ما بال شبابنا يتطرّفون…… و يرتمون في أحضان تنظيمات تحولت الى أوطان بديلة
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( التطرف والشباب )
الأربعاء 09 شتنبر 2015 – 09:53:16
يقول الشاعر إيليا أبو ماضي :
«إذا أنا أكبرت شأنَ الشباب — فـإنّ الشبـاب أبو المُعجزات » .
وخطاب دينى لم يفلح فى استلهام رُوح الدّين الذى يدْعـــو إلى التعاون والتراحم من أجل صنع تجربة حضارية، و فقدان للثقة في رموز و مؤسسات رسمية، و غياب روح الفريق ، بل ان الأمة تنجب الأبطال من أجل أن تدفعهم فريسة للجهل و الفقر و غياب الرؤية.
كل ذلك وغيره كثير دفع الشباب دفعا إما إلى الهجرة والاغتراب داخل الوطن، و اما الهجرة و الاغتراب خارج الأوطان، فاجتاح الدول العربية عنف إرهابى أعمى، توحش فتوغل إفساداً وتخريباً وقتلاً وترويعاً، هدفه قتل أكبر قدر من الأبرياء شاء حظهم العاثر أن يكونوا فى مقهى أو مسجد أو سوق أو مزار ديني، هدفه الأسمى بث الرعب وإثارة الفوضى وهز الأمن وشل حركة الحياة وتعطيل مصالح الناس.
علماء الدين والخبراء يؤكدون أن الشباب يتطرفون ويهجرون أوطانهم للانضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية التى باتت حاضنة لهم لأسباب عدة منها الجهل و الغلو الديني و التعصب بكل أشكاله الدينية والمذهبية والأيديولوجية والقبلية، والاستبداد بالرأى وفرضه بالقوة، كادعاء امتلاك ناصية الحقيقة المطلقة وعدم الاعتراف بنسبية الحقائق السياسية والاجتماعية.
والأخطر من كل ذلك هو تشويه المفاهيم الدينية بقراءات خاطئة للجهاد والأمر بالمعروف والولاء والبراء وعدم التشبه بالكفار واستعادة الخلافة، فى غفلة عن سياقها الاجتماعى الزمني. وأوهام التآمر على الإسلام والمسلمين، وكذلك الأنماط التربوية السائدة فى التنشئة العربية وعدم كفاية التحصين الثقافى للشباب دينياً وثقافيا وفكريا، ووقوعهم ضحية خطاب دينى بدلا من أن يستألف الشباب فى صنع تجربة حضارية يدفعهم دفعا فى أتون التطرف والتشدد تارة، و الالحاد و الانحراف تارة أخرى ، او الارتماء في أحضان الجماعات الارهابية و التكفيرية.
تشكل ظاهرة التطرف الديني في المجتمعات العربية الإسلامية أبرز القضايا التي تشغل اهتمام الباحثين على اختلاف مشاربهم الفكرية، و كذا تثير انتباه الملاحظين، نظرا لسرعة بروزها كظاهرة اجتماعية أولا، ولخطورة آثارها على الصعيد الإجتماعي ثانيا، وبالرغم من المحاولات الجادة التي استهدفت تطويق الآثار السلبية لهذه الظاهرة، فإن التطرف على اختلاف أشكاله، السلوكية والفكرية مازال يجد الأرض الخصبة لنموه وامتداده بين شبابنا.
مجتمعاتنا وأوطاننا ، تعاني اليوم معاناة عظيمة من انتشار ( المد المتطرف ) المتدثر بالدِّين ، يخطف شبابنا ويوظفهم لمشاريعه العدمية ، آلاف الشباب المسلم سقطوا على امتداد العقدين الأخيرين ولا زالوا يتساقطون.
يمثل الشباب أغلى ثروة قومية في حياة أي مجتمع باعتبارهم بناة الحاضر وصناع المستقبل وعلى عاتقهم تقع مسئوليات جسام لترجمة أهداف التنمية والتطوير المنشودة .
