عبد الإله بنكيران وملف أمانديس: الخروج الخاطئ
جريدة طنجة – محمد العمراني (ملف أمانديس وبنكيران )
الثلاثاء 10 نوفمبر 2015 – 10:17:22
ما وقع يوم الأحد المنصرم بمدينة طنجة، حينما حلَّ عبد الإله بنكيران رُفقَة وزير الدّاخلية على عَجلِ بمدينة طنجة، تنفيذا لتعليمات ملكية سامية، بضرورة التدخل العاجل والفوري للتعاطي مع مشاكل المواطنين مع شركة أمانديس، يدعو الجميع للتّساؤُل حول مَدى قُدرة بنكيران على استحضار مصالح الوطن، والتّعـــالي عن كل ما يمكن أن يدفع بالأوضاع نحو الانفجار…
ففي الوقت الذي استبشرت فيه ساكنة المدينة بدخول بنكيران على خط ملف أمانديس، وفي الوقت الذي انتظر الجميع أن يحمل السيد رئيس الحكومة معه تدابير وإجراءات جديدة لامتصاص حدة الغضب العارم الذي يجتاح المدينة، تحولت زيارة بنكيران إلى عنصر لتوتير الأجواء و تأزيمها…
كيف ذلك؟…
بنكيران دعا إلى عدم تسييس ملف أمانديس، لأنه موضوع يهم جميع ساكنة طنجة، وأنه ملف يتعلق بقطاع حيوي لا يحتمل المزايدة، منتقدا بطريقة مبطنة قرار إلياس العماري بعدم أداء فواتير الماء والكهرباء الخاصة بمقر الجهة، لكن بنكيران هو نفسه من تحدث عن منح الفرصة للمجلس المنتخب الحالي من أجل البحث عن حل لمشكلة أمانديس، وفي تصريحه هذا تليمح لا يغفله صاحب عقل، إلى تحميل المسؤولية للمجلس السابق الذي فشل في إيجاد الحل، وأنه حزبه الذي اكتسح الانتخابات الجماعية بطنجة، يحتاج إلى المزيد من الوقت لمعالجة المشكل..
هل هناك تسييس لملف أمانديس أكثر من هذا؟…
فبنكيران كان عليه أن يختار حلا من إثنين: إما فتح ملف أمانديس ومحاسبة جميع الأطراف التي تتحمل المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع، وهذا هو الأسلم. وإما كان عليه أن يعالج الملف انطلاقا مما تعرفه المدينة اليوم من احتجاجات، وهنا كان عليه أن ينأى بنفسه عن استصدار قرار براءة حزبه من أي مسؤولية، وإلصاقها بالمجالس السابقة، والحال أنه يعرف جيدا من المسؤول عن عدم مراقبة أمانديس، ومن هو الماسك الحقيقي بملف التدبير المفوض…
بنكيران تصرف بطنجة وكأنه لا يعير حجم المعاناة والآلام التي تكابدها ساكنة طنجة مع أمانديس، منذ أن حلت هاته الشركة بالمدينة سنة 2002…
وعوض أن يظهر رئيس الحكومة في مظهر المسؤول المستوعب لمطالب ساكنة طنجة، أصر على الوفاء لخطبه المستفزة للمشاعر، وصلت حد خلط الحابل بالنابل…
هل يعقل من رئيس حكومة حل بمدينة على حافة الاشتعال، بسبب مطالب اجتماعية صرفة، أن يبخس مسببات الاحتجاج، وأن يختزل صرخة الساكنة في غلاء فواتير شهري يوليوز وغشت، وإظهار الآلاف من الغاضبين الذين خرجوا لإسماع صوتهم، في مظهر المغرر بهم، وأنهم سيذهبون ضحية جهات تحركها أهداف لا علاقة لها بملف أمانديس، واصفا استمرار الاحتجاجات ب “الفتنة” التي لن يتم السماح بها؟…
حتى وإن كانت هناك جهات تريد أن تركب فعلا على هاته الاحتجاجات، فلكونها تستغل مسببات الاحتجاج، وهنا عوض أن يسقط رئيس الحكومة في زلات لسانه المعتادة، كان عليه أن يبعث رسائل مطمئنة لساكنة طنجة…
ما الذي منع بنكيران من الإعلان على بداية صفحة جديدة مع أمانديس، وأن التعاطي مع هاته الشركة سيتغير جذريا، وأن القضية ليست قضية فواتير مرتفعة، بل قضية مراقبة، وكان عليه التعهد بتفعيلها…
وهنا لا بد من فتح قوس ضروري، بنكيران رئيس حكومة منذ 2011، جاء على ظهر احتجاجات الربيع العربي، ويعلم جيدا أن أمانديس كانت هي وقود المظاهرات بطنجة، مثلما يعلم أيضا أن وزارة الداخلية هي المسؤولة الفعلية عن مراقبة أمانديس…
ما الذي منع بنكيران إذن منذ 2011 من فتح ملف تدبير هاته الشركة الفرنسية لقطاع حيوي، وكانت دوما موضع احتجاجات عارمة من طرف الساكنة؟
وزيره في العدل، السي مصطفى الرميد، يتوفر على تقرير أسود للمجلس الأعلى للحسابات، شخص فيه اختلالات الشركة الفرنسية، لما ذا لم يحرك مسطرة البحث والتقصي؟…
ولو كان قد فعل لما حصل ما يحصل اليوم…
آخر زلات بنكيران وليس الأخيرة، هي ربطه الغير موفق بين إقناع السكان بعدم الخروج للاحتجاج، ووجود الوالي اليعقوبي على رأس الإدارة الترابية بطنجة…
بنكيران يعرف جيدا السمعة الطيبة التي يحضى بها الوالي لدى ساكنة طنجة، ويعرف أنه يحضى بثقة ملكية سامية منذ أن كان عاملا بالمضيق، وبالتالي ليس من شيم رجال الدولة أن يُظهِر بنكيران نفسه وكأنه صاحب الفضل في بقاء اليعقوبي بطنجة، نزولا عند رغبة وفد قدم لرئيس الحكومة التماسا بالإبقاء على اليعقوبي بطنجة…
وكأن لسان حاله يقول، أنتم طلبتم مني الإبقاء على اليعقوبي بطنجة، وأنا عملت على تنفيذ مطالبكم، فما عليكم إلا أن تضعوا ثقتكم فيه، وهو من سيتابع تنفيذ أمانديس للإجراءات المعلن عنها!…
بنكيران بصم على خروج غير موفق بالمرة، ولولا ثقة الساكنة في جلالة الملك، وقناعتهم الراسخة في أن تدخل جلالته في الملف هو أكبر ضامن لتنفيذ الالتزامات، وإيجاد الحلول للمشاكل التي أخرجت الناس للاحتجاج، لولا ذلك لكانت ساكنة طنجة قد وجهت رسالة صارمة لبنكيران لعله يستفيق من غروره الذي تكاد البلاد أن تؤدي ثمنه!…