لا مكان للدّجل الدّيني أو السيّاسي في مغرب اليوم
جريدة طنجة – عزيز گنوني ( آراء)
الأربعاء 10 فبراير 2016 – 17:42:14
حدث ذاك عند تطرق رئيس الحكومة لظاهرة الجفاف التي تعم المغرب، خلال مثوله أمام البرلمان، حيث نزع عنه جبة رجل الدولة ليستبدلها بجلباب وعمامة رجل الدين الواعظ والمنذر. إلا أنه إذا كان يحيى المدغري ينطلق في “خطبته” من مفهوم ديني تراثي، هو كل “ما وصل إليه لوحه” أيام “التخنشة” في جبال الريف العتيد، فإن بنكيران ، “الفيزيائي”، انطلق من مفهوم يكتنفه الكثير من معاني النفاق السياسي، فهو يربط الغيث، برضى الله سيحانه وتعالى على المغاربة، وبالتالي فانحباسه لا يمكن أن يكون إلا ظاهرة الغضب الإلهي. وموطن النفاق السياسي في كلام بنكيران، يتجلى في إعلانه تحت قبة البرلمان، العام الماضي، وكان العام ممطرا، بأن حكومته “مباركة” على المغرب بدليل نزول الغيث مدرارا من السماء، وأن المغاربة “عندما ينزل المطر، يفرحون ويشعرون أن الله راض عنهم”، وبنفس المنطق يمكن الوصول إلى استنتاج أن انحباس المطر من غضب الله عنهم.
الزلازل عقاب من الله للخطائين
وهذا بالضبط، ما ذهب إليه “الفقيه” المدغري حين اعتبر الزلزال “من آيات الله” وربط الزلازل التي ضربت منطقة الحسيمة والناظور، بمعاصي أهل الريف وبارتكابهم “للموبقات” و “المعاصي”، فحق عليهم “عقاب الله”، انطلاقا من مبدأ أن الذنوب “موجبة للعقاب” في الدنيا قبل الآخرة، وأن كل الظواهر الطبيعية، من جفاف وطوفان وكسوف وزلازل وأمراض وأوبئة، إنما هي “ابتلاء من الله” وعقاب للمفسدين جراء ما اقترفته أيديهم.
ويمكننا أن نسائل بنكيران هل يمكن اعتبار الجفاف الذي يشهده المغرب، هذه السنة، عقابا من الله لحكومته التي قال إن الله سبحانه وتعالى كان راضيا عنها، السنة الماضية، حيث جعلها “مباركة” على عباده، وعلى “الإخوة” من جماعته المؤمنة الصالحة، ليبتليها، هذه السنة، بانحباس المطر من باب العقاب الإلهي ؟ !
الغضب الإلهي في الديانات القديمة
حقيقة إن مبدا “غضب الإله”، كرسته الديانات القديمة، منذ النشء، حيث إن أساطير اليونان والروم والمصريين القدماء وغيرهم من الشعوب الأولى، أرجعت كل الكوارث الطبيعية إلى “الغضب الإلهي” لحاجة العقل البشري إلى إيجاد “أجوبة” عن الكوارث الطبيعية وإلى إعطاء “تفسير” لهذه “الظواهر” العجيبة التي “يباغث” بها الإنسان وتكون في معظمها “مأسوية”. فالعقل البشري “آلة نشيطة” في إعطاء معنى ومدلول للأحداث التي تحصل بمحيطه وفي حياته اليومية.
الأسطورة اليونانية جعلت ، منذ آلاف السنين ، كما تعلمون” لكل الظواهر الأنسانية أوالطبيعية،”آلهة” لرعايتها وحمايتها. فهناك إله أو إلهة للحب، (أفروديت) والموسيقى (أبوبون)، والعواصف (بوزيدون)، والأسرة (هيسطيا)، والزواج (هيرا)، والحرب (آريس) والإحتراس الحربي (أطينا) والنار والحديد (هيفايسطوس)، والريح (هيرميس) وجهنم أو مملكة الموتى (هاديس). وجميع هذه الآلهة” تخضع لسلطة ملك الملوك، “زوس” .ونفس هذه الآلهة، ولكن بمسميات أخرى، توجد أيضا في الأساطير الرومانية والمصرية.
