نوادر وطرائف من التراث العربي الأصيل (25)
جريدة طنجة – محمد وطاش (طَرائف من الثُراث العربي (25) )
الثلاثاء 22 مارس 2016 – 15:35:24
•مـا أحـوجَ المَــرء، في هَذا الزّمن الرَّهيب ذي الوَجْه الكَئيبِ، إلى ما يُبَدّدُ ظُلُمــات غَمّه و يشع نُور البَهْجة في صدرهِ، وهو يستمتع بقراءة ما سَجّلهُ السابقون من مُسْتَمْلَحــات و نــوادر وطرائف تعيد للنفس بعض الاتزان.
ومِمّا يُحَفّز على اقْتِنــاص فُرْصَة شــافية لتصفية المَزاج، ما تَزخــرُ بهِ خزانة الثقافة العربية من أمهات كتب أدبية وفكرية تتضمن كما هائلا من النوادر والطرائف، المجسدة بشكل فني ساخر للحظات مشرقة تنطوي على فوائد ترفيهية ونقدية (اجتماعية،أدبية وسيا سية…)، ككتاب «الأغاني» لأبي فرج الأصفهاني، وكتاب «العقد الفريد» لابن عبدربه، و«يتيمة الدهر» للثعالبي، و«المستطرف» للأشبيهي، و«نفح الطيب» للمقري، و«مروج الذهب» للمسعودي، و«المحاسن والمساويء» للبيهقي، و«عيون الأخبار» لابن قتيبة، و«صبح الأعشى» للقلقشندي، وكتاب «الأذكياء» لابن الجوزي والجاحظيات عامة، وغيرها من الكتب والتراجم التي لايسع المجال لذكرها.
وإحْيــاء لهَذا الترُاث الطَّريف التّليد الّأذي يُشخص لحظات عابرة عاشتها أقـوام غـابرة، نُقدّمُ للقَـارئ الكريم، وعبرسلسلة حلقات، باقة منتقاة من الطرائف والنوادرالتي اقتطفناها بعناية من حقل كتاب «أحلى الحكايا» وهو ـ من منشورات دارالكتب اللبنانية ـ لمؤلفه الباحث عبد الأميرعلي مهنا، الذي يقول في مسك ختام مقدمة كتابه الذي أعده بأسلوب فكاهي :
«وتراثنـا العـربـــي مليء بالكتب التي تتناول الشخصيات الطريفة التي تدخل إلى الأوساط الغنية المترفة والأوساط الفقيرة وقصور الملوك ومجالس الخلفاء والقادة، هذه الشخصيات التي وهبها الخالق البديهة والحساسية النقدية المرهفة التي تجعلها تلتقط أحداث الحياة وأحوالها العادية فتتحول على يديها إلى ضحك ونوادر مفعمة بروح النقد الاجتماعي والخلقي والأدبي والسياسي.
هذه الطرائف تُصَوّر لَنـا جــوانب من الحَيــاة الاجْتِمـــاعية عند العرب، أعددتها بأسلوب فكاهي شيق وممتع، آملا أن أكون وفقت إلى بعض مانشدت ومااجتهدت، والله الموفق». وأملنا أن يستفيد اللاحقون مما خلفه السابقون من نوادر وطرائف لاتخلومن فائدة، فهي أشبه ماتكون بوجبات صحية ضمت صحونها مائدة.
فَقِراءة مُمْتعة ومُفيدَة.
قالوا: يا أبت، إنّــه المـــوت، ولو كــان غيره لوقيناك بـــأنفسنا.
فقال: اسندوني، فأسندوه.
ثمّ قـــال: اللّهُمّ إنّـك أمـَرتني فلم أأتمر، وزَجَــرتني فلم أزدَجــر، اللّهم لا قوي فأنتصر، ولا برأيي فأعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر! وأتوب إليك لا إله إلا أنت سبحانك إنّــي كنتُ من الظــالمين.
فلم يزل يكرّرها حتّـى مــــات.
قال الأصمُعي:
خرج الحجاج ذات يوم فأصحر، وحضر غذاؤه فقال: اطلبوا من يتغذّى مَعَــنـا، فطلبوا، فلم يجدوا إلاّ أعرابيًا في شملة، فـــأتوه به. قال له: هلم. قال له: قد دَعــاني من هو أكرم منك فأجبته.
