الاعتداء على الأصول … انحراف اجتماعي أم عقوبة الهية
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (الاعتداء على الأصول )
الثلاثاء 01 مارس 2016 – 11:54:20
ظاهرة العنف على الأمهات و الآباء عرفت انزلاقا خطيرا في الآونة الأخيرة في المغرب عامة و في طنجة على وجه الخصوص، حيث لا تخلو جلسة من محاكمنا إلا وتطرقت إلى قضية التعدي على الأصول، سواء جناية، جنحة أو مخالفة، والأسباب تختلف حول استفحال هذه الجريمة الإجتماعية التي أصبحت تهدد كيان واستقرار أفراد الأسرة، مما يؤثر بالسلب على استمرار ترابط العائلة المغربية، بعد أن وصل الحد بالأبناء إلى الإعتداء على من أتي بهم إلى الحياة، وحملهم 9 أشهر سواء بالضرب، الإهانة، التهديد بالقتل والقتل والإعتداء الجنسي، ورغم أن هذه الظاهرة تعد دخيلة على مجتمعنا، إلا أن تفاقمها أضحى هاجسا كبيرا يستدعي دق ناقوس الخطر، وتدخل هيئات وجمعيات مدنية لتفعيل الحوار ولمّ الصدع بين الآباء وأبنائهم.
وقال الله تعالى ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”.
يرى المختصون أن غياب الوازع الديني، المشاكل الإجتماعية والظروف الأسرية ونقص الحوار من الأسباب التي تدفع الأبناء إلى ارتكاب جريمة التعدي على الأصول، وفي معظم الأحيان البطالة هي السبب، هذه الأخيرة دائما ما تؤدي بالشباب إلى الإتجاه نحو الآفات الإجتماعية هروبا من الواقع المريرحسب اعتقادهم، فيجدون ملاذهم في تناول المخدرات لنسيان ما يعانون منه، إلا أنهم بذلك يودون بأنفسهم إلى الهلاك، ويضحون عبيدا لها، مما يدفعهم إلى طلب المال من أولياء أمورهم لشرائها، وعند الرفض يقابلونهم بالإبتزاز والتهديدات بالضرب والشتائم وذلك في أحسن الظروف، في حين يتجرد البعض منهم من مشاعرهم اتجاه آبائهم ليعتدوا عليهم، وهنا نجد صنفين من الآباء والأمهات، فالنوع الأول يقوم بتبليغ مصالح الأمن ويودع شكوى ضد ابنه في حالة تعديه عليه، سواء لفظيا أو جسديا، فيما يتكتم الصنف الثاني عما يتعرضون إليه من عنف، خوفا من الفضيحة أمام الجيران أو شفقة وحبا لفلذات أكبادهم، فلماذا لا يفكر الأبناء في آبائهم مثلما يفكر الآباء في أبنائهم؟. حاليا تستعرض المحاكم بطنجة، كمّا ليس بالهيّن من قضايا الإعتداء على الأصول، وفي كل مرة يتحجج الأبناء ومعظمهم من الجنس الخشن، بأن ظروفهم الإجتماعية وراء ارتكابهم هذا، وهناك من يطلب العفو من والده وأمه. هؤلاء سرعان ما يلبون الرغبة لأن المتهمين أبناؤهم ولا يمكن أن يعذبوا أنفسهم بوجود أولادهم في السجن. ومن جانب آخر، فإن المشاهد الملاحظة أيضا، هناك من الآباء من يلتمس من هيئة المحكمة حبس أبنائهم، ليأمنوا شرهم كونهم عاقون ولا يفهمون معنى التوبة،إلى أن يدخلوا المؤسسة العقابية، هذا ان لم يطعنوهم طعنات غادرة تودي فورا بحياتهم.
