طنجة : 91 عاما على اتّفاقية التّدويل
جريدة طنجة – ع.كنوني (اتّفاقية التّدويل )
الخميس 05 نوفمبر 2015 – 10:20:06
وكانت فرنسا وإسبانيا قد وقَعَتـــا «اتفـاقـا سرّيــًا» في 3 أكتوبر سنة 1904، لتحديد مناطق نفوذ كل منهما بالمغرب، مع منح «وضــع خاص» لمدينة طنجة، تحت سيادة السلطان. هذا الوضع الخاص كان موضوع «اتفاقية باريس» التي تم التوقيع عليها من طرف ممثلي بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي وهولندا وبلجيكا وانضمت إيطاليا، إلى الدول الموقعة، في ما بعد.
وبمقتضى هذه الاتفاقية أصبحــت طنجــة «منطقة دولية» غير خاضعة حــرة من الحقـــوق الجمركية، يدير شؤونها موظف دولي سام من درجة مدير، بالتداول بين الدول الموقعة وتتوفر على مجلس تشريعي من ثلاثين عضوا دوليا وتسعة أعضاء مغاربة، مسلمين ويهود.
النّظام الإداري الدّولي حَقّــقَ لطنجة إشْعـاعــًا عالميا واسعًا إن على المستوى الاقتصادي أو الثقافي أو العلمي كما وفر للمدينة تجهيزات مدنية متقدمة وربطها بمختلف الأسواق المالية العالمية حيث أن بورصة طنجة كانت من أنشط المؤسسات المماثلة في العــالـــم.
كما أن المدينة صارت عاصمة للمُخـــابرات الدَّولية، خـــاصة والحرب العالمية الثانية كانت على الأبواب.
وبسرعة ارتفع عدد سكان المدينة إلى ما فوق مائة وخمسين ألف نسمة، من جنسيات مختلفة، وفدت على المدينة من القارات الخمس، تلوّنَت الأسواق والمحال العمومية بـــألوانها ، وتحدث الشارع بلُغـاتهــا وتداوَل الناس عملاتها المختلفة دونَما حاجة إلى إذن أو ترخيص، وتعَدّدت المَدارس والمعاهد والأندية الدولية، تستقطب رُوادًا من مختلف الجنسيات والأديان، كما تعددت المَنـــابر الإعلامية من جرائد ومجلات وإذاعات، في جو من الحرية التامة. وهو ما شَجّعَ زُعَمـــاء الحركة الوطنية على الاستقرار بطنجة، حيث يتمتعون بنسبة واسعة من حرية التحرك والنشاط، بعيدا عن «تحرش» أعوان الاستعمار الفرنسي والإسباني، وحيث يُسهّل عليهم الاتّصـــال بالمُنظّمـــات الدولية والصحف العالمية الكبرى بفضل وجود وسائل الاتصال التلغرافي بالبريد الإنجليزي(1857) والفرنسي (1865) والإسباني (1883) الذي كان يربط طنجة بكُبرَيـــات عواصم العالم.
ولعلّ طنجة كــانت مُهَيّــأة للقيــام بدور التدويل حيث أن السلطان محمد بن عبد الله (1757 – 1790) جعل من هذه المدينة عاصمة دبلوماسية للمملكة، تستقر بها مختلف البعثات الدبلوماسية لدي جلالة سلطان المغرب. حيث أنشأ السفراء والقناصل لجنة مدنية ترعى بعض المرافق العامة من ماء وكهرباء ومواصلات ونقل وصحة وتعليم عبر شبكة المستشفيات الأجنبية المقامة بطنجة، والبعثات الثقافية لدول اتفاقية باريس 1924.
وقد عثرت في مكتبة الكونغريس الأمريكي سنة 1983،خلال زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، على العديد من الوثائق والمراسلات المتداولة بين اللجنة الدبلوماسية ومندوب السلطان بطنجة حول مواضيع تهم التدبير اليومي للحياة العامة بالمدينة.
ولم يُعَكّــر صَفْــوَ الحيـاة المزدهرة بطنجة سوى الاجتياح العسكري للمدينة من طرف الجيش الإسباني في 14 يونيه 1940 حيث سهلت إسبانيا فتح قنصلية ألمانية ببناية المندوبية وسط السوق الكبير حيث كانت ترفرف راية النازية aziz ذات الصليب المعقوف. إلا أن الولايات المتحدة نجحت في إقناع إسبانيا بإبعاد الألمان عن منطقة طنجة، وكان ذلك في 2 ماي 1944.
سنة بعد ذلك، اضْطَرّ الإسبان للخـــروج من طنجة ( 9 أكتوبر 1945) و يومان من هذا التـّاريخ، عاد مندوب الجلالة الشريفة إلى طنجة واستؤنف العمل باتفاقية باريس التي تم إلغاؤها نهائيا في 29 أكتوبر 1956،التي صادفت، الخميس الماضي، ذكراها الواحدة والثلاثين، بعد الإعلان عن استقلال المغرب ووحدة ترابه الذي كان خاضعا للحماية الفرنسية والإسبانية ولنظام الإدارة الدولية.
وحتى يتم إدماج اقتصاد طنجة في الاقتصاد الوطني بالتّدريج، منح الراحل محمد الخامس «عهدا ملكيا» يبقي على حُرية التّجارة والصَرف. ولكن وزير الاقتصاد الوطني في حكومة المرحوم البكاي، ألغى هذا العهد، لتغرق طنجة في بحر من الركود إلى أن تداركتها ألطاف جلالة الملك محمد السادس أيّده الله.