مغرب الحرمان و التهميش والهشاشة ……. تتجلى ملامحه أكثر…. عند حلول كل شتاء
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( مغرب الحرمان و التهميش والهشاشة )
الخميس 14 يناير 2016 – 11:26:3
بالمغرب دولتان في دولة واحدة ، الأولى تتطلع إلى مواكبة التطور الذي تشهده البلدان الأوربية، والثانية تعيش على شاكلة مجتمعات العصر الطباشيري و ما قبل الكمبري، ففي الوقت التي تفتقر فيه مناطق واسعة لأبسط البنيات التحتية (الطريق والماء الصالح للشرب) والخدمات الإنسانية (الصحة والتعليم) يتم صرف مئات الملايير من الدراهم على تهافتا على انجاز مشاريع بميزانيات عملاقة لا يستفيد منها الا قلة متنفذة من أهل هذا البلد كمشروع “ القطار فائق السرعة” الذي ليست له فائدة سوى تقليص وقت السفر لبعض السياح وذوي الدخل المرتفع الذين بإمكانهم استخدام الطائرة لهذا الغرض” .
هؤلاء الأثرياء يغيرون أثاث منازلهم مرتين في السنة، ، وتتولى شركات فخمة عملية تفريش إقاماتهم الفاخرة، أغلب المدخنين من هؤلاء الأثرياء يفضلون السيجار الكوبي على السجارة الأمريكية، سياراتهم المفضلة هي (مرسديس كلاص أو Q8)، في شكلها الجديد، والشبان منهم يميلون إلى السيارات الرياضية ذات البابين… بعضهم يتوفر على طائرة خاصة وآخرون يمتلكون يخوتا…
هؤلاء الأثرياء لهم حسابات خصوصية في سويسرا وليكسمبورغ، ويميلون إلى أشكال الموضة الحديثة، … الكثير من هؤلاء ينخرط، لغرض سياسي، في مشاريع إحسانية … أغلبهم يحب رياضة المشي، والغولف والفروسية، والشبان الجدد منهم ميالون إلى رياضات “سكي” و”Jجيت سكي” وركوب الخيل أو تربيتها، بعضهم ميّال إلى أسلوب الحياة الراقية في شكل رفاهها العالي، وبعضهم ميال إلى روح المغامرة والتماس الرغائبي والعجائبي مثل رحلات في بحر الظلمات وتيه في أدغال الأمازون وميل إلى بعض الزوايا من أجل توهم لحظة صفاء روحي.
و بالمقابل هنالك أغلب الشعب ، سكان القرى و المداشر الرابضة فوق قمم الأطلس و جبال الريف، التي دأبت كل عام على تقديم أطفالها قرابين لموسم الثلوج، معزولون عن العالم الخارجي، بعد انقطاع الطريق التي تربطهم بأقرب نقطة للتسوق و اقتناء حاجياتهم الضرورية، فالبرد لايزال يهدد حياة الأطفال… سكان هذه الدواوير، كل أحلامهم تختزل في طريق تفكّ عنهم العزلة و تربطهم بالعالم الخارجي.
جبال الأطلس و الريف و كل المناطق الجبلية بالمغرب، تعرف على أقل تقدير خمسة أشهر من الشتاء البارد، وتتساقط الثلوج بكمية كبيرة تعزل المنطقة عن العالم الخارجي، وتحاصر المراعي ويندر الماء بسبب التجمد، ويقل الكلأ بالنسبة للماشية، ويتعذر التنقل لجلب المؤونة، وقد عرفت هذه المناطق العديد من ضحايا الثلوج بالسنوات القليلة الماضية ، مأساة تتكرر كل سنة ، مع حلول فصل الشتاء .
ومن أبشع مظاهر العزلة، حمل النساء الحوامل على النعوش، حيث يتناوب رجال المنطقة على حملهن على طول الطريق الجبلية الشاقة للوصول إلى المستوصفات البعيدة، وفي غالب الأحيان تقع الكوارث، حيث توفيت العديد منهن في طريقها إلى المستوصف و في كثير من الأحيان تظطر هؤلاء النسوة إلى الولادة في منتصف الطريق تحت قساوة البرد ،المرضى من الأطفال و الشيوخ يحملون كذلك على النعوش من أجل تلقي الإسعافات في مستوصفات بعيدة عن قراهم و التي لا تعدوا أن تكون مجرد بنايات خاوية على عروشها في ظل غياب الأدوية والتجهيزات الكافية لإسعاف المرضى والمصابين، فالمستوصفات التي أنشئت لا تقدم أدنى خدمة حتى الدواء الأحمر، أرخص وصفة طبية في العالم، ليست في متناول ساكنة الأطلس و الريف و جبال الشمال.