إن التعاطي للمخدرات و المشاكل العائلية هما أصل هذه الظاهرة، كثيرا ماتتفاقم المشاكل العائلية لتؤدي فيما بعد إلى ارتكاب الأبناء لجرائم مختلفة ضد آبائهم الذين يلجؤون إلى إخراجها من حدود البيت العائلي لتحط رحالها بقاعات المحاكم. ولهذا السبب، ارتأينا أن نتحدث إلى الأستاذ نبيل السملالي، المحامي بهيئة طنجة ، ليطلعنا على المواد القانونية فيما يخص هذه الجريمة البشعة في حق الوالدين، حيث دق محدثنا ناقوس الخطر فيما يخص هذه الظاهرة التي هي خارجة عن مجتمعنا، مع العلم أن هذه الحوادث لطالما تم تداولها بالاحياء الشعبية خصوصا حيث يكون فيها الجهل و الفقر مستقرين بأريحيّة، ، مؤكدا أن المحاكم شهدت و تشهد دائما قضية من قضايا التعدي على الأصول التي ازدادت مقارنة بالسنوات الماضية، وأضاف بأن المشرع المغربي حاول أن ينزل أقصى عقوبة على الأبناء العاقين وهذا ما يظهر من خلال المواد القانونية الخاصة بالضرب و الجرح و التسبب في عاهة مستديمة و القتل في حق الأصول ، فالعقوبات تصل الى ثلاثين سنة، معربا أن القتل في حق الأصول يكاد يكون منعدم مبدأ القتل العمد في جل الحالات ، حيث الحوادث التي أبرمت عن قتل الأم أو الأب أو هما معا ، صعب أن تتوفر فيها صيغة القتل العمد ، لأن الابن في أغلب الأحيان لا يخطط و لا يبرمج و لا يزعم ، هي حالة هستيرية يصاب بها الجاني نتيجة تناوله جرعات من المخدرات الصلبة و القوية و التي تخرجه عن عالمه الواقعي لتجعل منه انسانا متوحشا عنيفا باستعداد لأن يقتل ولديةه لأي سبب تافه كان أو لم يكن .
و أضاف الأستاذ المحامي نبيل السملالي أن قضايا التعدي على الأصول من بين الجرائم التي يعاقب عليها القانون ولا يتساهل معها القضاة، جراء الإهانات والاعتداءات التي تطال الأولياء من طرف أبنائهم، أين لا يجدون حلا للحد من تصرفاتهم القاسية عليهم، سوى العدالة، و التي بدورها تقوم بواجبها وتودعهم السجن، مع انعدام شروط التخفيف ، كما يتم تشديد العقوبة في حالة تناول المخدرات أو المسكرات، و هنا يشير الأستاذ السملالي للسبب الرئيسي الذي يدفع هؤلاء الى ارتكاب أبشع الجرائم في حق أصولهم، هو تعاطيهم للمخدرات ، “لا سبب غير هذا ، الانسان السوي أبدا لن يطاوعه قلبه أن يتجرد من انسانيته و يقتل أحد والديه أو كلاهما معا ، هذا الشخص عليه أن يكون فاقدا الوعي تماما ، و هنا علينا محاربة هذه السموم التي تروج ببلادنا و تذهب عقول أبنائنا قبل أن محاسبتهم و حبسهم و معاقبتهم،” و هنا يأتي دور الجانب النفسي في مثل هذه القضايا ، لأنه و في حالة ثبوت المرض النفسي يحال الجاني الى مؤسسة استشفائية، اما أن يعتبر معتوها فيدخل المستشفى مدى مدة عقوبته أو يحال على السجن العادي ليجد نفسه في عالم غريب عليه ، لأنه لم يكن بوعيه عندما فعل ما فعل ، لذلك من المفترض أن يكون هنالك سجن استشفائي ، سجن يضم أطباء و محللين نفسيين يساعدون الجاني على التخلص من ادمانه و الرجوع الى حالته الطبيعية و من ثم النظر في أمره، و لم لا التحقيق في القضية من جديد .
ويضيف نبيل السملالي أن القانون الجنائي قد يحكم على الجاني في جريمة القتل العمد «العادية» بالمؤبد، لتصل العقوبة إلى الإعدام في حالة التشديد ومنها اقترانها بجنحة أو جناية أو يقتل الأصول مضيفا أن القليل من الأولياء يتمسكون بشكواهم ويطلبون من القاضي تسليط أقصى العقوبات على أبنائهم من أجل عدم إعادة فعلتهم والحد من تصرفاتهم، أغلبهم لا يتحملون رؤية أولادهم وراء أسوار السجن، فيتنازلون عن القضية ويتوسلون القضاة للإفراج عنهم، بحكم أنهم أودعوا شكاوى ضدهم في لحظة غضب وندموا عليها بعد ذلك، و بالتالي عند التنازل تسقط الدعوة المدنية و يرجع الابن العاق الى كنف أبويه ليعاود الكرة مرات أخرى حتى يزهق أرواحهما بلحظة تعدّ، هي اذن قضية انحلال أخلاقي ، و تبدد للأعراف، و اعدام كليّ لأبسط معالم الانسانية و هو حب الوالدين والرأفة بهما و تقديسهما، فلا نرى الىن غير الجحود و الحقد و الكراهية و العنف الدفين و أوصاف أخرى أصبحت تغوص بقلوب المراهقين و الشباب ، خصوصا بالأحياء الشعبية ، كيف لا و هم يقطنون بمدينة واحدة مع أولئك الأسوياء لكن تفرقهم ربما حتى البنية التحتية لمحيطهم ، أحياء بدون مراكز تثقيية و ترفيهية لهؤلاء المراهقين و الشباب ، كبت و قمع و انحلال و غرق بعالم المخدرات ، هذا هو ملاذهم الوحيد ، لو كانوا نشؤوا في بيئة سليمة توفر لهم ما هم بحاجة اليه لما ارتموا في أحضان المخدرات التي تدمرهم يوما بعد يوم ، ثم تجعلهم يرتكبون أبشع الجرائم في حق ذويهم.
