تعنيف الأساتذة و التربويين ، عندما يسود الصمت و تلتهب الفاجعة
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( تعنيف الأساتذة )
الأربعاء 25 نونبر 2015 – 18:19:26
يقول الشاعر أحمد شوقي :
«قُم للمعلم وفِّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا» .
شبه مجموعة من الأساتذة إلتقهم موقع «جريدة طنجة» الوضع داخل بعض المؤسسات العمومية ب«الإصلاحية»، بسبب السلوكات «المنحرفة» التي يقوم بها بعض التلاميذ. تحدث لنا أستاذ بثانوية شهيرة بطنجة ، تحدث بشكل عام عن الاعتداءات التي تطالهم كأساتذة، والتي يغلب فيها الاعتداء اللفظي، معتبرا أن الوضع التعليمي أصبح يقلقهم، خصوصا أن البعض منهم يعتبر نفسه أستاذا في «إصلاحية» وليس في مؤسسة تعليمية، فمنهم من سرق منه هاتفه المحمول في القسم، ومنهم من سرقت نقوده.
وعزا برحال ذلك إلى مشاكل عدة من ضمنها الاكتظاظ في القسم، وكون الأستاذ غير محمي قانونيا، فالقانون المغربي دائما يكون في صف التلميذ القاصر، الذي في حالة ارتكابه للجرم تكون الأحكام مخففة، الأمر الذي جعلهم باعتبارهم أساتذة يتخوفون من التلميذ الذي يشوب سلوكه «انحراف». لم يعد الأستاذ يحظى بالاحترام كما في السابق، بل أضحى مثارا للاستهزاء من طرف بعض التلاميذ، فأبسط انتقام من الأستاذ هو القيام بتصويره في أي وضع كان وتلفيق تهمة له ونشرها في اليوتوب أو الفايس بوك، كما حدث مع أحد الأساتذة بالبيضاء، الذي كان يحتسي الشاي في قسمه فوجد صوره في الفايس بوك على أنه يحتسي الخمر. و تحدث لنا مدير مؤسسة تعليمية عن حالة اثنين من الإخوة يشكلان «حالات شاذة» داخل المؤسسة، يقول إنه نهج معهما مختلف الطرق التربوية والإدارية لضبطهما لكنهما مازالا يتماديان في سلوكاتهما تجاه الأساتذة أحدهما يهدد أستاذته قائلا «تخرجي غندبحك» .
.
من جهته صنف أستاذ مادة العلوم الطبيعية بالثانوية الإعدادية ، التلاميذ إلى ثلاث فئات، فئة شغوفة محبة لها هدف، مدعومة من طرف أسرتها، وفئة أخرى غير محبة، تتموقع في الوسط تدرس بلا هدف ولا تجد من يقدم لها يد المساعدة، وفئة ثالثة خطيرة تدعى الفئة النفور، التي تستدعي حصرها، بحيث يضيف أن التلميذ عندما ينفر الدراسة ويكرهها يبحث عن البدائل التي تكون هي المخدرات أو ممارسة أشكال من العنف تجاه زملائه وتجاه الأستاذ، لهذا أكد على ضرورة حصرها من طرف الوزارة وإبداع وسائل جديدة في التعامل معها.
وفي ظل غياب مساعدين اجتماعيين أو نفسيين داخل الاعداديات والثانويات، فإن الأستاذ يلعب جميع الأدوار، فهو الموجه والمربي والمعلم مما جعل العديد من الأساتذة يواجهون ضغوطا «لا تطاق».

أجمع معظم الأساتذة الذين استقت «جريدة طنجة» رأيهم على أن للعنف الذي يمارسه التلميذ تجاه الأستاذ دواعي وأسبابا كالتفكك الأسري وارتفاع حالات الطلاق وانسحاب الأسرة من مسؤولياتها التربوية، بالإضافة إلى الاكتظاظ داخل الأقسام، وافتقار المدرسة للمرافق الثقافية والرياضية…
كلها عوامل تعمق حدة العنف على حد تعبيرهم وتكون لها آثار على نفسية التلميذ وتصرفاته, التي قد تتسم بالعدوانية فيلجأ إلى شتى الطرق لتفريغها.
يقول مجموعة من ، «إن بعض التلاميذ المراهقين يدخنون في المراحيض ويتعاطون المخدرات ك «المعجون» و«القرقوبي» حتى أنك عند الحديث معهم تجد عيونهم حمراء اللون، الشر يتطاير منها».
من الحالات التي حكاها بعض التلاميذ والتي وقعت بإحدى المدارس العمومية أن أحد الأساتذة “الملحدين” حسب تعبير أحدهم ، قال لهم في السنة الماضية عبارات من قبيل (لا وجود لله – ضغط على زر المصباح وقال لهم : نادوا على الله ليطفئه …) وهي عبارات استفزت التلاميذ فصرخوا في وجهه وضربوه بالدفاتر وغير ذلك وكذا حالة أستاذة سبت أحد التلاميذ بقولها (الحمار) مما جعل التلميذ يثور في وجهها وكاد يضربها.
