نوادر وطرائف من التراث العربي الأصيل (16)
جريدة طنجة – محمد وطاش (طَرائف من الثُراث العربي (16) )
الأربعاء 20 يناير 2016 – 17:53:09
•مـاأحـوجَ المَــرء، في هَذا الزّمن الرَّهيب ذي الوَجْه الكَئيبِ، إلى ما يُبَدّدُ ظُلُمــات غَمّه و يشع نُور البَهْجة في صدرهِ، وهو يستمتع بقراءة ما سَجّلهُ السابقون من مُسْتَمْلَحــات و نــوادر وطرائف تعيد للنفس بعض الاتزان.
ومِمّا يُحَفّز على اقْتِنــاص فُرْصَة شــافية لتصفية المَزاج، ما تَزخــرُ بهِ خزانة الثقافة العربية من أمهات كتب أدبية وفكرية تتضمن كما هائلا من النوادر والطرائف، المجسدة بشكل فني ساخر للحظات مشرقة تنطوي على فوائد ترفيهية ونقدية (اجتماعية،أدبية وسيا سية…)، ككتاب «الأغاني» لأبي فرج الإصفهاني، وكتاب «العقد الفريد» لابن عبدربه، و«يتيمة الدهر» للثعالبي، و«المستطرف» للأشبيهي، و«نفح الطيب» للمقري، و«مروج الذهب» للمسعودي، و«المحاسن والمساويء» للبيهقي، و«عيون الأخبار» لابن قتيبة، و«صبح الأعشى» للقلقشندي، وكتاب «الأذكياء» لابن الجوزي والجاحظيات عامة، وغيرها من الكتب والتراجم التي لايسع المجال لذكرها.
وإحْيــاء لهَذا الترُاث الطَّريف التّليد الّأذي يُشخص لحظات عابرة عاشتها أقـوام غـابرة، نُقدّمُ للقَـارئ الكريم، وعبرسلسلة حلقات، باقة منتقاة من الطرائف والنوادرالتي اقتطفناها بعناية من حقل كتاب «أحلى الحكايا» وهو ـ من منشورات دارالكتب اللبنانية ـ لمؤلفه الباحث عبد الأميرعلي مهنا، الذي يقول في مسك ختام مقدمة كتابه الذي أعده بأسلوب فكاهي :
«وتراثنـا العـربـــي مليء بالكتب التي تتناول الشخصيات الطريفة التي تدخل إلى الأوساط الغنية المترفة والأوساط الفقيرة وقصور الملوك ومجالس الخلفاء والقادة، هذه الشخصيات التي وهبها الخالق البديهة والحساسية النقدية المرهفة التي تجعلها تلتقط أحداث الحياة وأحوالها العادية فتتحول على يديها إلى ضحك ونوادر مفعمة بروح النقد الاجتماعي والخلقي والأدبي والسياسي.
هذه الطرائف تُصَوّر لَنـا جــوانب من الحَيــاة الاجْتِمـــاعية عند العرب، أعددتها بأسلوب فكاهي شيق وممتع، آملا أن أكون وفقت إلى بعض مانشدت ومااجتهدت، والله الموفق». وأملنا أن يستفيد اللاحقون مما خلفه السابقون من نوادر وطرائف لاتخلومن فائدة، فهي أشبه ماتكون بوجبات صحية ضمت صحونها مائدة.
فَقِراءة مُمْتعة ومُفيدَة.
قال: فكتبتُ إلى صديق لي وهو الهاشمي أسأله التوسعة علىَّ بما حضر، فوجّه إليَّ كيساً مختوماً ذكر أن فيه ألف درهم فما استقرّ قراري حتّى كَتبَ إليّ الصديق الآخر يَشكو مثل ما شَكوت إلى صاحبي الهــاشمي، فوجّهت إليه الكيس بحاله، وخرجت إلى المسجد فــأقمت فيه ليلتي مستحيياً من امرأتي، فلما دَخلت عليها استحنت ما كان منّي ولم تعنّفني عليه.
فبينما أنا كذلك إذ وافى صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهَيئته، فَقــــال لي: أصدقني عمّـَا فعلته فيما وجهت به إليك، فعرّفته الخبر على وجهه فَقـــال لي: إنك وجّهت إليّ وما أملك على الأرض إلاّ ما بَعثت بهِ إليك، وكتب إلى صديقنا أسأله المُواساة، فوجّه كيسي بخَاتمي.
