتم تقسيم الطوابير إلى اثنين أو ثلاثة، فتقصر بالتالي مدة الوقوف وتصبح مدة الإنجاز أسرع، دون أن يؤثر ذلك على تاريخ المواعيد نفسها طبعا، والتي فهمنا أنه لا حل لها سوى بزيادة عدد الأطباء.
الانتظار الحلّ الوحيد.. المميتُ أحيانا !
تبدأ المعاناة هنا لكنها لا تنتهي في المكان نفسه، فبعد الفحص والكشف على المريض، قد يطلب منه الطبيب فحصا بالأشعة أو مسحاً ضوئيا، حيث على المريض أن يتوجه نحو المستشفى الإقليمي محمد الخامس لأخذ موعد جديد لإجراء الفحص المطلوب الخاضع تماما لسلطة الأجهزة، والتي يصيبها العطب غير ما مرة.
هي إذن مواعيدُ تطولُ لشهور، وأجهزة تصاب بالعطب في الوقت غير المناسب، وأمراض لا ترحم أجساد المرضى.
أمراضٌ بعضها مُستعصٍ تأكل من أجساد أصحابها كلّ يوم دون أن يجدوا حيلة أو يهتدوا إلى سبيل، في انتظار موعد قد يدركونه.. وقد يدركهم الموت قبله…