قال: من هو؟
قال: اللّه تبارك وتعالى دَعـــاني إلى الصيام، فأنـا صـائـم.
قال: صوم في مثل هذا اليوم على حر؟
قال: صمت ليوم هو أحرّ ؟
قال: فافطر اليوم وتصوم غدا.
قال: أيضمن لي الأمير أن أعيش إلى غد؟
قال: ليس ذلك إليّ.
قال: فكيف تسألني عاجلا بآجل ليس إليه سبيل؟
قال: إنّـه طعـام طَيب.
قال: واللّه ما طيّبه خَبـــازك ولا طباخك ولكن طيّبته العافية.
قال الحجّــاج: تاللّه ما رأيت كاليوم، اخرجوه عنّي، أخرجــوه عنيّ.
دخلَ على زياد رجل من أشراف البصرة فقال: أين مسكنك من البصرة؟
قال: في وسطها.
قال له: كم لك من الولد؟
قال: تسعة. فلما خرج من عنده قيل له: إنه ليس كذلك في كل ما سألته، وليس له من الولد إلا واحد وهو ساكن في طرف البصرة.
فلما عاد إليه سأله زياد عن ذلك فقال له: ما كذبتك؟ قال: لي تسعة من الولد قدمت منهم ثمانية فهم لي وبقي معي واحد، فلا أدري ألي يكون أم عليّ، ومنزلي بين المدينة والجبّـانة، فأنا بين الأحياء والأموات، فمنزلي في وسط البصرة.
قال: صدقت.
قال الشيباني: نزل عبد اللّه بن جعفر إلى خيمة أعرابية ولها دجاجة وقد دجنت عندها، فذبحتها وجاءت بها إليه فقالت: يا أبا جعفر، هذه دجاجة لي كنت أدجّنها وأعلفها من قوتي، وألمسها في آناء الليل فكأنما ألمس بنتي زلّت عن كبدي، فنذرت اللّه أن أدفنها في أكرم بقعة تكون، فلم أجد تلك البقعة المباركة إلاّ بطنك فأردت أن أدفنها فيه.
فضحك عبد اللّه بن جعفر وأمر لها بخمسمائة درهم.
كان لأعرابية ابن شديد العراك، كثير القتــال للنــّاس، مع ضعف جسد ورقة عظم. فواثب مرّة فتى من الأعراب، فقطع الفتى أنفه، فأخذت أمه دية أنفه، فحسن حالها بعد فقر مدقع، ثم واثب آخر فقطع أذنه، ثم أخذت دية أذنه فزادت في المال وحسن الحال، ثم واثب آخر فقطع شفته، ثم أخذت دية شفته، فلما رأت ما صار عندها من الإبل والبقر والغنم والمتاع بجوارح ابنها، ذكرته في أرجوزة لها تقول فيها:
أحلف بالمروة حقاً والصّفا —— أنك خير من تفاريق العصا
فقلت لأعرابي: ما تفاريق العصا؟
قال: العصا تقطع ساجوراً ثم يقطع الساجور أوتاداً، ثم تقطع الأوتاد أشظّة.
وقع بين ابن لعمر بن عبد العزيز وابن لسليمان بن عبد الملك كلام. فجعل ابن عمر يذكر فضل أبيه. فقال له ابن سليمان: إن شئت فاقلل وإن شئت فأكثر؛ ما كان أبوك إلاّ حسنة من حسنات أبي! لأن سليمان هو ولي عمر بن عبد العزيز.
خطب خالد بن عبد اللّه القسري فقال:
يا أهل البادية، ما أخشن بلدكم وأغلظ معاشكم وأجفى أخلاقكم، لا تشهدون جمعة ولا تجالسون عالماً.
فقام إليه رجل منهمم دميم فقال: أمّا ما ذكرت من خشونة بلدنا وغلظ طعامنا فهو كذلك، ولكنكم معشر أهل الحضر فيكم ثلاث خصال هي شرّ من كل ما ذكرت.
قال له خالد: وما هي؟
قال: تنقبون الدّور، وتنبشون القبور، وتنكحون الذكور.
قال: قبّحك اللّه وقبّح ما جئت به.
