على هامش (إيض يناير ) ….
جريدة طنجة – عبد السلام مفرج ( كتاب و آراء)
الجمعة 29 يناير 2016 – 15:49:23
مبدئيا ، لا يجادل أحد في كون ” إيض يناير ” يشكل إنصافا الذاكرة و الثقافة الأمازيغية, باعتبارها رافدين أساسيين ضمن باقي مكونات الهوية المغربية الثرية بروافدها العربية الإسلامية، الأندلسية، الحسانية … ومختلف التعابير الأخرى المفعمة بتجدر أصيل, تغالب النسيان وتتحدى عوادي الزمن, قبل أن يحسم أمرها دستوريا ابتداء من سنة 2011.
وبعيدا عن البعد الفلاحي، الذي يشكل النقطة المشتركة تاريخيا بين مختلف مظاهر الاحتفال الأمازيغي بهذه المناسبة، منذ اعتلاء الملك ” شيشونع” عرش مصر الفرعونية القديمة لامناص من المقاربة الثقافية و السياسية لرهان الأمازيغية في المغرب اليوم, خصوصا بعد مرور ما يقارب خمسة عشر سنة على الخطاب الملكي بأجدير، وما تلاه من تطورات متلاحقة صارت ملموسة الأثر في الساحة اليوم .
من نافلة القول, إن ملف تدبير الأمازيغية بالمغرب، قد تدخل مرحلة جديدة, تعكس منعطف الانتقال من الشعارات و المقولات، إلى مقام تنزيلها التدريجي على أرض الواقع ورغم التسليم المنصف بما روكم – ايجابيا – في هذه المرحلة، لاتزال بعض فعاليات الحركة الأمازيغية تتصرف وكأنها لم تبرح بعد محطة ( العمل النضالي الخام )، ودون ذكر لأسماء بعينها، فموقفها باد في كتابات وخطابات تستمر في الترويج لطروحات الظلم والإقصاء اللذين يتعرض لهما الأمازيغ ( لغة وثقافة), ومن ثمة تشكك في أية مبادرة رسمية لها صلة بهذا الموضوع .
لقد أبان التحول الانتقالي في تدبير الملف عن تجليات جديدة , منها تحديدا أنه – في السابق – لم تكن الحركة الأمازيغية تميز بين الدول و الأطراف الحكومية ( ومعها الأحزاب أيضا) في ما يخص موقفها ” السلبي ” من القضية، أما اليوم، فيبدو أن جزءا من هذه الحركة بدأت تضع فيصلا بينهما، حيث يتجه نظرها إلى أن الدولة جادة في إرادتها السياسية لخدمة الأمازيغية ( لغة وثقافة )، ولكن مكمن المشكل يتصل فقط بآليات التنزيل و الإدماج بكيفية سليمة و ديمقراطية …
ويبقى السواد الأعظم من هذه الحركة مصرا على السير قدما في الاتجاه المعاكس، فقبل ثلاثة أيام فقط من (إيض يناير2966) آختتمت ببوزنيقة أشغال المناظرة الأولى للحركة الأمازيغية ، وفيها آعتبر المتدخلون أن سياسات الدولة المغربية في تدبير الشأن الأمازيغي ( بعد حراك 2011)، لازالت وفية للمقاربات السابقة، التي تكرس التمييز والإقصاء و التهميش ضد الأمازيغية, كما أنها بعيدة عن الإنصاف العادل و الفعلي، من خلال مخالفة الدولة لألتزاماتها الأممية و الوطنية في مجال الديمقراطية و حقوق الإنسان.
وحسب خلاصات المناظرة التي انتهت بالإعلان عن تأسيس الائتلاف المدني الأمازيغي ” أغناس” ,فان الفاعل المؤسساتي و القوى السياسية ما زالت قاصرة عن ترجمة مواقفها المعلنة تجاه الأمازيغية, إلى مقترحات فعلية وتدابير منصفة لها ، مما يعكس – حسبها – استمرار ذهنية الإقصاء المتحكمة في تصورات النخب الإدارية و السياسية ، و بالتالي فان قضية الأمازيغية – اليوم- هي ( ملك ذاتي ) لمن يعمل من أجلها .
وأرى – من وجهة نظري- أن الحركات الأمازيغية عموما, ستسدي خدمة جليلة و نوعية للثقافة الأمازيغية الحقة, إذا تمكنت – بنية صادقة ووعي حصيف – من مراجعة جهازها الفكري ذي الصلة الوثيقة بالضمير الجمعي خاصة ما يتعلق بقراءة التاريخ حيث تتم هذه الأخيرة – في الغالب – انطلاقا من وقائع و أحداث ومقولات تكرست خلال فترات معنية من تاريخنا الوطني ، إذ يظهر أن هذه القراءة قد تحكمت – إلى حد بعيد- في بناء ( مرجعية أمازيغية ) لم يعد في مقدورها التعبير عن أفكارها و مطالبها، إلا من زاوية الإحالة الضيقة على ( الطرف الأخر)المهتم دائما بكونه ( الغازي جغرافيا و الظالم لغيره سياسيا و ثقافيا ) ، رغم أنه ( شريك أصيل ) في حظيرة الوطن .
على كل حال، رحم الله شيخ السليفية المستنير ” محمد بن العربي العلوي” في تصريحه الشهير : ” أنا مسلم ، وإسلامي فوق عروبتي ، وعروبتي فوق مغربيتي ، و مغربيتي فوق العرش ، و أنا خدمة العرش ما دام العرش في خدمة الشعب “.