قال الواقدي: فتواسينا ألف درهم فيما بيننا، ثم إنّــــا أخرجنا للمرأة مائة درهم قبل ذلك، ونمي الخبر إلى المأمون فدعاني وسألني فشرحت له الخبر، فأمرَ لنا بسبعة آلاف دينار لكل واحدٍ منّا ألف دينــــار وللمرأة ألف دينار.
أبو تميم معد الملقب المستنصر باللّه بن الظاهر لإعزاز دين اللّه، بويع بالأمر بعد موت والده الظاهر سنة 247هـ، وجرى على أيامه ما لم يجبر على أيام أحد من أهل بيته ممن تقدمه أو تأخره.
منها: أنه حدث في أيّامهِ الغـــَلاء العظيم الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف عليه السّــــلام. وأقام سبع سنين، أكل الناس بعضهم بعضاً، حتى قيل إنه بيع رغيف واحد بخمسين ديناراً، وكان المستنصر في هذه الشدّة يركب وحده، وكل من معه من الخواص مُترجلون ليس لهم دواب يَركبونها، وكانوا إذا مَشوا تساقطوا في الطرقات من الجوع. وكان المستنصر يستعير من ابن هبة صاحب ديوان الإنشاء بلغته ليركبها صاحب مظلّته وآخر الأمر توجّهت أمّ المستنصر وبناته إلى بغداد من فرط الجوع، وذلك في سنة 462هـ، وتفرّق أهل مصر في البلاد وتشتّتوا، ولم يزل هذا الأمر على شدّته حتى تحرّك بدر الجمالي والد الأفضل أمير الجيوش من عكا وركب البحر وجاء إلى مصر وتولّى تدبير الأمور فصلُحت، وشرح ذلك يطول.
كان أبو نصر محمد بن منصور بن محمد الملقّب عميد الملك الكندري من رجال الدهر جوداً وسخاء وكتابةً وشهامة، استوزره السلطان طُغرلبك السجلوقي ونال عنده الرُتبة العالية والمنزلة الجليلة، ولم يزل وزيراً إلى أن توفي طغرلبك وقام في المملكة ابن أخيه ألب أرسلان الذي عزله من الوزارة سنة 654هـ لسبب يطول شرحه وفوّض الوزارة إلى نظام الملك أبي علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي وحبس عميد الملك الكندري بنيسابور في دار عميد خراسان، ثم نقله إلى مرو الروذ وحبسه في داره، فكان في حجرة تلك الدار عياله، وكانت له بنت واحدة لا غير، فلما أحسّ بالقتل دخل الحجرة وأخرج كفنه وودّع عياله وأغلق باب الحجارة واغتسل وصلّى ركعتين، وأعطى الذي همَّ بقتله مائة دينار نيسابورية وقال:
حقي عليك أن تكفنني في هذا الثوب الذي غسلته بماء زمزم، قال لجلاّده: قل للوزير نظام الملك: بئس ما فعلت، علّمت الأتراك قتل الوزراء وأصحاب الديوان، ومن حفر مهواة وقع فيها، ومن سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ورضي بقضاء اللّه المحتوم.
قتل سنة 456هـ ومن العجائب أنه دفنت مذاكيره بخوارزم، وأُريق دمه بمرو الروذ ودفن جسده بقريته كندر، وجمجمته ودماغه بنيسابور، وكان بها نظام الملك فدفنت هناك، وفي ذلك عبرة لمن اعتبر، بعد أن كان رئيس عصره.
جاء في بعض المجاميع (2) أن أعرابياً طلب حاجب معاوية أن يستأذن له بالدخول عليه، فلمّا سأله عن اسمه وحاجته أجاب «أنا أخوه لأبيه وأمّه» ولم يزد على ذلك.
ولمّا أذن له بالدخول، سأله معاوية: «أي الأخوة أنت؟»
فقال الأعرابي: ابن آدم وحواء.
فقال الخليفة: يا غلام، أعطه درهماً.
فقال الرجل: أتعطي أخال لأبيك وأمّك درهما واحداً؟
فقال معاوية: لو أنّني أعطيتُ كلّ ما في بيت المسلمين لأخوتنا من آدم وحواء مابَلغَ إليكَ هذا الدرهم.
سِنْمَار رَجلٌ رٌومي بَنَى قَصر الخورنق في العراق للنعمان، أحَد مُلوك المناذرة، فلما فَرغ منه ألقــــاه الملك من أعــلاه فخـر ميّتـًا، وإنما فعل ذلك لئَــلاَ يَبني مثله لغيره فضربت العرب به المثل لمن يجزي الإحسان بــالإساءة.
ضمّ عثمان بن رواح السفر ورفيقاً له، فقال له الرفيق: امضِ إلى السوق فاشترِ لنا لحماً.
