إهمال طبّي يودي بحياة شابة من حي الحافة بطنجة
جريدة طنجة – محمد إمغـران (إهمال طبّي )
الثلاثاء 17 نوفمبر 2015 – 15:29:58
رحـلــــة العــــذاب
تقول شقيقتها “نجاة” في تصريحها لموقع جريدة طنجة “إن الأطباء بطنجة عجزوا عن تشخيص مرضها، فكانت المرحومة حقلا لتجاربهم، سواء على مستوى الأدوية أو التحاليل التي أجريت لها، باستثناء طبيب واحد، شخص حالتها، وطبيب آخر أرشدها إلى طبيبة بمستشفى مولاي عبد الله بالرباط، بعد أن دوّن تقريراً حملناه إلى هذه الأخيرة، لتبدأ هنالك فصول المعاناة، حيث قيل لنا أن الضحية ستخضع لعملية جراحية، لكن بعد إنجازها لصور بالأشعة وإجرائها للتحاليل، قيل لنا أن الضحية تحتاج ـ فقط ـ إلى حصّة من العلاج الكيماوي، ورغم أن الدواء موجود عندهم (ويُمنح بالطرق المعلومة) اعتمدنا نحن في شرائه على المحسنين!” وأضافت شقيقة الضحية أنها زارت المستشفى رفقة المرحومة، تقريباً، 10 مرات، وفي كل مرة يقال لها أن الطّبيب الفلاني غير موجود أو أن الطبيبة الفلانة مشغولة. وأحيانا أخرى، كانتا تصادفان طبيباً تريانه لأول مرّة، لا علم له بالحالة أو الملف الطبي للضحية، فضلاً عن معاملة جافة لأطباء أجانب وأفارقة جنوب الصّحراء، يصعب التواصل معهم، بالإضافة إلى عدم الحصول على الإيواء، سواء بمستشفى مولاي عبد الله أو بمركز للاسلمى، بالنسبة للضحية التي استضافتها أسرة قريبة لها بالرباط، لمدة ثلاثة أيام. وخلال أسفار أخرى، كانت تقضي المبيت بالنّزل المتواضعة بالعاصمة، مع ما يتطلبه الأمر من مصاريف ثقيلة، لا تكفي بين واجبات المبيت والنقل وشراء بعض الأغراض.
وحسب الشقيقة، دائماً، فإنّ أشدَّ المواقف تأثيرًا على الضحية التي كانت ـ دوماً ـ تنُاــــجي الأمل في العلاج، هو عندما سافرت إلى الربـــاط للاستفادة من الحصّة الثانية من العلاج الكيماوي، فخاطبتها، مباشرة، طبيبة بمستشفى مولاي عبد الله: «أنت لا أمل لك في العلاج!» ثم انشغلت الطبيبة بأمرٍ ما، وهي تبتسممُ، غير مبالية بنوبة بكاء، انتابت الضحية، فجعلتها تنهارُ كلياً، لتعود إلى طنجة، بنفسية مهزوزة.
وبعد أيام، وبالضبط، قبل عيد الأضحى الماضي، تكبّدت الضحية مَشقة السّفر نحْوَ الربـــاط، بعد أن أجرت تحاليل، كانت نتائجها إيجابية، على أساس أن تستفيد من الحصّة الثانية من العلاج الكيماوي، إلا أنّ نفس الطبيبة حرمتها من ذلك، وقالت لها: «يا إمّا عندك بطاقة الراميد، يا إما اشري الدوا» مع أن الضحية أدلت بوصل خاص ببطاقة الراميد، وهي تئن من شدّة الألم الذي كان يعتصرأمعاءها، و كان الموقف يتطلّب تدخلاً إنسانياً، أصبح في الوقت الراهن شحيحا إلى أبعد الحدود! بعد ذلك، لملمت الضّحية جراحها وعادت إلى طنجة محبطة، مكسورة الخاطر، مقتنعة بأن المريض الذي ليس له مال في هذه البلاد، يكون مصيره التّهميش الطبي، بل والخطأ الطبي، وكل مصائب الدنيا، وما عليها، إلاأن تعود من حيث أتت، لتنتظر أجلها المحتوم الذي لم يمهلها طويلا، حيث فارقت الحياة على متن سيارة الإسعاف، وذلك أثناء عودتها من الرباط، لتصل جثة هامدة إلى مستشفى محمد الخامس بطنجة، صبيحة السّبت الماضي.
.
وقبل رحلة الموت هاته، ومن شدّة المرحومة، كانت أسرتها نقلتها إلى مصحّة حديثة بطنجة، فاستغرب طبيب يعمل بهذه الأخيرة، لعدم إجراء العملية الجراحية لفائدة الضحية، أول مرّة، بمستشفى مولاي عبد الله من أجل استئصال المرض، قبل مواصلة علاجها الكيماوي. كما وقف الطّبيب ذاته على معطيات ومعلومات، بيّنت له أن تشخيص حالة الضحية لم يتم بشكل دقيق، الأمر الذي تسبّب لها في معاناة جمّة، عضويّة ونفسية، وذلك حسب تصريحه لشقيقة الضحية.
وهكذا أسدل السّتار على ملف الضحية “حسناء”، معلناً موت بعض الضمائر المهنية والإدارية والمجتمعية.
وما قصّة الضّحية هاته سوى تلخيص لقصصٍ لمئات من المواطنين المرضى الذين تلفظهم المستشفيات، فيتركون عرضة للإهمال، سواء كانت أمراضهم عادية، أم خطيرة، ولا سِيَما إذا كانوا ينتمون إلى الطبقة المسحوقة، اجتماعيًا واقتصاديًا، في وقت فقدت فيه رسالة الطِّب النّبيلة مدلولها ومغزاها الإنساني العميق، لدى العديد من ممتهنيها، إلا من رحم ربّي.