وإذا كان الشباب يمثل هذه الأهمية البالغة فإن مهمة إعداده وتأهيله وتسليحه بالعلم والمعرفة للقيام بتحمل المسئوليات التي سينهض بها في الحاضر والمستقبل يمثل من أهم التحديات الكبيرة أمام الحكومات والشعوب خاصة في الدول النامية ومنها المغرب نظرا لتسارع معدلات النمو السكاني وارتفاع مستوى شريحة الشباب بما يربوا عن النصف من إجمالي تعداد السكان، وكذا تعدد الاحتياجات لهذه الشريحة مقابل محدودية الإمكانيات والموارد المتاحة لتلبيتها, في وقت يشهد فيه عصرنا الراهن في ظل العولمة تنام مضطرد لتأثيرات سلبية عديدة ومتعددة تستهدف الشباب بما يفوق قدرات الحكومات والشعوب على مواجهتها وتجنب مخاطر تأثيراتها التي تتجاوز الحدود والجدران ليصبح ضحيتها الشباب وخاصة في حالة ضعف جهود البناء المعرفي والفكري ما يدفعهم تحت ضغوط الحياة اليومية نحو الانحراف ليصبحوا أداوات هدم وليس كوادر بناء .
ورغم تعدد التأثيرات السلبية سواء كانت محلية أو خارجية إلا أنها تؤدي إلى طريق واحد يحول الشاب عن مسار التوجيه السليم إلى مسار خاطئ يصبح فيه عضوا غير سوي في مجتمعه ويتجه نحو العنف والإجرام .
ومن أبرز تلك التأثيرات السلبية التي يتعرض لها الشباب في مجتمعنا هي وسائل التعبئة الخاطئة التي تغرس في عقول الشباب، أفكار منحرفة تتنافى مع قيم ومبادئ الدين الإسلامي وكذا مفاهيم مغلوطة عن قضايا المجتمع والوطن بغية إحياء نعرات مناطقية أو مذهبية لتحقيق مصالح أنية تتعارض مع مصالح الوطن العليا وتهدد وحدته الوطنية وسلمه الإجتماعي ولا تخدم سوى أعداء الوطن.
ظاهرة التطرّف ، كظاهرة التعصّب ، وليدة أسباب وعوامل داخلية ، ترجع إلى ضعف التحصين و قلة المناعة نتيجة تربية غير سوية ، وتعليم تلقيني أحادي لا ينمي ( عقلاً ) نقدياً ، وخطاب ديني منغلق ، يتصور العالم تآمراً على المسلمين ، وإعلام تحريضي قنوات ومواقع تواصل اجتماعي وسياسات تمييزية تضعف مفهوم المواطنة كجامع مشترك للمواطنين .
بات من الواضح الآن تنامي نزعة التطرف في المجتمع المغربي بشكل عام، ولدى الشباب بشكل خاص، في السنوات الماضية، هذه الظاهرة ليست وليدة الساعة، بل إن إرهاصاتها تعود لسنوات عدّة، وكانت بعض الدراسات قد نبهت إليها، ولكنها لم تحظ بالاهتمام الكافي في حينه.
ولكن ظاهرة التطرف أصبحت في تزايد بات يشكل مصدر تهديد للسلم والاستقرار الاجتماعي، وإذا لم يتم التنبه إليه، فقد يأخذ أبعاداً سياسية أيضاً، حيث يعيش الشباب المغربي، شأنه شأن غيره من الشباب في العالم العربي، ضمن ظروف صعبة ومعقدة، أبرز معالمها حالة من الاغتراب الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي.
مصادر الاغتراب لدى الشباب كثيرة، منها التهميش الاقتصادي بسبب الفقر والبطالة، وتراجع الفرص المعيشية، وحالة من الاغتراب السياسي، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمين ولا يقل أهمية عما ذكر حالة الاغتراب الاجتماعي عن الأسرة والقيم والخطاب الاجتماعي التقليدي.
بداية، يجب أن نعترف، دولة ومجتمعاً، بأننا فشلنا في الاعتراف بهموم الشباب وتطلعاتهم، ولم نستمع لهم بما فيه الكفاية، سواء على صعيد الأسر أو المؤسسات التعليمية أو الأطر السياسية، لقد حاولنا أن نصنع منهم نسخاً كربونية عنا، وعندما فشلنا اتهمناهم بأنهم لا يكترثون بالفكر والسياسة والقضايا القومية والأممية، وأن جلّ اهتمامهم هو الرياضة والموسيقى وغيرها، أو فقدنا التواصل معهم.
حالة الاغتراب التي يعيشها الشباب تعود لسلوكيات عدة، منها الانسحاب وعدم المشاركة، وتعاطي الكحول والمخدرات، واللجوء للعنف والجريمة والتطرف.