أما “نيميسيس” فهي إلهة “الغضب الإلهي العادل” عند الإغريق، وإلهة “الانتقام” و”التوازن”، توزع جزاء السماء على البشر، إن خيرا أو شرا. وقد صار اسمها، من باب الاستعارة، مرادفا لغضب أو انتقام السماء.
العقل نعمة إلهية والتفكير فريضة إسلامية
وإذن، فإن فكرة غضب السماء” و”عقاب السماء” قديمة، صاحبت الإنسان منذ وعيه الأولي بالكون وبمنزلته بين المخلوقات وبتفاعله مع محيطه. وقد كرست الديانات البدائية المختلفة، وحتى “الكتابية منها” هذه الفكرة، عبر الخطيئة والذنوب والعقاب، إلا أن الإسلام جاء بمبدأ المسؤولية، وحددها في الآية الكريمة “ولا تزر وازرة وزر أخرى، ومن هنا ينتفي الاعتقاد بأن الله عز وجل، إذا ما أغضبه بعض عباده، ـــ بترويجهم للمخدرات أو بارتكابهم للموبقات،ـــ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، جر على الكون بما فيه وما عليه من كائنات، زلازل مدمرة ، تأتي على عباده جميعهم، لا فرق بين المذنب والبريء، بين الصغير والكبير، بين المؤمن والكافر، والمتدين والفاجر، والراشد والرضيع الذي لا ذنب له، فأي منطق هذا ومن صفات الله وأسمائه الحسنة العدل وأنه سبحانه وتعالى، الرحمان الرحيم، الغفار، اللطيف، الحكيم، الكريم، الحليم ، العفو والرؤوف ، سبحانه جل جلاله.
خطاب “فقيه” سلا، الذي “ثمنه” رئيس الحكومة وسار على منواله، يلغي العقل ومنطق الاستدلال والبرهان من الفكر البشري المطلوب من المسلمين (أولي الألباب) استعماله في فهم وتدبر الكون ، ذلك أن العقل الوازع، والعقل المدرك، والعقل الحكيم والعقل الراشد، نعمة إلهية والتفكير فريضة شرعية (د. نظمي جليل أبو العطا) أو ليس “التكليف الشرعي” مرتبطا بالعقل؟ . “إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر لما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون” صدق الله العظيم.
على بعض “رجال الدين” وخطباء المساجد وعلى رأسهم “الفقيه” يحيى بن محمد المدغري الريفي ومن والاهم من المتاجرين بالإسلام، المقامرين به في عالم السياسية الرديء، أن يعلموا أنه لا مكانة في مغرب اليوم للدجل الديني أو الشعوذة السياسية أو التخلف الفكري بل إن التوجه العام يجب أن يسير في طريق تنوير العقول وليس إفسادها بل والدفع بها إلى استكشاف المزيد من آيات الله في أكوانه، وآيات الإعجاز في القرآن، الكريم لا أن نقف عند “ويل للمصلين” و”نعطل ” استعمال العقل لأن الإسلام دين الحرية المسؤولة المنضبطة، المرتبطة بتطوير المجتمع، ولا يجوز لمسلم أن يعطل العقل على أداء وظيفته لأن “العقل نعمة إلهية والتفكير فريضة إسلامية” (د. القصبي زلط)، ولأن الإسلام ثورة حقيقية ضد كل صور الجمود الفكري وضد التسلط على رقاب العباد لفرض الوصاية عليهم، إن باسم الدين أو باسم السياسة أو بهما معا !!! ……


















