جمعية المحامين الشباب تكرّم الأستاذ عزّ الدين أكُومي
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( الأستاذ عزّ الدين أكُومي )
الثلاثاء 23 فبراير 2016 – 17:00:59
وطنجة، المدينة المتحضرة، الأصيلة، لم تمن لتشكل استثناءا في هذا الباب، بل إنّها تنخرطُ بكل حِسّ وطني واجتماعي في هذا التوجه الإنساني الحضاري الرائع، حين تعبر عن اعتزازها بالمتميزين من أبنائها والنوابغ منهم حيثما كانت ميادين ابداعهم ونجاحهم.
ولعل أحد أبرز رموز هذا النهج الحضاري الرائع المتمثل في تكريم أهل طنجة لأبنائهم ألمتفوقين من حملة مشعل العلم والفكر والمعرفة هو الدكتور عز الدين أكومي ، الأستاذ والمربي، والمحامي والإنسان، الذي كان، أخيرا، ضيف هيئة المحامين الشباب، التي أقامت على شرفه حفل تكريم بأحد أفخم فنادق طنجة، بحضور رئيس المحكمة الابتدائية وعدد من قضاة المحاكم بهذه المدينة، والنقباء، وأعضاء جمعية المحامين الشباب وعدد كبير من المدعوين من رجال القانون والفكر والثقافة بطنجة.
والواقع أنه من يطلع على سيرة الأستاذ الدكتور عز الدين أكومي ، هذا المواطن الفذ، أطال الله بقاؤه، لا يمكنه إلا أن يصاب بحالة من الإعجاب والانبهار، أمام ما تحصل لديه من معارف وعلوم في شتى المجالات، خاصة العلوم القانونية التي برع فيها بتفوق وامتياز، وما تحمله من مسؤوليات غاية في الأهمية في فترة حرجة من تاريخ الانتقال السياسي للمغرب بيت عهدي الاستعمار والاستقلال، حيث إنه كان أول مغربي ترأس الغرفة الجنحية العصرية الفرنسية بمحكمة الاستئناف بالرباط ، قبل صدور الظهير الشريف المتعلق بمغربة المحاكم الفرنسية، آنذاك، بالمغرب. كما أنه كان أول مغربي يترأس المحكمتين النغربية والفرنسية بمدينة مكناس، سنة 1963.
وحين نعلم أن معظم المهام التي أنيطت بالدكتور عز الدين أكومي في ميدان القضاء منذ سنة 1958، كانت بظهائر ملكية شريفة، ندرك أهمية مكانة الرجل وجسامة المسؤوليات التي تحملها في بداية الاستقلال، حيث تميز بمقدرة فائقة أهله لها تكون رفيع في مجال القانون، توج بشهادات جامعية فرنسية ومغربية عالية وبإسهام جيد في مغربة القضاء ، والقضاء كما نعلم، أهم ركائز بنيان الدولة واستقلالها واستمرارها.
ولا غرو، فالرجل سليل عائلة عريقة، عرفت بأصالتها ووجاهتها ومكانتها بين عائلات طنجة العريقة، أهدت لطنجة وللمغرب رجالا نوابغ في شتى مجالات العلم والفكر والمعرفة ، في القانون كما في الطب والصيدلة، والإدارة العمومية والتعليم والثقافة والفنون، بوجه عام، فكانوا من خيرة أبناء طنجة، حملوا مشعلها ، كل في مجال تخصصه ونشاط، ولا يزالون محط تقدير وإعجاب من طرف العارفين الغيورين على هذه المدينة وأهاليها وأبنائها البررة.
الدكتور عز الدين أكومي واحد من جيل شباب المغرب المكد والمجد والمجتهد، تميز بعصاميته وقوة إرادته على التحصيل، حيث إنه، وبعد حصوله على البكلوريا، شعبة الرياضيات، سنة 1950 من جامعة بوردو الفرنسية، تابع دراسته بنفس الجامعة حيث حصل على الإجازة في العلوم القانونية سنة 1955، ودبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بدكتوراه دولة من جامعة الرباط، حيث إن مناقشة أطروحته دامت من السادسة ليلا إلى الواحدة من صباح الغد.