هناك أيضا من ربط ذلك بغياب الأمن، خاصة أن من المعتدين من يتورط في جرائم لها علاقة بتعاطي المخدرات والسرقة ومعظمهم قاصرون.
ومن الأسباب التي تساعد على ارتفاع نسب الاعتداء على الأساتذة يقول أستاذ السلك الثانوي، ع.ج ، اكتفاء المدرسين بعرض التلاميذ على المجالس التأديبية الداخلية للمؤسسة دون ولوج ردهات المحاكم، وكذا تنازلهم في كثير من القضايا عن حقهم في المتابعة القضائية، بعد وساطات أسرية أو تعليمية استحضارا منهم لدورهم التربوي، ومراعاة للمرحلة العمرية التي يمر منها التلاميذ. زيادة على عدم رغبة بعضهم في ولوج المحاكم خوفا من الإدانة، مثل ما حدث لأحد الأساتذة، عندما منع أحد المتمدرسين من الغش في امتحان الباكلوريا، فما كان من التلميذ إلا أن قام بالاعتداء على الأستاذ، واستصدر من أحد الأطباء شهادة طبية، ولما رفع الأستاذ دعوى قضائية ضد التلميذ، أدينا معا بتبادل الضرب والجرح، مما جعل كثير من الأساتذة ينأون بأنفسهم عن متابعة التلاميذ قضائيا.
وحسب ع.ج فإنه يمكن إرجاع ظاهرة العنف المدرسي إلى سياقها المجتمعي العام، حيث نجد انخفاض منسوب القيم عند الأطفال والمراهقين، من خلال حديثهم الفظ والعنيف مع ذويهم، خصوصا منهم الوالدين، بل نجد الاعتداء الجسدي على الأقارب بما في ذلك الآباء، ومن اعتدى على والديه وذويه لا يجد أدنى حرج في الاعتداء على الأساتذة والمدرسين.
وأضاف أن انتشار ظاهرة العنف ضد الأساتذة جعل البعض منهم يرفع شعار «النقطة مقابل السلامة البدنية»، حيث أصبح بعض التلاميذ يستفيدون من ريع خاص، وهو النقطة التي لن يحظى بها ذلك التلميذ غير المشاغب، بل إن أحد الأساتذة صرح أنه يخبر التلاميذ منذ بداية الموسم الدراسي أن آخر نقطة هي 10، وما على التلاميذ إلا الالتزام بالهدوء ليحصلوا على هذا الامتياز، وهذا يزيد الطين بلة، فبدل أن يقوم الأستاذ بدوره في التربية وترسيخ القيم لدى الناشئة، فإنه يرسخ لديهم قيما سلبية مثل الرشوة .
واقترح ع.ج لمعالجة الظاهرة تيسير عملية دمج التلميذ في العملية التعليمية من خلال محاربة الاكتظاظ، والتركيز على القيم، تدريسا وتطبيقا، والقرب أكثر من التلاميذ، بخلق مراكز وخلايا استماع داخل المؤسسات، فضلا عن تنقية محيط المؤسسات التعليمية من براثن الفساد التي تنتعش فيها (بيع المخدرات) وإحداث شراكة حقيقية بين وزارات التربية الوطنية ووزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة، وتنزيل هذه الشراكة على أرض الواقع، لتحويل طاقات التلاميذ إلى إبداع فعال، في المجال الرياضي أو الموسيقي …

عبرت مجموعة من الفعاليات النقابية عن نبذها للعنف بصفة عامة، واصفة العنف الموجه ضد الأساتذة بالظاهرة الخطيرة التي تقتضي إعادة النظر في المنظومة التعليمية، فسلسلة الاعتداءات التي تعرض لها عدد من الأساتذة على الصعيد الوطني جعلت النقابات التعليمية تدق ناقوس الخطر وتتداول في اجتماعاتها الموضوع مطالبة وزارة التربية الوطنية بمناظرة وطنية حوله.
عبد الحق صيفار،عضو بالجامعة الوطنية للتعليم، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، اعتبر في اتصال هاتفي أن هناك خللا في المنظومة التعليمية بحيث جل المدارس العمومية تفتقد للأنشطة الرياضية والثقافية والفنية التي تساعد التلميذ على تجاوز مشاكله الاجتماعية، زيادة على مطالبته بتفعيل الدور الاجتماعي للملحقين التربويين.
من جهته أوضح الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم، التابعة للفدرالية الديمقراطية للشغل، عبد العزيز إيوي، أن مستوى العنف الممارس ضد الأساتذة في ارتفاع مستمر وأن وزارة التربية الوطنية في عهد الحبيب المالكي أعدت دراسة في الموضوع، لكن لم يتم الإعلان عنها.
