“أمانديس” أو “التبذير” المفوّض .. الدولة أفسدت اللعبة !
جريدة طنجة – عزيز گنوني (.العمود الرئيسي.)
الأربعاء 28 أكتوبر 2015 – 10:55:00
ادريس البصري الذي كان يعتبر آنذاك الرجل القوي بالمغرب، كان يشك في مقدرة الجماعات على تدبير مصالح جمع النفايات والتطهير السائل وتوزيع الماء والكهرباء، والنقل الحضري. ولربما كان على صواب ، نسبيا، فيما كان يزعم، ولكن مدينة طنجة، كانت تشكل استثناء بهذا الخصوص، فقد تشكلت فيها وكالتان جماعيتان، الأولى للنقل الحضري والثانية لتوزيع الماء والكهرباء، الأولى بإدارة الراحل الأستاذ محمد المهدي الزايدي والثانية بإدارة المهندس الماحي العراقي اللذين تسلما مصالح الوكالتين من الشركات الأجنبية التي كانت وصية على القطاع ، أيام الإدارة الدولية.
وقد شهدت المدينة تطورا مهما في نشاط الوكالتين، بالرغم من صعوبات الانطلاق، ليتولاهما فيما بعد كل من السيد عبد المومن أكومي بالنسبة للنقل الحضري والمهندس محمد الفتوح، فيما يخص الماء والكهرباء. ولم يكن يوجد ما يدعو لـ”خوصصة” الوكالتين الجماعتين والرمي بمصالح حيوية للمواطنين بين أحضان شركات أجنبية همها الوحيد تحقيق أرباح طائلة على حساب أرزاق المواطنين وجودة الحياة في المدينة.
وكان واضحا أن المجالس البلدية المتعاقبة كانت عاجزة عن ضبط سير شركات التفويض، بما يتفق ودفاترالتحملات، ما دام العمل، ظاهريا، يسير، ولا يوجد “ما يقلق البال” !….كما أن السلطات الإدارية كانت متواطئة بشكل واضح! …
تفاحش الوضع في علاقات المواطنين مع أمانديس ضاعف من مظاهر الاستياء والتذمر داخل المدينة والجماعات المجاورة، ودفع الناس إلى النزول إلى الشارع، مطالبين برحيل هذه الشركة الأجنبية، وعودة “الشرعية” إلى الوكالتين. إذ من العار ان لا يتوفر المغرب، بعد خمسين سنة من الاستقلال، على أطر قادرة على تدبير النفايات وتوزيع الماء والكهرباء واستخلاص الفاتورات…..
وأمام يأس المواطنين من تحرك السلطات الجماعية والإدارية، خاصة بعد الارتفاع المهول في فاتورات أمانديس عن شهر غشت الماضي، بدأت المسيرات، خاصة في الأحياء الشعبية ، حيث رفع المتضررون شعار “إرحل” في وجه أمانديس، لتبدأ المواجهات والاستعدادات لــ “الطوارئ” و ليقرر المواطنون استعمال “شرع اليد”…..
وكانت الخطوة الأولى الدعوة إلى إطفاء الأنوار لمدة ساعة واحدة احتجاجا على الفاتورات الملتهبة، بدعم من مواقع التواصل الاجتماعي التي تجندت لنجاح الفكرة، والحال أن طنجة بسكانها ومحلاتها التجارية والخدماتية استجابت “لنداء الظلام” بشكل أثار الإشادة والإعجاب…. وتلا عودة الربط بشبكة الإنارة، بعد ساعة الظلام، مسيرات حاشدة عبر مختلف مقاطعات المدينة منددة بسلبية الشركة في تعاملها مع المتضررين من فواتيرها الملتهبة.
العمدة الجديد سارع إلى ربط الاتصال مع الشركة الفرنسية وأصدر بيانا يعلن فيه عن تشكيل لجنة مشتركة من أجل معاينة صلاحية العدادات من عدمها والتأكد من سلامة الفاتورات المقدمة للاستخلاص عن شهور يوليوز وغشت وشتنبر. إضافة إلى تدابير جانبية أخرى رفضها السكان لأن فيها نوعا من المحاباة اتجاه الشركة و “تفهما” للمبررات التي طلعت بها، وهي أن السكان يستهلكون الماء والكهرباء، ، بدون حساب، خلال فصل الصيف. بل إن المواطنين الغاضبين طالبوا المسؤولين بمحاسبة أمانديس والدفع بهذا الشركة الأجنبية خارج المدينة بعد إنهاء التعاقد معها!!! ….
وهو ما رد عليه نائب العمدة، أمحجور، بأنه أمر “معقد” و “مركب” ولا يمكن للمجلس أن يتصرف فيه بشكل غير مسؤول…. ونفس الشيء جاء على لسان رئيس الجهة إلياس العماري الذي وإن أبدى “اندفاعا” قويا ضد أمانديس، فإنه تحدث أيضا عن الوضع “المعقد” لعلاقة الترابط بين هذه الشركة والجماعات المحلية. كما طالب العماري السكان بالانتظام في جمعيات من أجل إيصال صوتهم للجهات المسؤولة.
وبينما وقع الحديث عن تقديم تسهيلات للمتضررين لأداء قيمة الفواتير المرتفعة ووقف الغاء الاشتراك وسحب العدادات بالنسبة للمترددين أو المتأخرين في الدفع، ترددت أخبار مفادها أن الشركة باشرت فعلا سحب العدادات بالنسبة للذين تأخروا عن آجال الدفع وهو ما أجج من جديد غضب المواطنين ودفعهم إلى المزيد من التصعيد والتفكير في الدعوة إلى أشكال جديدة “ومتحضرة” من الاحتجاج قد تصل إلى “العصيان المدني” وهو التوقف عن تسديد الفواتير والدعوة إلى “أيام ظلام” في طنجة، الأمر الذي قد تكون له عواقب وخيمة على أمن وسلامة المدينة والمواطنين.
لا أحد شرح للمواطنين طبيعة “التعقيد” الذي يصف به بعض المنتخبين ملف تعاقد الدولة مع شركات التدبير، أو بالأحرى “التبذير ” المفوض، حيث أننا إذا حاولنا الإطلاع على رواتب مديري هذا التفويض ، ورواتب رؤساء الأقسام، الفرنسي وقارناها بأجور الموظفين المغاربة، فسوف نصاب بالدوار ، أو بالغثيان….
لقد مر المواطنون إلى مرحلة استعمال “شرع اليد” وهو أمر مخيف، لا شك. وعلى الحكومة أن تتصرف، وعلى المنتخبين جماعيين أو برلمانيين، أن يفوا بوعودهم، وأن يكونوا في سلام مع ضمائرهم…… فالتاريخ لا يرحم ! ! …
على من يَضْحك هَـؤُلاء؟
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com