المطالبة بتوفير الأمن يستوجب الاحتكام إلى المؤسسات لا إلى تجاوزها
جريدة طنجة – محمد العمراني ( توفير الأمن )
الإثنين 15 فبراير 2016 – 16:20:32
آلاف المواطنين يفدون إليها سنويا، من مختلف مدن المملكة، بحثا عن الشغل، أو للعبور نحو الضفة الأخرى، بعدما صارت طنجة مدينة جاذبة لكل باحث عن المال..
آلاف الباعة المتجولين احتلوا الفضاءات العمومية والشوارع الرئيسة بالمدينة..
و النتيجة صعوبة في مواكبة هذا التمدد السرطاني، بما يترتب عن ذلك من استفحال الظواهر الإجرامية، من السرقة وتعاطي المخدرات، إلى جرائم القتل التي تكون مروعة في بعض الحالات، بل صارت ملجأ مفضلا للعصابات العابرة للدول، وجميعنا يتذكر عصابة مخلص التي أرعبت المدينة بعملياتها المسلحة.
ما من شك في أن جهاز الشرطة بمدينة طنجة في حاجة إلى تطوير أدائه، إن على مستوى الموارد البشرية، أو على مستوى الإمكانيات اللوجستيكية، في ظل هذا التوسع العمراني والبشري الذي تعرفه المدينة، الذي يتطلب مضاعفة الجهود..
وعموما يجب الإقرار أنه ليس بالمقاربة الأمنية وحدها سيتم محاربة الجريمة، بل يجب على الحكومة أن تضع استراتيجية متكاملة تجمع بين البعد التنموي، وتوفير الإمكانيات للرفع من مردودية الأجهزة الأمنية.
على حكومة بنكيران أن تتخلى عن سياستها التقشفية، فالمواطن لم يعد يقبل أن يتم تفكيك صندوق المقاصة، بما يكلفه ذلك من استنزاف لقدرته الشرائية، دون أن يترتب عنه تحسين الخدمات الأساسية، وفي مقدمتها توفير الأمن العمومي للمواطنين…
بالأمس أقنع بنكيران المواطنين أنه لتحسين أداء القطاعات الاجتماعية من صحة وتعليم، ودعم برامج الرعاية الاجتماعية، يجب التخلص من ثقل صندوق المقاصة…
لكن هل فعلا نفذ بنكيران ما وعد به؟…
على الحكومة أن تضع الإمكانيات المالية الكافية رهن المديرية العامة للأمن الوطني، لتمكينها من شروط تسريع تنزيل مقاربتها الأمنية، التي شرعت في تطبيقها منذ عدة أسابيع، والتي بدأت تؤتي أكلها. مثلما يفترض من الحكومة أيضا اتخاذ إجراءات عملية لتحريك عجلة النمو الاقتصادي، الكفيل بخلق فرص الشغل، والتخفيف من حدة الإقصاء الاجتماعي…
وعلى غرار باقي مدن المملكة، واهم من يعتقد أنه برجال الشرطة وحدهم يمكن محاصرة الجريمة بطنجة، دون التغاضي على دورهم المحوري..
المدينة اليوم في حاجة إلى انخراط الجميع، منتخبين وإدارة ترابية، في إقرار عدالة تنموية، تسعى إلى تحسين شروط عيش الساكنة، وتأهيل المناطق التي تفتقد لأبسط مقومات العيش الكريم، وتوفير بنيات استقبال توفر الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، من مرافق وبنيات تحتية، مثلما عليها أن تبدع في تحريك عجلة الاقتصاد بالمدينة، لامتصاص الارتفاع المفرط للبطالة.
طنجة تعرف اختناقا اجتماعيا غير مسبوق، بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، خاصة تلك التي يعرفها قطاع البناء بالمدينة…
الآلاف من الناشطين في المهن المرتبطة بالبناء (النجارة، الكهرباء، الحدادة…) صاروا اليوم عاطلين عن العمل، مما يطرح على المسؤولين عن تدبير شؤون المدينة البحث عن إجراءات لتحريك عجلة قطاع البناء بالمدينة…
على صعيد آخر فإن غياب الإنارة العمومية بطنجة صار أحد الأسباب المساعدة في تنامي ظاهرة الإجرام بالمدينة، بعدما صار المجرمون يترصدون ضحاياهم في الشوارع والأزقة المظلمة..
ولذلك لم يعد لمجلس المدينة من عذر للتساهل مع الشركة المفوض لها تدبير قطاع الإنارة العمومية، بعد عجزها الواضح في تنفيذ دفتر التحملات…
على مجلس مدينة طنجة أن يخصص اعتمادات مالية كبيرة جدا لدعم المجهود الأمني بالمدينة، من خلال توفير الوسائل اللوجستيكية، من سيارات ودراجات نارية، مثلما قامت به بعض المجالس المنتخبة في العديد من المدن المغربية…
وإذا كانَ الإحساسُ بغياب الأمن في شوارع المدينة تُغذيهِ من حين لآخر بعض الجرائم المروعة، فإنه لا ينبغي أن يكون مطية لتمرير دعاوى تطبيق شرع اليد عوض الاحتكام للقضاء، وهو ما عبر عنه العديد من مشيعي جنازة الراحل “سعيد الغري” عند مطالبتهم بالقصاص من الجناة، بل هناك من طالب بتسليمهم للمواطنين لإعدامهم في الشارع العام، وهو الأمر الذي لا يمكن القبول بشرعنته تحت أي مسوغ كان، لأنه ببساطة سيقودنا إلى الفوضى…
المطالبة بتوفير الأمن لا يستقيم والدعوة لتجاوز المؤسسات الموكول لها أمر السهر عليه، أمنية و قضائية، بل يستوجب تعزيز دور هاته المؤسسات، وإصلاح ما تعانيه من أعطاب.