يأخذ التطرف الاجتماعي أشكالاً وأبعاداً متنوعة، جهوية وفكرية وسياسية ودينية،والمشترك بين كل أشكال التطرف هو التعصب الأعمى، وعدم قبول الآخر، ومحاولة إلغائه والتعامل معه بعنف، وهو ما يشكل خطورة كبيرة على العلاقات بين أفراد وجماعات المجتمع، وبين المجتمع ومؤسسات الدولة. ولا يوجد مصدر واحد أو وعاء فكري أو سياسي أو ديني واحد للتطرف، ولكن كل الأيديولوجيات والأطر الفكرية والدينية يمكن أن تُستغل من ذوي المصالح لذلك، والضحية دوماً هم الشباب.
لأسباب مفهومة ومبررة، فقد كان الاهتمام موجهاً نحو احتواء التطرف السياسي، ولكننا لم نهتم بمصادر التعصب والتطرف الاجتماعي الذي يتجلى بمظاهر العنف والجريمة التي بدأنا نلاحظها بشكل متكرر في الفترة الماضية. إن خطورة التطرف والتعصب الاجتماعي هو أنه قد يتحول في اللحظة المناسبة إلى عنف سياسي، ولكن محاربة التطرف واحتواءه مهمة ليست فقط لاحتمالات تحوله إلى عنف سياسي، بل أيضاً لخطورته -بحد ذاته- على المجتمع والسلم الأهلي.
كيف نحصن شبابنا من شبح التطرف و الارهاب….
أثبت لنا الواقع، أن الشباب هم أكثر شريحة مستهدفة من قبل التيارات الإرهابية والمتطرفة، ولذلك، وجب تحصينهم، ووضع المخرجات الوقائية التي تحصنهم من الوقوع في شراك الغلو والتشدد، ومن تلكم الوسائل والمخرجات المهمة التي ينبغي أن نسلكها في التعامل معهم حسب مختصين سوسيولوجيين :
(1) تزويدهم بالعلم النافع، الذي يبصرهم بالمعارف الشرعية الصحيحة، ويعصمهم من المفاهيم والتصورات المغلوطة، لا سيما في أبواب التكفير والجهاد والولاء والبراء وغيرها، فإن من أسباب الانحراف الفكري القصور في فهم النصوص وتفسيرها بما لا تحتمل، ولذلك، فإن العلم والتوعية أقوى سلاح في مواجهة التطرف والإرهاب، قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}، وقد حرص الصحابة رضي الله عنهم، على معالجة الانحرافات التي ظهرت من بعض معاصريهم بالحجة الناصعة والبرهان الساطع.
(2) حثهم على أخذ العلم من منابعه الأصيلة، والاستنارة بفهم العلماء المعتدلين الموثوق في علمهم وأمانتهم ووسطيتهم، قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
(3) توعيتهم بعظم شأن الفتوى، وخطورة الخوض فيها من دون تأهل ولا اختصاص، فإن كثيراً من المتطرفين يفتقرون إلى هذا، فيقدمون على الإفتاء في كبريات المسائل في جرأة متناهية، وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتدافعون الفتوى، وكان الأئمة يحتاطون في ذلك أشد الحيطة، حتى كان الإمام مالك، رحمه الله، إذا سئل عن مسألة فكأنه واقف بين الجنة والنار.
(4) تربيتهم على التجرد للحق، وبيان فضل التراجع عن الخطأ والعودة إلى الحق عند ظهوره، وعدم التمادي في الباطل والانحراف.
(5) تزويدهم بالأخلاق الحميدة، التي تزرع فيهم الشخصية المتزنة المحبة للخير والوئام، مثل الحلم والأناة والرحمة والعطف واللين والرفق، ودور الأسرة والمدرسة في ذلك كبير.
(6) تربيتهم على الهدوء وضبط النفس والتحكم بالانفعالات وحسن التعامل مع المواقف المختلفة، وعدم اللجوء إلى العنف أو ردات الفعل العدوانية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
(7) غرس محبة الوطن في نفوسهم، وتقوية تعلقهم به، والوفاء له، وتقدير مصالحه، واحترام قيادته ومؤسساته، وتقوية القناعة لديهم بأن ذلك مطلب شرعي ووطني، وأن المصلحة في ذلك تعود عليهم.
