الحُكومة تُقّرّ بوجود “اختلالات” في تدبير التفويض‬ ‫وأمانديس تنفي‬

بينما يتابع بنكيران إغراق المغرب بالديون الخارجية التي تزحف اليوم بوتيرة متسرعة ومخيفة على قمة الناتج الداخلي الخام، إذ تجاوزت هذه الديون ستمائة مليار درهم ، طلعت علينا حكومة بنكيران بميزانية للعام القادم، طابعها العام هو الغور المتزايد في جيوب المغاربة ، بغاية سد عجز الميزانية ، الأمر الذي يعتبره بنكيران من أهم منجزات حكومته.‬

‫والحال أن القروض الخارجية لا يبدو أنها تذهب كليا لمشاريع استثمارية بدليل أن معدل النمو في الميزانية لا يتجاوز 3 بالمائة بالرغم من تضارب النسب بين البنك الدولي وبنك المغرب ومندوبية التخطيط وبعض المؤسسات المالية العالمية بهذا الخصوص.‬

المهم، أنه “عند “فورا يظهر الحساب” ‪! ‬… وحيث أنه لا يفصلنا عن هذه “الفورا” سوى يضعة أشهر، فإننا نتمنى أن يتمكن بنكيران قبل ذلك من رأب الصدع داخل الائتلاف الحكومي بعد “الخيانات” لتي طبعت المعارك الانتخابية الأخيرة ، وخصوصا بعد “التمريرة المارادونية” للمادة 30 من الميزانية المقبلة التي جعلت الأمر بالصرف، بخصوص الخمسين مليار من الدراهيم المغربية لصندوق التنمية القروية،في يد وزير الفلاحة بدل رئيس الحكومة ‪!‬

‫وعلى بضع خطوات من نهاية المرحلة التي حملت العدالة والتنمية إلى صدارة المشهد الحزبي المغربي، يبدو أن بنكيران لم يعد قادرا إلا على الصمت في موضوع الإصلاح ، أو في أحسن الأحوال، إلا على التذرع بصعوبة الإصلاح ، أمام جبروت الفساد والمفسدين. وهو ما ترك لدى المواطنين شعورا بالخيبة المستفزة .‬

‫مشاريع إصلاح القضاء، وأنظمة التقاعد والمقاصة ونظام “الراميد” وصندوق دعم الأرامل، وتنزيل مقتضيات الدستور، مشاهد لم تكتمل… بالرغم مما حملت من آمال بالنسبة لملايين المغاربة الذين آمنوا يوما بأن “المستحيل من الممكن”، مع الاعتذار لروح الراحل عبد الجبار السحيمي.‬

نعود للميزانية التي اعتمدت على جيوب المغاربة أكثر من اعتمادها على “ذكاء ” وزرائها وملكة الابتكار والإبداع لديهم في تصور حلول لا تجهز على القوة الشرائية الهزيلة لفئات عريضة من المواطنين. والغريب أن وزير الاقتصاد والمالية، حين أعلن عن الزيادة في الضريبة المضافة على تذاكر النقل عبر السكك الحديدية، طلب من أعضاء لجنة المالية بالبرلمان اعتبار هذه الضريبة في صيغتها “المعدلة”، ضريبة “تضامنية”….تضاف إلى معاناة المواطنين مع الفقر والهشاشة ومع أعطاب التدبير الحكومي الذي أعرضت الحكومة عن تدبيره بوسائل مبتكرة، لما في ذلك من “وجع الرأس”، واختارت الطريق الأسهل المؤدي إلى جيوب المغاربة ‪!‬…
‫في “الخطبة العصماء” التي ألقاها رئيس الحكومة بطنجة، على خلفية “فضيحة” أمانديس، السيئة الذكر، واستعرض فيها “وصاياه السبع” للقضاء على “ثورة الشموع”، مر مرور الكرام ، في جملة عارضة، على أمر لم يلتفت إليه الكثيرون ، حيث ذكر بأن الحكومة قررت في وقت سابق “الزيادة في تسعيرة الماء والكهرباء”، “تلك الزيادة التي قبلها المواطنون مشكورين” كما قال.‬