أمثلة من الواقع الحي بطنجة .
قبل عشرة أيام استيقظت حومة الشوك بمنطقة مغوغة شرق مدينة طنجة، حوالي الساعة الثانية والربع من صبيحة يوم السبت، على جريمة قتل بشعة، اقترفها شاب مدمن على المخدرات يبلغ من العمر 24 سنة، حينما أجهز على أمه المسماة قيد حياتها “الكبيرة.ب”، والبالغة 46 سنة من عمرها بواسطة سكين لتلفظ أنفاسها في الحين.
وأفادت مصالح الأمن الوطني، أن الجاني (م.ا) يبلغ من العمر24 سنة، مدمن مخدرات “هيروين” وأرجحت ذات المصادر، أن أسباب الجريمة تعود إلى نشوء خلاف بسيط بين المتهم وأمه، حيث تسلل الأخير حاملا سلاحه الأبيض لبيت والدته الضحية وباغتها ـ وهي نائمة رفقة ابنتها الصغيرة البالغة من العمر 11 سنة ـ بطعنات قاتلة قبل أن يفر خارج المنزل حيث جرى اعتقاله .
والتحقت المصالح الأمنية بمسرح الجريمة، فور إشعارها بخبر مقتل السيدة، حيث عملت على إيقاف المتهم وحجزت السلاح الأبيض أداة الجريمة، وتم نقله إلى مقر المنطقة الأمنية بني مكادة حيث تم الإستماع إليه لمعرفة ملابسات الحادث، وقد تم نقل الضحية لمستودع الأموات التابع للمستشفى الجهوي محمد الخامس ، بعد وفاتها فورا إثر تلقيها طعنات على مستوى الوجه والعنق.
بخصوص هذه الحادثة بالذات ، هنالك تضارب واسع بالأقوال في الشارع الطنجي حاليا ، هنالك من يقول أن الشاب الجاني شاب مستقيم و لا يتعاطى المخدرات و أنه لا يعي الى حد الساعة ما حصل خصوصا بعض جيرانه و معارفه،و هنالك من يرجع هذا لاضطراب نفسي كبير و هناك من يرجع هذا الى مس شيطاني ، و هناك ايضا من يطالب السلطات باخضاع المتهم لدراسة نفسية من شأنها أن توضح معالم هذه الجريمة الشنيعة، ربما المتهم بريئ فعلا و فعل فعلته و هو فاقد للوعي التام بدون التعاطي لأي مخدر .. ربما لم يكن هو مرتكب الجريمة و أراد التستر على طرف آخر … ربما و ربما و ربما … هنا على السلطات التأكد تماما من ادانته قبل الحكم عليه و تدمير مستقبله و حياته ، شهادات متفرقة تثير الشبهات حول هذه الجريمة .. يرجى التحققجيدا قبل ادانة هذا الشاب .
شاب آخر في منتصف عقده الرابع، أقدم على ارتكاب جريمة قتل بشعة في حق والدته، 12 يناير المنصرم، بعد أن قام بطعنها طعنات قاتلة بسلاح ابيض من الحجم المتوسط ، و كانت قد أفادت مصادر أمنية، ان الشاب يبلغ من العمر 34 سنة ، يقطن بحي “بئر الشفا” ، باغت والدته البالغة من العمر 59 سنة، بثلاث طعنات على مستوى الوجه و خمس على مستوى البطن بواسطة سكين منزلي، لتسقط مضرجة في دماءها ، وتلفظ على التو أنفاسها الاخيرة . ليتم نقل جثة الام الضحية الى مشرحة الأموات بمستشفى “الدوق دو طوفار”.