وطالب الكاتب العام الفاعلين الحكوميين بالتدخل للحد من هذه الظاهرة معتبرا أن المقاربة الأمنية للموضوع لا تنفع لأن للأمر علاقة بما هو سيكولوجي، متأسفا كون معظم الأساتذة يتلقون تكوينا بيداغوجيا فقط في حين يتم تغييب الجانب النفسي والاجتماعي وهذا ما يزيد من حدة العنف داخل المؤسسات التعليمية.

بعد حادث أستاذ سلا الشهير ، ناقشت إحدى الأستاذات بالقنيطرة مع تلاميذ الباكلوريا درسا خاصا بالظواهر الاجتماعية، وطلبت منهم تحديد ظاهرة معينة كنموذج قصد دراستها، فاقترحوا مشكل الاعتداء على الأساتذة، وانجر النقاش إلى قضية حمل التلاميذ للسلاح الأبيض، وانقسم التلاميذ إلى فريقين، فريق يستنكر المسألة ويرفضها، وفريق يدافع عنها بدعوى أن التلميذ يمر من أماكن معينة قد يتعرض فيها لاعتداء، لذا يجب أن يكون مستعدا للدفاع عن نفسه، فطرحت عليهم الأستاذة السؤال الآتي : من منكم يحمل سلاحا أبيض الآن ؟ ففوجئت بالنتيجة، حيث أظهر لها جميع التلاميذ الذكور – إلا اثنين – سلاحهم الأبيض داخل الفصل الدراسي.
منذ ذلك الوقت والأستاذة تنتابها هواجس وتخوفات، فكما يتعرض الرجل الأستاذ للتعنيف لا تسلم المرأة منه أيضا، غير أن العنف الذي يطالها في القرى هو أكثر وأكبر تقول إحداهن، عينت حديثا في جماعة نائية، بعد أن درست سنوات في مدينة الرباط» تخيفني الحوادث التي أسمعها والتي تعرضت لها أستاذات في مناطق قروية كالاغتصاب»، مضيفة « عندما تأتي المرأة إلى هذه المناطق بلباس معين يختلف عن ثقافة المنطقة وعاداتها وطقوسها فهي تجر عليها كوارث قد لا تسلم منها».
في مدينة شفشاون تعرضت إحدى الأستاذات بفرعية أزطوط التابعة لمجموعة مدارس الحاج العسلاني، جماعة باب تازة، للاغتصاب حيث رماها المعتدون من سيارتهم أمام باب المؤسسة، ولاذوا بالفرار، مخلفين وراءهم ضحية أنهكها العنف الجسدي (اغتصاب وضرب) لتصاب جراءه برضوض وجروح خطيرة.
الاعتداءات التي تطال الأساتذة تنقسم إلى أنواع، فالغالب فيها السب والشتم ثم الضرب فالاعتداء الجسدي،
هذا الأخير كان من أبرز حالاته التي خلقت ضجة داخل الوسط التعليمي حادثة الاعتداء الذي طال أستاذ مادة الفرنسية بمدينة سلا، الذي تلقى طعنة بواسطة سلاح أبيض، وجهها له تلميذ يدرسه في القفا نجا منها بأعجوبة قبل أن يلوذ بالفرار .
حالة أخرى شبيهة لها وقعت في إحدى المناطق النائية ولم تلق تغطية إعلامية، تتعلق بأستاذ مادة الاجتماعيات في ثانوية موسى بن نصير في جماعة بومية بميدلت، الذي أصيب في ركبته بطعنة سكين «غادرة» من تلميذ كان يتابع دراسته بنفس القسم, بعد أن أدار الأستاذ وجهه للسبورة، قام التلميذ بعمله الإجرامي. أيضا حالة وقعت في ضواحي مدينة سيدي سليمان منذ ست سنوات عندما كانت المعتدية تلميذة في الإعدادي ضربت أستاذها في مادة الإنجليزية بسكين، نقل على إثر ذلك إلى مستشفى الإدريسي بالقنيطرة.
ان أبناءنا لم يولدوا و في جيوبهم سكاكين ، لم يولدوا و في قلوبهم كل هذا الحقد على البشر ، لم يولدوا ملقّنين كل أنواع الشتائم و الألفاظ الخارجة
……
أبناؤنا هم نتيجة تربيتنا العقيمة و تسييرنا الخاطئ لهم ،،،،،، أنا أحمل بالدرجة الأولى المسؤولية للأسرة ، نعم للأسرة و لا أحد غيرها ،،، ثم تأتي بعدها باقي الجهات عندما يتمرّد أبناؤنا و لا نجد من يعيننا عليهم ،،،،، لكن هذه من المفترض أن تكون حالات استثنائية، و ليس الأغلبية ،،،،
عودوا الى بيوتكم و ربّوا أبناءكم على الاحترام و على القيم و المبادئ
امنحوهم الثقة و الحب و سيعيشون سويّين مستقيمين
ربوا أولادكم على احترام الكبير بغض النظر عن ملّته وعِرْقه و مهنته و شخصه ، ربّوهم أو اعتزلوا مقام الأسرة.