‫وفي حديث آخر، قال إنه قرر الزيادة في “الما والضو” بعد اكتشاف “حفرة عميقة ” في خزينة المكتب الوطني للماء والكهرباء الذي يديره فاسي آخر من قبيلة الفاسيين الفهريين حيث اقتضى نظره‬ ‫ في 26 ماي 2014، ابرام اتفاقية شراكة بصيغة “العقد – البرنامج” بين الدولة، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح الشرب – أحيانا – . وبمقتضى هذا العقد، الذي يمتد على ثلاث سنوات (2014 – 2017)ـ تقدم الدولة للمكتب مساهمة مالية بقيمة 22 مليار درهم ، إضافة إلى دعم بمبلغ 3,5 مليار درهم لاسترجاع متأخرات أداء الوكالات والجماعات المحلية والإدارات العمومية، و 8 ملايير و 200 مليون درهم من أجل تحسين أداء المكتب وترشيد النفقات، إلى غير ذلك من وسائل الدعم بسبب العجز الذي سجله المكتب سنة 2013 والذي بلغ 2,7 مليار درهم، وارتفاع مديونته إلى 51,8 ملايير درهم، بالإضافة إلى ميزانية المكتب للوفاء بالتزاماته إزاء صندوق التقاعد الداخلي (17,95 مليار درهم) وديون الشركات الممونة للمكتب (2,3 مليار درهم لفائدة 1422 شركة وطنية و 181 شركة أجنبية.‬

‫ومقابل هذا الكرم الحاتمي لحكومة السيد بنكيران، تتم مراجعة “تدريجية” لأسعار البيع التي بدأت منذ بداية سنة 2014، على مدة العقد ـ البرنامج من أجل توفير 13 مليار و 950 مليون درهم في أفق 2017.‬
وما يسري على مكتب “الضو والما” يسري أيضا على مكتب القطارات وعلى ضرائب أخرى مست قطاعات اجتماعية حساسة بالنسبة لشرائح واسعة من المجتمع ،كالبناء الاجتماعي، والتي وجب علينا القبول بها من مبدإ “التضامن” الوطني‪!‬…

قضية أمانديس لا زال يكتنفها بعض الغموض. ففي الوقت الذي اعترف فيه رئيس الحكومة بوجود “اختلالات” في أداء هذه الشركة للقطاع المفوض لها تدبيره،وأنه وقع الشروع في معالجة وتصحيح تلك الاختلالات ، طلع علينا مدير العمليات في الشركة الفرنسية بتصريحات لجريدة إليكترونية محلية، مفادها أن ارتفاع قيمة فواتير خدمة أمانديس ناتج عن تنفيذ قرارات حكومية ، في إشارة إلى العقد ـ البرنامج المبرم مع مكتب “الما والضو” والذي يفرض الزيادة في الفوترة، انطلاقا من شتنبر 2014.

وأضاف أن ارتفاع الاستهلاك بطنجة خلال شهري غشت وشتنبر كان له أثر على ارتفاع الفواتير، ولكن مصالح الشركة عمدت إلى “إعادة احتساب” الفواتير موضوع شكايات المستهلكين، بهدف تخفيض التسعيرة وأن هذا التخفيض قد يتراوح ما بين 15 و 60 بالمائة، على أن الأمر يتعلق بـ “احتساب” وليس بــ “أخطاء” لأن الشركة لا يمكنها أن تزيد سنتيما واحدا خارج التسعيرة الحكومة الرسمية، كما قال.

تصريح المسؤول الفرنسي بشركة أمانديس، الفرنسية أصابنا بنوع من الذهول، خاصة عندما نفي بصورة قطعية، وجود أخطاء أو اختلالات في الفوترة ، بعد أن تطلب الأمر تدخل رئيس الحكومة ووزير الداخلية من أجل “تنبيه” الشركة إلى ضرورة إصلاح الخطأ، ومراجعة فواتير شهري غشت وشتنبر،التي قيل إن عدد المراجع منها فاق الثلاثين ألفا، إلى غاية يوم الأربعاء الماضي.

المهم أن الجميع أيقن أن “ثورة الشموع” قد أدت دورها وما كان منتظرا منها من نتائج، وأثارت الانتباه إلى التسيب الحاصل في أداء الشركة الفرنسية وفي تعاملها مع المواطنين. وتم وضع مخطط حكومي لتغيير هذا الوضع، التزمت به الحكومة كما التزمت به الشركة الفرنسية، وقد تبدأ مستقبلا معركة أخرى، قانونية هذه المرة، بهدف الوصول إلى فسخ عقد التدبير المفوض المبرم مع أمانديس في الظروف “الاستثنائية” التي نعلم…. وإلى أن يتم ذلك، يُـنصح التوقف عن كل أشكال الاحتجاجات في الشوارع والساحات العمومية، خاصة والبلد يعيش أعياد الصحراء الوطنية، وحتى يفوت المحتجون من أهل طنجة الفرصة على أصحاب “الهراوات” و “خراطيم المياه” ليظهروا “حنة أيديهم” في رؤوسنا وضلوعنا، باسم “الشرع والقانون”، وحتى لا نتهم من طرف من تعلمون ب “التحريض على “الفتنة”‪!!!‬…..