هدم منارة الشاطئ البلدي بطنجة …. عندما نفرّط بتراثنا باسم التجديد
جريدة طنجة – متابعة ( هدم مَنارة الشاطيء البلدي بطنجة )
الجمعة 11 شتنبر 2015 – 11:04:30
التّصرُف بالمَعــــالم القديمة بالمدينة ليس بيد الهيئات الادارية وحدها وإنما هي قضية وطنية، فالمحافظة على التراث العمراني هو مصدر إلهام لتاريخنا وتاريخ المناطق التي لها دور كبير ولا يزال في وحدة المملكة، بالإضافة إلى كونه مصدرا اقتصاديا، فلم يعد هناك خط فاصل بين التنمية والتطوير الحضري والمحافظة على التراث.
نرى الحسرة الآن على وُجوه ساكنة طنجة وهم يرون العبث على المواقع الأثرية، بسبب الإهمال الواضح للتراث ، فالكثير من الأبنية التراثية القديمة جداً، والتي تعود إلى قرون ماضية أصبحت مكباً للنفايات وأخرى معرضة للهدم بسبب عدم الترميم من قبل الجهات المختصة، فيما يزحف التمدن والبناء الحديث على أماكن تراثية أخرى ما يجعلها عرضة للهدم.
في ظل هذا الوضع، وفي الوقت الذي نجد فيه باقي بلاد العالم تصُون مآثرها ومعالمها وتخصّص لها ميزانيات الترميم والإصلاح والتعريف بها، نجد العكس من ذلك تماما هو الحاصل عندنا، حيث ظل الطابع الذي يميز التعامل مع موروثاتنا التاريخية، هو العبث بذاكرتها وتعرضها للحفر أو الهدم والضياع والتدمير، أو تعرضها للتطاول تحت ذريعة إقامة مشاريع سياحية، وكأن المشاريع السياحية والاقتصادية لا تتحقق ولا تُنجز إلاّ على حساب طمس المعالم التاريخية.
فإذا كانت المشاريع السياحية والاقتصادية أساس التنمية، فإن هذه الأخيرة لا يمكن أن تتحقق على حساب هدم المعالم التاريخية وتدمير البنايات والمواقع الأثرية والتي آلت إلى وضعية خطيرة على قلّتها حيث لم يتبقى منها سوى الخراب وركام الأحجار .
ما نحن بحاجته بالفعل، هو إعادة تأهيل وترميم الأبنية التراثية في طنجة، والتي تشمل البيوت و المعالم والأسواق والمحال التجارية القديمة، وخاصةً المعرضة منها للسقوط بسب التقادم وعوامل الزمن والإهمال.
مشروع الهيئة صحيح أنه مشروع سينقل طنجة الى مراتب عليا عالميا ربما، و نحن بانتظار هذا الحدث العظيم، الذي جاء ليكمل مختلف أوجه الاستثمار في القطاعات الاقتصادية والخدماتية والإنتاجية والبنيات التحتية على مستوى المنطقة، و أنه سيساهم في استكمال العرض السياحي بطنجة، لكن ما يحزن الخاطر في هذه العملية التي انطلقت منذ مدة هو عدم استنادها إلى دراسةعلمية دقيقة تحدد طبيعة المواقع المشمولة بالتهيئة، وخصائص مكوناتها التاريخية ، ثم كيفية التعامل معها وفق تصور منهجي يساهم في الحفاظ عليها وتثمينها.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنهجية المعتمدة في هذا الورش، تذكر بالحفريات التي أنجزت في بداية القرن 19 والتي ساهمت في إتلاف عدد من العناصر التاريخية التي كان من شأنها إبراز عدد من أنماط الحياة لمدينة طنجة عبر كل الحقب التاريخية ، وبالرجوع إلى واجهة الورشة ، وحصيلة الأشغال الجارية يمكن القول إن العملية كانت قد كشفت عن وجود بعض الأبنية القديمة ومنها ، آثار كهف صغير بداخله نبع مائي ، وسقف مكون من أشكال هندسية نتيجة ترسبات كلسية طبيعية ، ووجود آثار نفق تحت أرضي قد تكون له علاقة بنفق آخر مماثل اكتشف سابقا بجانب سور القصبة ، ثم اكشاف أدراج ممتدة بين جدارين، وهي تمثل مدخل المنطقة المعروفة بدار البارود التي لا زالت آثارها قائمة ، وهي تشكل ما يعرف بيور كاسطل ( قلعة المدينة التي استعملت في مختلف المراحل التارخية ) لكونها كانت تشكل التحصينات الأساسية للمدينة بدءا من عهد الرومان ، كما أن الجزء الشرقي من القلعة المذكورة يذكر بملامح فترة تحرير طنجة سنة 1684 في عهد المولى إسماعيل، كما يوجد في المحيط مبنى فندق كونطيننطال الذي يعود تاريخه إلى نهاية القرن 19 وهو من الفنادق العصرية الأولى في المغرب.
خـُـلاصة القول انّـه ممّـا لاشك فيه ، ان كل من استطاعَ اليوم أن يدعوا أو يساند او يصمت أو يخرب بنــاءًا او مَعْلَما ذو قيمة معمــارية أو تاريخية أو فنّية أو سياسية أو بيئية أو اجتماعية أو دّينية، يستطيع أن يخرّب كلّ مَظاهر الحَضــارة غدًا.
اسبانيا مُؤخرًا أهدَتْنــا مسرح سرفانتيس التــاريخي ، اهدموه هو أيضــًا لبناء مرآب أو بناية عقيمة لتأتوا شيْئا فشيئا على تُراث و حَضــارة عـروس البوغــــاز.