(8) تربيتهم على مراعاة المصالح العليا وحفظ الضروريات الخمس، وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
(9) تربيتهم على تقدير نعمة الأمن، والمحافظة على أسبابه، واجتناب الإخلال به.
(10) تعويدهم على مشاورة القريبين منهم، والتعامل معهم برحابة صدر وشفافية، وفتح الباب لهم لعرض ما يطرأ لديهم من مشكلات مختلفة، وحسن محاورتهم بالحسنى، فإن ذلك من أنفع الطرق لاحتوائهم وتصحيح سلوكهم ومعالجة الخطأ عندهم إذا وُجد، وغياب التوجيه الأسري أو المدرسي أو المجتمعي في هذا المضمار سبب خطير للتمادي والجنوح.
(11) إرشادهم إلى حسن اختيار الصحبة، وانتقاء الأصدقاء الصالحين، فطبقة الأصدقاء هم من أكثر الفئات تأثيراً في قرنائهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».
(12) تشجيعهم على حسن الاندماج مع المجتمع، وتعويدهم على صلة الأرحام، وإبعادهم عن الأمور السلبية كالانطواء والعزلة والكراهية والبغضاء.
(13) بيان طرق معالجة الخطأ لهم إذا صادفهم، وتعويدهم على أدب النصيحة الراقية، والكلمة الطيبة الجميلة.
(14) تنمية مهارات التفكير السليم لديهم، والذي يرفع فيهم مستوى الوعي واليقظة والإدراك، ويعودهم على حسن النظر والتمحيص.
(15) تربيتهم على مبدأ التحري والتثبت وعدم الانخداع بالإشاعات المغرضة والمعلومات المغلوطة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.
(16) إرشادهم إلى حسن استخدام المواقع الإلكترونية وأدوات التقنية الحديثة، ومتابعة مصادر تلقي المعلومات لديهم في هذه الشبكات وغيرها.
(17) تنفيرهم من مسالك التطرف والتنظيمات الإرهابية، وبيان قبح آثارها وسوء مآلاتها وعواقبها الوخيمة، يقول بعض العلماء: «إذا أشكل عليك شيء، فانظر إلى مفسدته وثمرته، فإن كان مشتملاً على مفسدة راجحة ظاهرة، فإنه يستحيل على الشارع الأمر به أو إباحته».
(18) إرشادهم إلى حسن اغتنام أوقات فراغهم في النافع المفيد، وتفريغ طاقاتهم في الجوانب الإيجابية المثمرة، سواء عبر الأعمال التطوعية أو الأنشطة الرياضية أو الاجتماعية أو الثقافية أو العلمية أو المشاريع الاقتصادية أو غيرها.
(19) رفع قيمة العمل والإنتاج لديهم، وتسهيل الفرص لهم، وتأهيلهم لذلك، وتحذيرهم من البطالة والكسل، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل».
(20) رفع معنوياتهم، وبث روح الأمل والتفاؤل في نفوسهم، وإبعادهم عن مشاعر اليأس والقنوط والإحباط.
(21) ترشيد العاطفة لديهم، بحيث لا تخرجهم عن الصواب، ولا توقعهم في التهور، ولا تحجب عنهم النظر في العواقب والمآلات، وقد أرشدنا الله إلى ذلك، فقال: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عَدْوَاً بغير علم}.
لا يولد الناس متطرفين أو معتدلين، ولكنهم يصبحون كذلك، والعوامل التي تؤدي للتطرف متنوعة ومتشعبة، ولكن ليس من الصعب الإحاطة بها، لم يعد من الممكن السكوت أو التغاضي عن تزايد مظاهر التطرف والتشدد في مجتمعنا، وبخاصة لدى الشباب، لقد باتت الحاجة مُلحّة للوقوف على أسباب وأشكال هذه الظاهرة، ووضع الحلول لمعالجتها، والمسؤولية لا تقع على عاتق الأسرة ومؤسساتها فقط، بل إنها مسؤولية الأسر ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمؤسسات التربوية أيضاً.
الدولة يجب أن تقود هذه العملية من حيث الوقوف على أسبابها، وسُبل علاجها، وتحديد مسؤوليات كافة الأطراف في معالجتها، قبل أن يسحب البساط من تحتها و تتحسّر على شباب كانوا سيكونون يوما مواطنين صالحين و أسوياء .
نسأل الله تعالى أن يحفظ شبابنا، ويجعلهم ذخراً لأسرهم ومجتمعهم ووطنهم.