الإجتهاد الفقهي بين الإنغلاق والإنعتاق
جريدة طنجة – رضوان محمد إدريس بناني ( اجتهاد فقهي خَلاق يَصونُ الأسرة المسلمة )
الأربعاء 23 شتنبر 2015 – 16:25:52
• هلا فزتُـم بثــَواب اجتهاد فقهي خـــلاق يصون الأسرة المسلمة من ويلات الطـــلاق؟
إنني أكن كل التقدير والاحترام والتبجيل للسادة علماء الأمة وفقهائها على مر العصور والأزمان، جزاهم الله عنا خيرالجزاء، وأرى أن باب الاجتهاد يظل مفتوحا في وجه من أنار الله قلبه وبصيرته. وبصفتي طالب علم حاولت استنباط حكم الشرع الحنيف من التدبر في خمس آيات من سورة البقرة ( الآيات 228 إلى 232) ، أبسط ما فهمته منها في هذا النداء راجيا أن أكون قد حالفني الصواب. ويشرفني أن أوضح الأسباب الوجيهة التي تبرر طلب الفتوى الشرعية ملتمسا الإجابة عن خمسة أسئلة هامة، من شأنها أن تفصح عن حسن نيتي وسلامة طويتي ورغبتي في الاستزادة من العلم، وحرصي على التقيد بحدود الله تعالى، وأمنيتي في أن يثمر النقاش الفقهي البناء عن صدور فتوى جديدة تزيل الغمة عن الأسرة المسلمة، تتبعها تعديلات تشريعية على مدونات الأسرة.
السؤال الأول: إصلاح ذات البين:
هل هو أمر موضوعي أم مُجرّد إجـــراء شكلـــي؟ وهـل يـؤثــــر عدم إجراء محاولة الصلح بين الزوجين على صحة الطلقة أم لا؟ علما بأنه لو أجريت لما سجلت أي طلقة في أغلب الحــــالات….قال تعالى:”وإن خفتـُم شِقـــاق بينهمـا فـــابعثوا حُكْمـــا من أهلهِ وحُكمـــًا من أهلها، إن يريدا إصلاحــًا يوفق الله بينهما، إن الله كان عليمًا خَبيرًا” صدق الله العظيم. الآية 35 من سورة النّساء.
السؤال الثاني : الطلاق البدعي…الطلاق … العدة…الرجعة…زوال الزوجية :
عدم استفسار العدلين للــــزوج قبل تسجيل الطلقة عما إذا كانت الزوجة في حالة طهر لم يقع خلالها مَســـاس، لمعرفة إن كان الطلاق بدعيا أم سنيا، هل يؤثر ذلك على صحة الطلاق أم لا؟ قال تعالى :” والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قـــُروء، ولايحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم” الآية 228 من سورة البقرة. هذه الآية الكريمة تبين أمد العدة وحق الزوج في مراجعة زوجته قبل انقضاء أمد العدة وقبل زوال الزوجية .
وهكَذا نص الفصل 68 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية القديمة، والمادة 124 الفقرة الأولى من مدونة الأسرة الجديدة على أن للزوج أن يراجع زوجته أثناء العدة، فالمراجعة تتم قبل انتهاء العدة لا بعدها. وقال جل علاه “الطلاق مرّتــــان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان….”الآية 229 من سورة البقرة. وهذه الآية الكريمة تقرر حق الزوج في مراجعة زوجته مرتين اثنتين أثناء استمرار الزوجية . معلوم أنه إذا تمت المراجعة في الطلقة الرجعية الأولى داخل أمد العدة، ولم تحصل المراجعة أثناء العدة في الطلقة الرجعية الثانية، بــانَت المرأة بــــانقضاء عدة الطلاق الرجعي، بصريح الفصل 66 من المدونة القديمة والمادة 123 من المدونة الجديدة.
السؤال الثالث : الزواج الجديد بعد بينونة صغرى :
هل يمكن القول في هذه الحالة بأن الحُكم الشرعي الوارد في الآية 229 قد طبق فعلا، وأنه تم تسريح بإحسان وانتهت العلاقة الزوجية، على ضوء الفصل 70 من المدونة القديمة والمادة 126 من المدونة الجديدة :”الطلاق البائن دون الثلاث يزيل الزوجية حالا ولا يمنع من تجديد عقد الزواج”. وهذه هي حالة البينونة الصغرى التي تزيل الزوجية حالا ،ولا تمنع من تجديد عقد الزواج هل الزواج الجديد بعد بينونة صغرى يطوي صفحة الماضي ويزيل الطلقتين، وتحكمه الآية 229 مرة أخرى أم لا؟؟ ومعلوم أيضا أنه اذا تمت المراجعة من الطلقة الرجعية الثانية داخل أمد العدة، أي تم الطلاق الرجعي مرتان، وتلاهما إمساك بمعروف، في هذه الحالة تحسب الطلقتان، فإن طلقها كانت الطلقة مكملة للثلاث، وحصلت البينونة الكبرى كما يعبر عنها الفقهاء، ووجب تطبيق الحكم الشرعي الوارد في الآية 230 :”فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله، وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون”صدق الله العظيم. يفهم من هذه الآية الكريمة أن الطلاق المكمل لثلاث يستلزم عدم زوال الزوجية قط قبل حصول الطلقة الثالثة .