أما مساره المهني فإنه، أيضا، جدير بالتنويه، نظرا لأهميته وتنوع المهام التي أنيطت به والتي تحملها بجدارة وكفاءة عالية، وبمسؤولية. وبموازاة مع دراسته العليا، نجده معلما في سلك التعليم الابتدائي بتطوان وطنجة، وحارسا بثانوية مولاي يوسف بالرباط ومعيدا بثانوية سيدي محمد بمراكش، ما بين 1950 و1955.
ثم بعد انتقاله إلى عالم القضاء، سنة 1956 نجده يحتل مواقع سامية في هرم العدالة، مستشارا بالمحكمة العليا الشريفة بالرباط، وقاضي التحقيق بالمحكمة الإقليمية بطنجة، ووكيل الملك لدى المحكمة الإقليمية بالنتظور ووكيل الملك لدى المحكمة الإقليمية بالدار البيضاء ومستشارا بمحكمة الاستئناف بالرباط ورئيسا للغرفة الجنحية العصرية الفرنسية بنفس المحكمة سنة 1962، وكان أول مغربي يترأس الغرفة الجنحية الفرنسية بمحكمة الاستئناف بالرباط، قبل مغربة المحاكم الفرنسية بالمغرب.
وأواخر هذه السنة، عين رئيسا للمحاكم العادية بالمغرب: المحكمة الإقليمية ومحاكم السدد بمكناس ونواحيها، ورئيسا للمحاكم العصرية الفرنسية، والمحكمة الايتدائية ومحكمة الصلح بنفس المدينة، وبهذا يكون أول مغربي ترأس المحكمتين معا، المغربية والفرنسية بمدينة مكناس.
وحين نعلم أن جل تعيينات الدكتور عز الدين أكومي في أسلاك القضاء، بداية الاستقلال، كانت بظهائر ملكية شريفة، ندرك مكانة الرجل، وأهمية المناصب التي تسلمها والمسؤوليات التي تحملها ومارسها بنجاح كبير و يتفوق.
ولأسباب شخصية، استقال من وظائفه بوزارة العدل، لأسباب شخصية، واعتذر عن قبول منصب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بفاس وتسجل بهيئة المحامين بطنجة، حيث تولى مسؤولية كاتب عام للهيئة، ثم نقيبا ونائبا للنقيب لنفس الهيئة.
وموازاة مع ممارسته لمهنة المحاماة بطنجة، عين أستاذا بجامعة عبد المالك السعدي حيث إنه قام بتدريس مادة القانون خلال فترة فاقت الخمس عشرة سنة، في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، و المدرسة الوطنية للتجارة وتدبير المقاولات بطنجة، والمدرسة العليا للترجمة بطنجة، قسم الإجازة والدبلوم والدكتوراه.
وكان للدكتور عز الدين أكومي حضور قوي وبارز في أنشطة جمعية هيئات المحامين بالمغرب واتحاد المحامين العرب والاتحاد الدولي للمحامين، حيث ساهم بالعديد من المحاضرات والندوات والكتابات، والمداخلات التي كان يلقيها في مواضيع شتى تتعلق بالمجالات القانونية والاجتماعية والاقتصادية، باللغات العربية والفرنسية والإسبانية، وهي لغات يتقنها إتقانا، إلى جانب الانجليزية والإيطالية واللاتينية.
ذلكم هو الرجل الذي احتفت به جمعية المحامين الشباب، ولربما كان العديد منهم من طلبته، تكريما له ولمسيرته المتميزة التي اعتبروها قدوة ونبراسا مضيئا ومثلا يحتذى به في الاجتهاد والمثابرة على تحصيل العلم والمعرفة، حيث إن الأستاذ أكومي، لا زال شديد الرغبة في العلم والمعرفة، ولا زال منكبا على دراسة علوم الفلسفة التي شغف بها منذ طفولته، خاصة الفلسفة العربية والإسلامية والإغريقية والرومانية والفلسفة الغربية والتاريخ العام والتاريخ الاسلامي وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم المتصلة بالإنسان ومجالاته المعرفية…