الوثيقة المحظوظة: ما قبلها … وما بعدها…
جريدة طنجة – عبد السلام مفرج ( مساحة حرة )
الأربعاء 13يناير 2016 – 16:43:51
ليس هذا مقام المناقشة المستحقة لسياقات التحول النوعي في مسارات الحركة الوطنية آنذاك، والتي تظافرت معها شروط الشهرة وظروف النجاح داخليا و خارجيا ، لتجعل من الوثيقة التي أصدرها حزب الاستقلال في قلب ( المنطقة السلطانية ) بالذات حدث الساعة بامتياز حتى يومنا هذا .
لكن شرط المناسبة هنا يستدعي معه الإنصاف السياسي و التاريخي (و الجغرافي أيضا ) لمطلب الاستقلال في حد ذاته, بوصفه القضية المركزية الأولى ذات الإجماع الوطني المشترك حول جوهريتها و أهدافها بين كافة الأطراف المكونة لوحدة ( الوطن المحتل ) كمته الشعبية و رقعته الجغرافية .
وما فتئت التحريات التاريخية العميقة , تفيد كل باحث عن الحقيقة ,حول مطلب المذكور من بعض زواياه الدقيقة والتي يمكن إجمالها في كون الوثيقة المحظوظة ليوم 11 يناير 1944 , كانت في الواقع الشاهد مسبوقة بثلاث وثائق خاصة، ومتبوعة بوثيقتين اثنين ، أي ما مجموعه خمس وثائق جعلت من ( التحرر و الاستقلال ) مطلبها الأول و بندها الأبرز, بين سنتي 1940 و 1944 .
وعليه ,يمكن القول أن شرارة المطالبة بالاستقلال ، انطلقت – لأول مرة – من عمق ( المنطقة الخليفية ) بأقصى الشمال, وذالك في صيغة ( ملحق صحفي ) نشرته جريدة ” الريف ” الصادرة بتطوان يوم 14 يونيو 1940، حيث خط فيها قلم مؤرخها الأشهر محمد داود العنوان التالي : ” نريد استقلال المغرب ” وجاءت فيه الدعوة إلى: ” أن توحد البلاد المغربية ، وأن تكون بها دولة وطنية مستقلة ” ، لكنها ظلت ضعيفة الصدى محليا ولم تقابلها استجابة شعبية في أية جهة أخرى من أطراف البلد المحتل، ربما لأن ” الطرف كان غير ملائم و
الاستعداد غير متوفر “.
ثاني محاولة في الاتجاه نفسه , جاءت من تطوان أيضا , بعد اندماج حزب الوحدة المغربية مع حزب الإصلاح الوطني في جبهة قومية موحدة بداية سنة 1942 ، صدر عنها ميثاق وطني أواخر السنة نفسها ، نص صراحة على ” منح المغرب الحرية و الاستقلال ” وتمكينه من إقامة نظام ملكي إسلامي ، وإعادة وحدته الترابية، ورفض اندماجه استقبالا، كلا أو بعض ، في أية إمبراطورية استعمارية … ” .
وقد تكلل الميثاق المشترك للجبهة الحزبية، بتقديم هذه الأخيرة مذكرة إلى قناصل الدول الغربية في ( طنجة الدولية) يوم 14 فبراير 1943 ، طالبت فيها ” الإعلان عن سقوط نظام الحماية، وحل القضية المغربية على الأساس الشرعي و القانوني الوحيد ، الذي هو الاعتراف باستقلال المغرب وسيادته الداخلية و الخارجية ، وإعادة وحدة ترابه الوطني، كما كانت في عهد الاستقلال ، تحت ظل العائلة العلوية المالكة ، مع ضمانة هذا الاعتراف من جميع الدول خصوصا أمريكا و أوروبا “.
ويبدو أن عثرة الحظ رافقت هذه التجربة بدورها لأنها – في نظر المتتبعين – تمت بطريقة سرية لم يعلن عنها في إبانها ، كما لم يعلم بوجودها إلا بعد مرور سنتين ونصف .
أما المحاولة الثالثة على درب المطالبة بالتحرر الوطني ، فقد كانت ( أرض الكنانة ) مسرحا لها وصدرت عن ( رابطة الدفاع عن مراكش ) التي تشكلت نواتها من الطلاب المغاربة خريجي الجامعة المصرية ( باختلاف ولاءاتهم الحزبية ) سنة 1943 ، حيث أقدم أعضاء هذه الهيئة خلال الأسبوع الأول من يناير 1944 على توجيه مذكرة إلى مكتب فرنسا الحرة ، و إلى سفارات دول الحلفاء في القاهرة (إنجلترا , أمريكا , الاتحاد السوفياتي ) يطالبون فيها باستقلال المغرب .
وقد اعتبرت هذه الخطوة مبادرة محلية، تمت دون علم مسبق بما كان يجري في الوطن الأم، ومن غير تنسيق مع الوطنيين هناك ، رغم أن مصادفة نادرة جعلت خبر هذه المذكرة ينشر في صحف القاهرة يوم 13 يناير 1944 ، أي بعد تقديم الوثيقة الشهيرة في الرباط بيومين فقط ،وشتان بين المغرب و المشرق آنذاك في ما يخص المواصلات و الاتصالات …
_____ __ _
للموضوع صلة بما بعد الوثيقة المحظوظة
في الأسبوع القادم