قــال: والله ما أقدر. فمضى الرفيق واشترى اللحم ثم قال لعُثمان: قم الآن فاطبخ القدر.
قال: واللّه ما أقدر، فطبخها الرفيق، ثم قال وضع الأكل على الطاولة، فقال: واللّه ما أقدر، فوضعها الرفيق وقال له: قم الآن فكُلْ. فقال: واللّه لقد أخجلتني واستحييت من كَثْرَة خِلافي عليك، ولولا ذلك ما فعلت.
يقول أحد عُلَمــاء الحَيَــوان: أن عيون التماسيح تدمع كلّما همّت بابتلاع فريسة كبيرة الحجم، لا لأنها تبكي عليها كما يظُن، بل لأن فتح الفكين يسبب ضغطاً على الغدد الدمعية بالعين، فتسيل منها الدموع. لذلك درج بعضهم على وصف من يتظاهر بالحزن ويفتعل البكاء بأن دُموعه كدُموع التّمَـــاسيح.
جاء في كتاب الأغاني برواية ابن دريد عن أبي عبيدة قال:
بخلاء العرب أربعة: الحطيئة، وحميد الأرقط، وأبو الأسود الدؤلي، وخالد بن صفوان.
وأخبر ابن الكلبي أن أغرب العرب ثلاثة هم: عنترة وأمته زبيبة، وخفان بن عمر الشريدي وأمّهُ ندابة، والسليك بن عمر السعدي وأمّه السلكة، وإليهن ينسبون.
أمّا صعاليك العرب منهم طائفة من الناس اشتهروا بالعدو السريع والغارة على القبائل للنهب والسلب وأشهرهم: الشنفري، وتأبط سُرّا، وعروة بن الورد، والسليك بن السلكة، وعمرو بن البراق وأسيد بن جابر.
وممّا يروي عن الشنفري أنه حلف ليقتلنّ مئة رجل من بني سلامان، فقتل تسعة وتسعين، ثم، احتالوا عليه فأمسكه رجل منهم عدّاء هو أسيّد بن جابر ثم قتله، فمرّ به رجل منهم فرفس جمجمته فدخلت شظيّة منها برجله فمات فتمّت القتلى مائة.
أهدت جارية من جواري الأمون تفاحة إليه وكتبت معها:
«فكّرت في هدية تخف مؤونتها وتهون كلفتها، ويحل موقعها، فلم أجد إلاّ أن أهدي إليك تفاحة، هي أحسن الفاكهة، قد اجتمعت فيها ألوان قوس قزحٍ، من الصفرة الدريّة، والحمرة الخمرية، والشقرة الذهبية، وبياض الفضّة، ولون التبر، يلتذ بها من الحواس: العين ببهجتها، والأنف بريحها، والفم بطعمها. إن حملتها لم تؤذك، وإن رماك بها أحد لم تؤلمك، فتناولها بيمينك، ولا تبعدها عن عينك، فإذا طال لبثها عندك، ومقامها بين يديك، وخفت أن تزول بهجتها، وتذهب نظرتها فكُلها هنيئاً مريئاً».
لما دالت دولة الأمويين، هرب مروان إلى جهة حرّان بالشام، وهرب معه كاتبه عبد الحميد بن يحي. فقال له مروان: يا عبد الحميد فرّ أنت واتركني إلى الغوائل فإن العباسيين إذا قتلوني لم يخسرني غير أهلي، وأمّا أنت، فإنهم إذا قتلوك خسرتك العرب كلّها.
ولما عزم عليه بالفرار، فرّ عبد الحميد بعد أن قتل سيده مروان ولم يمسك به بنو العباس، فذهب واختفى بدار صديقه عبد اللّه بن المقفّع، ففاجأه الطلب وهو في بيته، فقال الذين دخلوا عليهما من الجند: أيكما عبد الحميد؟
فابتدر ابن المقفّع، وكان يعلم الداهية، فقال: أنا ذلك عبد الحميد. وأراد بهذا القول أن يضلّل الجند خوفاً على صاحبه.
وخاف عبد الحميد أن يسرعوا إلى ابن المقفع فقال: ترفقوا بنا، فإن كلاً منا له علامات، فوكلوا بنا بعضكم ويمضي بعضكم الآخر، ويتفقّد علاماتنا من عند من وجّهكم إلينا.
ففعل الجُنود وعاَدوا بعَـــلامة عبد الحميد فأخذوه إلى السفّاح فقتله. .
(يتبع)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(2) المجاميع: جمع مجموع، وهو عدة وموضوعات تكون في كتاب واحد.