سكان اتخذوا من الكهوف بيوتا
لا يمكن لأحد أن يتصور أنه في القرن الواحد و العشرين و مازال من الناس من يعيش اليوم داخل كهوف حياة الإنسان البدائية، أناس لهم طقوسهم الخاصة، لهم رموزهم، ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم، لهم ملابسهم وأكلاتهم الخاصة، يقدرون قيمة المال ودوره في استمرارهم في الحياة، عند زيارتهم للأسواق الأسبوعية التي غالبا ما تبعد عن مكان استقرارهم بمئات الكلمترات.
طفولة مغتصبة
أطفال مغرب القاع…مغرب الحرمان والتهميش والاقصاء والهشاشة…كل احلامهم و آمالهم تختزل في حصولهم يوما على لحاف يقيهم الحر و البرد و مدرسة يتعلمون فيها أبجديات الحياة وطريق تليق بمواطنين يعيشون في القرن الواحد و العشرين…هؤلاء الأطفال لا يعرفون وال ديزني ولا بلاي ستايشن ولا الأورو دينزي و لا الماكدونالد و لا أحذية نايك ولا شواطئ البورجوازية المغربية التي سرقت منهم أحلامهم وطموحاتهم وحفظتها لأبنائها وأحفادها، فأطفال المغرب غير النافع يشكلون للبورجوازية خزانا يستعملونه للعمل كسائقين أو حراس في حدائقهم و فيلاتهم وقصورهم…هؤلاء الأطفال لا يعرفهم المدللون الذين يقضون عطلهم في أقاصي جزر العالم الباهظة الثمن حيث مصاريف أسبوع واحد كفيلة أن تعيل مجموعة من أسر مغرب القاع لمدة سنة كاملة…لكن لا حياة لمن تنادي…فأصحاب “المغرب لنا” لا يهمهم من مغاربة القاع الا القدر الذي يحتاجونهم فيه لحمل أثقالهم والخدمة في بيوتهم والسياقة بهم وبأبنائهم…أطفال يحلمون بتحقيق مطالب جد بسيطة عجزت سنين طويلة من الاستقلال على توفيرها ، بينما أطفال “الألبّة” طموحاتهم شيئ آخر يعجز معها العقل و الفطرة السليمة عن استعابها في كثير من الأحيان.
أطفال الأطلس لا يتابعون المهرجانات أو أي شيء من هذا القبيل… لا يلعبون كرة القدم… هم أطفال يداعبون كرات الثلج شتاء ويبحثون عن الزعتر ربيعا ويرعون الغنم صيفا… في انتظار وعود السلطات الوصية التي التزمت بإنجاز مشاريع نموذجية، وعود جعل منها المسؤولون مجرد مسكنات لإخماد ثورتهم مستغلة في نفس الآن طيبوبة أهل هذه القرى و المداشر، لكنها تأخرت لأسباب تتعلق بتعثر الصفقات و عجز الميزانية.
قرى و مداشر المغرب أسقطت من أجندات التنمية عمدا و ليس سهوا، هي اليوم تعاني التهميش والإقصاء، حتى تناساها الجميع، وأصبح الاهتمام بها آخر هموم المسؤولين المغاربة، فلا موت أطفالها بطرق مفجعة بفعل الإهمال المشترك تهمهم ، و تحرك ضمائرهم ، و لا هم هبّوا عن بكرة أبيهم لفك العزلة عن القرى وأهلها ولو مؤقتا، ريثما يصلون إلى الحل النهائي، أو الإصلاح النهائي الذي نتمنى أن يكون بداية للإصلاح الفعلي لهذا العالم المنسي الذي يضم بين جنباته جزءا من هذا الشعب المغيبة مشاكله عن اهتمامات المسؤولين عن هذا البلد.