جرائم أخرى متعددة و متفرقة اقترفها شباب و قصر تجردوا من كل معاني الانسانية و راحوا يسرحون في هذه الأرض كالبهائم الضالة التي لا يحكمها عرف و لا قانون ، هؤلاء يجب معاقبتهم أشد العقوبات ، ليكونون عبرة للآخرين الذين يفكرون في الاعتداء على أصولهم و ذويهم .
هنالك أبعاد عديدة تتداخل في هذه الظاهرة، منها النفسي والاجتماعي والثقافي والسياسي، و أغلب حالات الاعتداء على الأصول، المنشورة في الصحف، أو المعلن عنها من طرف الشرطة القضائية، أو المرصودة في الواقع، تعود إلى تناول المعتدين المخدرات؛ فيما يُعتبر تغيّر العلاقات داخل الأسرة المغربية عاملا ثانيا لانتشار هذه الظاهرة، إذ تغيّرَ مفهوم “السلطة الوالِديّة” بحجّة الانفتاح، إلى درجة “الحريّة بدون قيود”، ما أدى إلى “الانفلات الأخلاقي”.
و هنا يأتي اختلاط الأدوار الاجتماعية، “فعندما يترعرع الطفل وسط أسرة غير متوازنة، لا يميّز فيها بين أدوار كلّ من الأب والأم، يصبح دوره كـ”فرع” غير واضح، وسرعان ما يَتيه في عالم خاص تغيب فيه كلّ الضوابط، خصوصا أن الأطفال في المجتمع المغربي يعيشون مراحل ما بعد الطفولة في كنف الأسرة، فيؤدّي غياب الفصل بين أدوار مختلف الأطراف إلى عدم الانضباط داخل المؤسسة الأسرية، وهو ما يوصف بـ”تقادّو الكتاف” في الشقّ السلبي فقط”.
و تأتي البطالة، والانقطاع عن الدراسة، ورفاق السوء، وسلبيات وسائل الإعلام، وغياب المؤسسات البديلة، عوامل إضافية تساهم بدورها في إرباك “الضوابط الوالدية”، الإنسان الفاقد لمفهوم الشخصية التي لم تتحدّد بعد لديه، فتعدّد العوامل المؤدية إلى الاعتداء على الأصول يقتضي بالضرورة تعدّد السبل الكفيلة بمعالجة هذه الاختلالات، مع عدم تحميل طرف واحد مسؤولية تفشّي الظاهرة..
الانحراف وتعوّد الأبناء على مشاهد العنف، وتراكم المشاكل الاجتماعية، وعدم تحمّل المسؤولية، والتفكّك الأسري، وانعدام الاحترام بين الأفراد، كلها عوامل تدفع الفروع إلى اعتبار الأصول مصادر للمعاناة، وتتطوّر الأفكار مع مرور الأيام إلى أن تتحول إلى رغبة في الانتقام، خاصة مع الجهل بكون عقوق الوالدين من الكبائر المحرمة شرعا، ان اختلال منظومة القيم التي خلّفتها العولمة، وتغليب المصلحة الذاتية، وغياب التواصل والحوار، عوامل أدّت إلى سيادة لغة العنف وفقدان الثقة بين مكونات الأسرة.
كل هذه العوامل وغيرها، تنعكس سلبا على علاقة الابن بالمجتمع، ما يخلق لديه إحساسا بالضياع والقلق، يدفعه مباشرة إلى الانحراف واعتماد العدوانية سلوكًا، مؤسسات الدولة والسلطات الوصية مجبرة على أخذ الظاهرة بعين الاعتبار، من خلال تفعيل دور المساجد وخطب الجمعة ودروس الوعظ والإرشاد، وإشراك المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والجامعية في العملية.
و من الضروري إعادة النظر في النظام التربوي ومراجعة مضامينه، بما يعيد الوعي بالواجب الديني والأخلاقي للإنسان اتجاه والديه وأصوله، والعمل بجدية وفعالية لمحاربة الهشاشة والفقر والإدمان على المخدرات،حماية الأسرة الواحدة من حماية المجتمع ككل، ما يفرض العناية بها ودعمها، وحمايتها من كل المؤثرات السلبية التي قد تعصف بها، على أمل أن يتمّ قطع دابر الاعتداء على الأصول من باب حماية المجتمع نفسه، وتحصينه من أي تفكك قد يعرضه للانهيار.
أختتم كلامي بهذه الأبيات من ديوان الشافعي:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لهجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا