آخرُ الغيث…قطرات لا عُنفَ بعدَ اليوم
جريدة طنجة – عزيز گنوني ( آراء )
الجمعة 25 مارس 2016 – 18:22:25
هذا القانون سيوضع لاحقًا تحت أنظار البرلمان بغُرفَتيه لمُنـاقَشتهِ والمصادقة عليه أو تعديله وفق ما ستتفتق عنه عبقرية النواب والمستشارين شريطة أن يتوفر النصاب، وإلا اضطر البرلمان ، إلى التصويت “بمن حضر”، ذلك أن مبادرات رئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين من أجل إقناع أعضاء البرلمان بـ “حتمية” حضور الجلسات، سواء على مستوى اللجان أو الجلسات العامة، لم تفلح، حتى عندما ضمنا لهم إقامة فاخرة في فنادق فاخرة ووفرا لهم كل ما يتبع ذلك من “اللوازم”، فضلا عن الامتيازات الهائلة التي يتمتعون بها، بسبب “تطوعهم” لخدمة الشعب، بأجر متواضع، وتقاعد لا يتعدى “زوج فرنك”! بشهادة وزيرة الماء التطوانية الجميلة.
ثم يأتي بعد ذلك دور النشر بالجريدة الرسمية الذي بدونه لن تكون لنص هذا القانون أدنى شرعية.
الإعلان عن “الإفراج” عن هذا القانون الذي لا زال مشروعا، ورد في بيان الاجتماع الأسبوعي “الخميسي” الأخير للحكومة ، وهو أول قانون من هذا النوع في تاريخ المغرب الحديث، أملته، لا شك، التحولات الجديدة التي طرأت على الشعب المغربي الذي تنكر للكثير من أخلاقه وقيمه الاجتماعية النبيلة، ليسقط تحت تأثير عادات دخيلة مشينة، ومنها ممارسة مختلف أشكال العنف ضد المرأة، الأم والزوجة والأخت والبنت والقريبة والبعيدة أيضا.
بيان الحكومة تحدث عن “صيغة جديدة” لمشروع قانون مناهضة العنف ضد النساء، وأوضح أن هذا المشروع يرتكز على الحقوق التي كرسها الدستور والتي تنص على المساواة بين الجنسين وعلى النهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر كل أشكال التمييز ضدها.
هذا كلام كبير، إذا أدخلنا في اعتبارنا مواقف بنكيران من النساء اللائي لم يكن يتردد في مناداتهن بـ “العيالات” ، والدعوة إلى “حبسهن” في الدار، لأن في خروجهن “مفسدة” للأسرة و”فتنة”……
مشروع القانون الجديد جاء، كما أشيع، بتحديد “دقيق” للعنف ضد المرأة بهدف حصر الأفعال والسلوكات التي يجرمها القانون الجديد القديم وإحداث الآليات الضرورية للتكفل بالنساء ضحايا العنف. ولابد ن يكون هذا القانون قد أشار في مقتضياته إلى العنف الأسري والاغتصاب الزوجي والسرقة بين الأزواج…وتلك حالات كان البيجيديون قد “استخفوا” بها اعتبارا للخلفية التي يقضون بمقتضاها، والتي يبدو أنهم كانوا مضطرين لاحتوائها والالتفاف عليها بعدما صار العنف ضد المرأة مسألة رأي عام دولي !!!…
وكانت الوزيرة الحقاوي قد أعلنت في اليوم العالمي للمرأة، عن قرب “برمجة” النسخة النهائية للمشروع من طرف الحكومة. وزادت فتباهت بإنجازات المغرب في مجال حماية حقوق المرأة الأمر الذي يوجب على نساء هذا البلد “أن يهنئن أنفسهن عليها” حسب زعمها !….
وفي هذا الصدد أشارت إلى العديد من المنجزات “على المستوى التشريعي” كالمرصد الوطني للعنف ضد النساء، والمرصد الوطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام وقالت “إن الأرقام ناطقة اليوم” بالتقدم الذي تعرفه المرأة في المغرب” ، ونحن نقول، نعم، التقدم الذي صنعته المرأة لنفسها وبإرادتها وإمكاناتها، وطموحها. أما ما تتحدث عنه الوزيرة، فإنه تقدم ……على الورق ليس إلا !
قانون مناهضة العنف ضد المرأة بدأ التحضير له سنة 2005، وانتقل إلى بسيمة الحقاوي من الوزيرة التقدمية التي سبقتها لوزارة التنمية والتضامن والأسرة، نزهة الصقلي التي انتقل إليها من ياسمينة بادو، على عهد حكومة ادريس جطو، سنة 2009 وكان مشروع الصقلي يروم محاربة العنف ضد النساء، وتعزيز حماية الحقوق الإنسانية للمرأة في سياق التطورات العميقة التي يشهدها المغرب، بعد المصادقة على جملة من المواثيق والاتفاقيات الدولية التي أصبحت تفرض تدخل المشرع المغربي من أجل ملاءمة التشريع المحلي مع التوجه العالمي.
وفي نوفمبر 2010 أطلقت الوزيرة الصقلي حملة وطنية لمناهضة العنف ضد النساء، أكدت خلالها ضرورة التعبئة في صفوف الرجال والنساء ، من أجل ربح رهان مناهضة العنف ضد النساء، عبر التحسيس والتربية بهدف تغيير العقليات الظاهرة التي تعد وصمة عار على جبين المتورطين في ظاهرة العنف ضد النساء.
كانت الوزيرة الحقاوي قد أعلنت، عند انطلاق حملة “الشماتة” الوطنية الثانية عشرة لوقف العنف ضد النساء، سنة 2014، أن مشروع قانون مناهضة العنف ضد المرأة سيخرج إلى حيز الوجود قبل نهاية تلك السنة.
وها نحن في منتصف الشهر الثالث من سنة 2016، وقانون الحقاوي لم يظهر له وجود. لقد صادق مجلس الحكومة على “صبغته الجديدة” ولكن لا زالت أمامه “مسافة الألف ميل” يقطع جزءا منها بالبرلمان، بشقيه، قبل الوصول إلى الجريدة الرسمية…..
ولعل التوقيت الذي اختارته حكومة بنكيران المؤتلفة على الاختلاف والتناقض والتعاكس والتنافر، وهي على بعد سبعة أمتار من خط الوصول إلى آخر الشوط “النهائي”، للمغامرة الفاتنة، الساحرة التي تعيشها منذ “حدث” ميدلت التاريخي ، ونفهم أنهم قلة من يستطيعون الزهد في تلك المغامرة، وفي حظوتها وإغوائها وأوهامها وإغراءاتها. ومع ذلك، فلربما كان خروج قانون مناهضة العنف ضد النساء “خاتمة خير” على بنكيران وبيجيده ، قد تمهد الطريق إلى “محطة” جديدة،….. فالنساء هن من يصنعن الرجال، ويصنعن التاريخ. ويوقفن دوران الأرض،…… ويؤثرن في “مزاج” الصناديق المعلومة !!!!…..