ولقد نهى الله تعالى عن إمساك الزوجات للضرر بهن والتعدي عليهن إذا طلقن وبلغن أجلهن، في الآية 231 من سورة البقرة، وهذا يعني أنه إذا تمت المراجعة داخل أمد العدة،وفي حالة استمرارية الزواج. كما نهى جل علاه في الآية 232 عن عضلهن ّأي منعهن من أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف بعدما طلقن وبلغن أجلهن. وهذه هي حالة ما إذا لم تتم المراجعة داخل أمد العدة وزالت الزوجية …قبل حصول الطلاق المكمل للثلاث … أي حالة الزواج الجديد الذي يجب الزواج القديم ويفتح المجال لثلاث طلقات جديدة . وهكذا تعتبر الطلقة الصادرة في ظل الزواج الجديد طلقة أولى رجعية.
السؤال الرابع : الطلقة الصادرة عقب الزواج الجديد:
لما كان القاسم المشترك بين البينونة الصغرى والبينونة الكبرى هو أن كل واحدة منهما تزيل الزوجية حالا، ألا يمكن القول بأنه يترتب عنهما نفس الآثار؟ وأن الفارق يوجد في موانع الزواج المؤقتة ليس إلا، وأن الزواج من جديد بعد البينونة الصغرى يزيل الطلقة أو الطلقتين الرجعيتين، كما يزيل الزواج من جديد بعد البينونة الكبرى، الطلقات الثلاث بكاملها؟ألا تعتبر الطلقة الصادرة عقب الزواج الثاني طلقة رجعية أولى في كلتي الحالتين؟؟؟ ملاحظة هامة : لا ذكر لكلمة (البينونة) لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الشريفة… ؟ فهي من قبيل الاجتهاد،والمجتهد قد يصيب وقد يخطئ. وفي رأيي فإن التمييز بين البينونة الصغرى والبينونة الكبرى هو اجتهاد خاطئ ما دامت كلتهما تزيلان الزوجية حالا… بصريح الفصلين 66 و 70 من المدونة القديمة ، والمادتين 123 و 126 من مدونة الأسرة الجديدة.
السؤال الخامس : المصالح المرسلة وصيانة الأسرة المسلمة من ويلات الطلاق:
ألا ينسجم هذا القول مع تحقيق الغاية من الميثاق الغليظ للزواج التي هي الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين على وجه الدوام؟ ألا يحافظ على لم شمل الأسرة المسلمة ويجنبها خطر تشتيتها وتدميرها بالطلاق المكمل للثلاث؟؟؟ ألا يرضي الله تعالى هذا الحل، ويغضب الشيطان اللعين ويحقق مصلحة الأسرة المسلمة بل الأمة الإسلامية جمعاء؟ ما أحوجنا اليوم إلى فتوى شرعية متفتحة تأخذ بعين الإعتبار أن من مقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء التيســـــــير على عباد الله ومراعاة المصالح المرسلة، والحفاظ على شمل الأسرة المسلمة، الخلية الأولى في المجتمع، انطلاقا من قوله تعالى :”وما جعل عليكم في الدين من حرج” ، ومن قوله عليه الصلاة والسلام : “يســرا ولا تعسـرا”.
حَبذا لو تنص الفَتـــوى المرغــــوب فيها على مايلي:
1 ـ يشترط في الطلاق المكمل للثلاث استمرار الزوجية وحصول المراجعة داخل أمد العدة في الطلقتين الرجعيتين الأولى والثانية.ولا تحل الزوجة المطلقة إلا بعد أن تنكح زوجا غيره وتنقضي عدة الوفاة أو الطلاق منه .
2 ـ تزول الزوجية حالا بانقضاء العدة دون مراجعة من طلقة رجعية أولى أو ثانية أو مكملة للثلاث .
3 ـ كل زواج بعد زوال الزوجية هو زواج جديد يجُبُّ الزواج السابق بخيره وشره،ويفتح المجال لثلاث طلقات جديدة.
4 ـ لا يعتد بالطلاق البدعي ولا بالطلاق الذي لم تسبقه محاولة إصلاح ذات البين باءت بالفشل.
5 ـ يلحق الأبناء بآبائهم في جميع الحالات عملا بقوله تعالى (ادعوهم لآبائهم). ويستمر التزام الآباء بتحمل جميع مشتملات النفقة على أزواجهم و أبنائهم وفق أحكام مدونة الأسرة المنظمة للنفقة .
نتمنى أن تجد الفتوى المرجو إصدارها صَدى في مدونات الأسرة، والله من وراءِ القصد. ومِسك الخِتــام قوله تعــــالى”إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلاّ بالله، عليه توكّلت وإليه أنيب ” صدق الله العظيم.
_____ __ _
طنجة في يوم الإثنين 02 ربيع الأول 1437 هـ الموافق 2015/12/14 .
رضوان محمد إدريس بناني : (قاض سابق ومحام لدى محكمة النقض)
redben12002@yahoo.fr