القراءة أولا …
جريدة طنجة – عبد السلام مفرج ( آراء)
الخميس 18 فبراير 2016 – 11:09:59
أن نهضة أية أمة لاتقوم إلا على أساس الفكر المستنير, وإذا كان مفتاح الفكر هو المعرفة ,فان هذه الأخيرة لا تتحقق إلا عن طريق القراءة المستمر ، لذلك صار من الضروري- أكثر من أي وقت مضى – الاتهام بالترسيخ التدريجي لتقاليد القراءة في المحيط الفردي و الاجتماعي . ومن تمة يطرح السؤال التالي نفسه بصفة مشروعة : ما هي سبل تجاوز أزمة القراءة في أبعادها العامة، وإخراج الفرد و الجماعة و المجتمع من حالة العزوف عنها إلى دائرة الاتهام المشترك بها ، بوصفها الحاجة العليا للإنسان من جهة ، واحد القيم الأساسية في الحياة و المجتمع من جهة ثانية ؟
انطلاقا من هذا السؤال المفتوح أصبحت القراءة اليوم مشكلة الفرد و المجتمع معا فهي مسؤولية الجميع ، ولا بد من تضافر الجهود المربين و المثقفين و السياسيين و الاقتصاديين و غيرهم من أجل التفكير في إيجاد مخرج للأزمة الكبرى التي تمر عملية القراءة بوجه عام . وهناك أمثلة تاريخية تكتشف بوضوح أن القراءة كانت طريق الأمم نحو الرقي الحضاري : فاليونان الذين كانوا أكثر الناس قراءة وإنتاجا فكريا في الفلسفة و الشعر و الحكمة , سيطروا على أكبر رقعة جغرافية في العالم أيام الاسكندر المقدوني تلميذ المعلم الأول أريسطو.
و المسلمون الذين انطلقوا من كلمة ( اقرأ )وطلبوا العلم من كل مصدر ، بلغو قمة المجد وسماء العز و السلطان في أقصر وقت ، حتى أصبحوا سادة الأرض , على اعتبار أن القراءة غي الإسلام استمدت قدسيتها من الرسالة الربانية في قوله تعالى : ( اقرأ باسم لربك الذي خلق …)
أما المجتمعات الغربية التي بلغت ذروة النهضة الصناعية و التكنولوجية في عصرنا ،فان أفرادها أكثر الشعوب صلة بالقراءة ،وأعلى رقما في عدد ما يستهلكه الفرد الواحد فيهم من الكتب و المجلات و الصحف .
انه لا مناص من تأسيس أرضية خصبة لتكوين مجتمع عالمي قارئ تنتقل فيه القراءة من هواية فردية يمارسها صاحبها كنشاط شخصي حر ، إلى ظاهرة اجتماعية قائمة الذات تخضع لنظام محدد يتفق الجميع على الالتزام به وبمعنى آخر لابد من الارتقاء بالفعل القرائي من قضية محصورة في نطاق الفرد إلى قضية كبرى يتبناها المجتمع بأسره و تدافع عنها مؤسساتها ومكوناته المختلفة، كقيمة أساسية لها وزنها الذي لا يستهان به إلى جانب القيم الأخرى .
في ضوء هذه الفكرة يمكن القول أن معالجة إشكالية القراءة في مجتمعات العالم الثالث ومنها مجتمعنا المغربي ، يقضي من المعنيين بالأمر أن يضعوها في إطار المشروع المجتمعي و الثقافي العام، تساهم فيه كل الأطراف المسؤولة بتظافر جهودها وتكامل مساعيها وصولا نحو الهدف المنشود : فلجو الأسرة والبيت دور مصيري في تهيئة الفرد لتعلم القراءة وتعويده عليها منذ طفولته الأولى، من خلال نمط التنشئة التربوية للوالدين ، ومدى عيناتهما بالكتب وتوفيرهما لمناخ مشجع على المطالعة .
وللمعلم في المدرسة دوره البارز في التشجيع الناشئة على القراءة حيث بإمكانه أن يثير لديهم الرغبة في البحث و التنقيب في المراجع ، واختيار مادة المقروء بحرية و شغف على هامش ما هو مقرر لديهم كما تلعب المكتبة المدرسية دورا مساعد في تنمية عادة المطالعة لديهم .
والمراكز الثقافية و المكتبات العامة تأثيرها الكبير في استقطاب القراء وإغرائهم بالقراءة و الاطلاع، إضافة إلى بعض أساليب ترويج الكتب كإقامة معارض لها على المستوى المحلي و الوطني و الدولي , بالتالي تقديم تسهيلات عدة لإيصال الكتاب إلى طالبه .
وبإمكان وسائل الإعلام ( صحافة ، إذاعة و تلفزيون ) أن تضطلع بدور بالغ الأهمية في الحث على القراءة من طرق عدة كالتعريف بالكتاب , وعقد الندوات لمناقشة , وإقامة الحملات الاشهارية لمؤلفه و مواضيعه …
ولا يفوتني التأكيد على ضرورة تكاثف جهود المؤسسات للدولة من أجل إنعاش الحياة الثقافي ، وإحلال مسألة القراءة المكانة التي تستحقها وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الفعل الثقافي في المغرب يكاد يحتل اهتماما رسميا ضعيفا أمام تزايد اهتمام السلطة بالقضايا السياسية و الاقتصادية الآنية .
انطلاقا من قيام هذه الوسائط و المؤسسات بأدوارها , يمكن صياغة مشروع اجتماعي نتكامل توفر له أقصى ظروف التحقق من أجل تهيئة جو الاستهلاك الثقافي بوجه عام، وإنعاش عادة المطالعة الحرة بوجه خاص ، خصوصا وأن مشكلة النفور الفردي و الجماعي من الفعل القرائي ليست وليدة الصدفة أو الاستثناء ، بل هي نتاج ظرفية زمنية طويلة طبعت طريقة التعامل الشعبي مع الثقافة عموما و ليس فقط مع الكتاب كأداة من أداوتها .