عالم المغاربة المهشمين في الأدغال والجبال والصحاري، والمقصيين من حقهم في الاستمتاع بخيرات وطنهم، في حقهم في المواطنة، وممارسة حياتهم العادية بكل اطمئنان، وحق أطفالهم في التعليم، وحق نساءهم في التمتع بأنوثتهن كباقي نساء المجتمع، فأي مستقبل ينتظره هؤلاء المغاربة الغرباء داخل وطنهم؟ وهل ستظل عزلتهم سارية إلى ما لانهاية ؟ نتمنى أن يستيقظ ذات صباح ضمير المسؤولين، وتتم دراسة حياة ومستقبل هؤلاء الأطفال وأسرهم، وأن تقدم لهم المساعدات من طرف حكومتهم لا من طرف الجمعيات الخيرية الدولية التي تقدم لهم الرغيف محشوا بالتنصير مستغلة عوزهم و حاجتهم ، وأن يتم احتضانهم في تجمعات أسرية آمنة ، تضم مدارس ، ومستوصفات، ومرافق صحية، وأماكن للتكوين لممارسة حياتهم العادية، دون حرمانهم من بعض الطقوس الموروثة التي لا يستطيعون العيش دونها.
إليكم يا من تتقلبون على فراش وثير وتلتحفون لحافا من حرير يا من تستعذبون فصل الشتاء ،ويطيب لكم فيه العيش الرغيد وعندكم فائض من الكساء والغذاء وحتى الدواء .
هناك من جيرانكم وأقاربكم وإخوانكم من يفتقدون أبسط شروط الحياة ، هناك من يفترشون الحصير ويلتحفون القصدير ويسكتون جوع صبيتهم بكسرة خبز ومدقة لبن إن وجدت.
وهناك القابعين تحت الخيام التي تتلاعب بها الرياح وكأنها ألبسة بالية خرقة
ما عادت تستر الجسد النحيل والهيكل الهزيل، خيمتهم مهددة بالزوال ليصير من هم تحتها يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، فصار فصل الشتاء عندهم كأنه بعبع قادم من بعيد يحسبون لقدومه ألف حساب ، فلا بيت صامد يؤوهم بل كوخ من قصدير أو خيمة من نسيج يرتعدان مع كل رياح ،حتى خشي من هم تحتهما أن يصيروا في العراء.
شيخ وعجوز وطفل ورضيع لا يستطيعون مقاومة البرد ولا سد الجوع
في زمن العصرنة والمدنية تعيش البشرية أزمة خبز وبيت ودفء.
تـدري كيـف قابلنـي الشتاء
أتـدري كيـف قابلنـي الشتاء…..وكيف تكون فيه القرفصاء
وكيـف البـرد يفعل بالثنايـا…..إذا اصطكت وجاوبها الفضـاء
وكيف نبيت فيـه على فـراش…..يجور عليه في الليل الغطــاء
فـإن حل الشـتاء فأدفئونـي …..فـإن الشـيخ آفتـه الشـتـاء
أتدري كيف جارك يا ابن أمي….. يهــدده مـن الفقـر العنـاء
وكيـف يـداه ترتجفان بؤسا…..وتصدمـه المذلـة والشـقـاء
يصب الزمهريـر عليـه ثلجا…..فتجمد فـي الشـرايين الدمـاء
أتلقاني وبي عـوز وضـيق…..ولا تحـنو؟ فمنـا هذا الجفـاء
أخي بالله لا تجـرح شعوري…..ألا يكفيـك مـا جـرح الشـتاء
حينما تأخذوا بالإستعداد لتهيئة بيوتكم بالمدافيء والملابس الشتوية وأجود أنواع الفرش، فإن لكم من الجيران و الأقارب و الاخوان في الانسانية، يجلسون جلستهم العائلية بلا مدافئ، وترتعد أجسادهم في جنح الليالي من شدة البرد، ويذهب أطفالهم إلى مدارسهم من غير كساء.
إلى متى سينتهي هذا الفصل بين مغربين، لنضع فعلا سياسات تضمن العيش الكريم لكل المواطنين قبل أن نفكر في مشاريع تخدم فقط الأقلية الميسورة ؟ و متى يتحرك الشعب المغربي بكل مكوناته لمؤازرة إخوانهم المحاصرين بالفقر و البرد في مناطق متتعددة مما يعرف بالمغرب غير النافع ؟ لماذا لا نرى أطباء المغرب يتطوعون لمساعدة سكان الأطلس؟ لماذا لا نرى الجمعيات المدنية تنظم قوافل لإغاثة ضحايا البرد والجوع؟ لماذا لانرى مناضليين متطوعين يقضون عطلتهم لإعادة بناء المنازل التي هدمت بسبب الأمطار والسيول لأننا “هرمنا “من انتظار حل قد لا يأتي، خصوصا بعد حكومة بنكيران،التي طالما تغنت بحقوق الفقراء و المعوزين من أبناء هذا الوطن لأنه في آخر المطاف فاقد الشيء لا يعطيه..