قال ابن إسحاق: لما خرج رسول اللّه (ص) إلى بدر، مرّ حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن محمد وقريش وما بلغه من خبر الفريقين. فقال: الشيخ: لا أخبركم حتى تخبروني ممن أنتم.
فقال رسول اللّه (ص): إذا أخبرتنا أخبرناك.
فقال الشيخ: خبّرت أن قريشا خرجت من مكّـة وقـت كَذا، فإن كان الذي خبّرني صدق فهي اليوم بمكان كذا، للموضع الذي به قريش، وخبرت أن محمدا خرجَ من المدينة وقت كذا، فإن كان الذي خبرني صدق فهو اليوم بمكان كذا، للموضع الذي به رَسُــول اللّه (ﷺ ). ثم قال: من أنتم؟ فقال رسول اللّه (ﷺ ): نحن من ماء، ثم انصرف. فجعل الشيخ يقول: نحن من ماء! ماء العراق أو ماء كذا أو ماء كذا!
بين البوم والغراب عَداوة. وبينَ الفأرة والعَقرب عَداوة. وبين الغراب وابن عِرس عَداوة. وبين الحدأة والغراب عداوة. وبين العنكبوت وبين العَـظاءة عَداوة.
وبين الحية وبين ابن عرس عداوة. وبين ابن آوى والدّجــاج عَداوة. وبين السنور والحمام عداوة. وبين البوم وبين جميع الطير عداوة، لأن البومة رديئة البصر ذليلة بالنّهــــار، فإذا كان الليل لم يقوّ عليها شيء والطير تعرف ذلك من حالها فهي بالنهار تضربها وتنتف ريشها، ولحرصها على ذلك صار الصائد ينصبها للطير.
وبين الحمار وعصفور الشوك عداوة، ومتى نهق الحمار سقط بيض عصفور الشوك، وبين الحمار وبين الغراب عداوة، وبين الحيّة والخنزير عداوة. والغراب مصادق للثعلب، والثعلب مصادق للحيّة، والجمل يكره قرب الفرس أبداً و يُقــاتله. وبين الأسد وبين الفيل عداوة. ويقال إن الأسد والنّمر مختلفان. والأسد والببر متفقان.
قرأ الحجاج من ســـورة هود: {قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} فلم يدر كيف يقرأ: عمل بالضم والتنـويـــن، أعمل بــالفتح. فبعث حارسًا فقال: إيتني بقــارئ . فـأتــَى به وقد ارتفع الحجاج عن مجلسه، فحبسه ونسيه حتى عَرض الحجاج حبسه بعد ستة أشهر. فلما انتهى إليه قال له: فيم حبست؟
قال: في ابن نوح، أصلح اللّه الأمير، فضحك وأمرَ بــإطلاقهِ.
عن خالد الحَذاء قـال:
خطبت امرأة من بني أسَـد فجئــتُ لأنظرَ إليهـــا وبيني وبينها رواق(1) يشفّ فدعت بجفنة مملوءة ثريداً(2) مكلّلة باللّحم فأتت على آخرها، وأتت بإناء مملوء لبناً أو نبيذاً فشربته حتى كفأته على وجهها ثم قالت: يا جـــارية ارفعي السجق(3) فإذا هي جالسة على جلد أسد وهي جميلة فقالت: يا عبد اللّه: أنا سيّدة من بَني أسد على جلد أسد وهذا مطعمي ومشربي فإن أحببت أن تتقدّم فافعل.
فقلتُ: أستخير اللّه وأنظُر، فخَرجت مُسرعاً ولم أعُــد.
قالوا: إن قس بن ساعدة، وأكثم بن صيفي اجتمعنا، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟
فقال: هي أكثر من أن تحصر، وقد وجدت خصلة إن استعملها الإنسان سترت العيوب كلّها.
قال: وما هي؟
قال: حفظ اللّســان.
كانت النساء يطلقن الرجال في الجاهلية وكان طلاقهن إن يكن في البيوت من شعر، فإن كان باب البيت من قبل المشرق حولنه إلى المغرب، وإن كان من قبل اليمن حولنه إلى الشام، وإن كان من قبل الشام حولنه إلى اليمن، فإذا رأى الرجل ذلك علم أن امرأته قد طلّقته فلم يأتها..
(يتبع)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الرواق: كساء مرسل على مقدم البيت من أعلاه إلى الأرض.
(2) التريد : نوع من الأكل…