غضب و إستياء من الخِدمة الصّحية في المناطق النـائية
جريدة طنجة – عزيز گنوني (.العمود الرئيسي.)
الخميس 01 أكتوبـر 2015 – 11:07:32
النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام رفضت المشروع كليا، واعتبرته ضربا من ضروب «تضليل الرأي العــام»، واعتداء على حقوق الأطباء المغاربة ونوعا من تبرير فشل الصحة العمومية عبر ترك الانطباع لدى المواطنين أن الأطباء المغاربة يرفضون العمل في المناطق النائية، والحال أن العديد من الأطباء يبدؤون حياتهم المهنية في تلك المناطق على ما فيها وما بها !…..
وإصرارًا منهُم على رفض مشروع الـوزير الوردي الذي قال عنه صاحبه تحت قبة البرلمان إنه دخل طور «اللمسات الأخيرة» ، لجأ طلبة الطب إلى الشارع، خاصة في الرباط والدار البيضاء، بلباسهم المهني الأبيض، لبيع المناديل الورقية والصحف وقنينات الماء، إلى جانب تقديم خدمة غسل السيارات، للفت الانتباه إلى ظروف التكوين والاشتغال التي يعتبرونها «مزرية»، والمنح الهزيلة ولدعم مطالبهم بإعادة الاعتبار المادي والمعنوي للدكتوراه والإفراج عن مستحقات الأطباء في ما يخص التعويض عن الحراسة الإلزامية وعدم المساس بحُرية التّخَصُص، وغيرها….
وتتوالى احتِجـاجــات «ثورة السماعة الطبية» ضد مشروع الوردي الذي يعتبره الطلبة والأطباء «إهانة» للطبيب المغربي وتشجيعا لهجرة الأدمغة، خاصة وأنه توجد بالمغرب وكالات دولية وأوروبية بوجه خاص، تعمل على استقطاب طلبة الطب والأطباء والممرضين الممارسين، للعمل ببلدانهم في ظروف مغرية.
فما هي الظّروف التي تُوفرُهـا الـــدَّوْلة المغربية للأطبــاء في «المناطق النـائية »؟ ….
شبكة طرق للربط بين المناطق النائية شبه منعدمة، الولوج إلى الماء الشروب منعدم، الخدمات الاجتماعية في حكم الغيب، مراكز صحية مهترئة وما تجدد منها، على قلتها، معطل بسبب غياب الموارد البشرية والتجهيزات الأساسية ووسائل العلاج، شبكة الإنارة منعدمة، السكن الوظيفي منعدم أو غير لائق، التّعـويضـات والتحفيزات غير ملائمة، وقِسْ على ذلك من ظروف الحياة والعمل التي لا تشجع على القبول بالعمل في المناطق النائية.
الـــوزير الوردي الذي اعترف، دائمًا تحت قبة البرلمان، بأن المؤسسات الصّحية تُعـانــي من اختلالات كبيرة سواء بالحواضر أو البوادي، أعلن، كحل، اقتناء مستشفيين متنقلين ومروحية للإسعاف ، لتغطية بلد تقارب مساحته 711 ألف كيلوميتر مربع، ثلثاها سلاسل جبال صعبة الولوج ، إلا في بعض المناطق «النافعة» !….
ولا تزال حـاضرة في أذهان النـَّاس، تلك الصُــورة المثيرة للسخرية والإشفاق، والتي تمثل مدير إحدى مدارس «الثلث الخالي» وهو يركب بغلة، «تضرب به» عشرات الكيلومترات، كل يوم ،من حيث ينتهي الزفت الطرقي إلى حيث يبدا «زفت» العمل المدرسي !!!…..وما يسري على المدير يسري على المعلمين والمعلمات اللائي لا يجدن من يحميهن من تحرش «النافذين» بالمناطق النائية، الذين لا زال بعضهم يعيش عهود بوحمارة والكلاوي…..
ولا زالت عالقة بالإذهــان، صور الحوامل اللائي يتم وضعهن في محامل الموتى أملا في الوصول بهن إلى مركز صحي أو مستوصف، لوضع حملهن في ظروف إنسانية، وكثير منهن من لم يتحملن عناء «السفر» داخل محمل، خاصة حين «تحمل» الأودية وتقطع الطرقات، لأيام، فيسلمن الروح لباريها وينتقلن إلى ما عنده، وما عنده خير وأبقى !
لقد مرّ على الاستقلال ستون عاما بالتمام والكمال، وتداول على حكم البلد ثلاث وثلاثون حكومة، من كل التيــارات والإيديولوجيات والألوان، ومنها من تتبجح قياداتها بالانتماء إلى البادية….طمعا في أصوات البادية، ليس إلا…. ولكن البادية أو ما يسميها الوردي «المناطق النائية» يعني البعيدة عن مركز وزارته الفاشلة….ظلت على حالها إن لم تكن قد ازدادت سوءا وتدهورا بسبب تركيز مشاريع التنمية بالأساس على الحواضر. أو لم يكن بوسع الوزير الوردي أن يتدبر الأمر قبل الإعلان عن مشروعه بالخدمة الصحية الإلزامية، ويتدارس الوضع في المناطق النائية وظروف حياة شبابنا من الجنسين، وعملهم في ما تسمى، تجاوزا، مراكز صحية أو مستوصفات ! ….
مبدئيًا، طلبة الطب والأطباء العموميين ليسوا ضد العمل في البادية، إنهم ضد «التكرفيس» الذي يرسلون إليه في حين ينعم زملاؤهم في الحواضر بحياة مقبولة إنسانيا. أو ليس في هذا الأمر ظلم وإهانة وإخلال بكرامة المواطنين و استهتار بمبدأ تكافؤ الفرص؟
الوزير الوردي أول من يعلم أن دراسة الطب طويلة وصعبة وشاقة ومن حق الطبيب المتخرج أن يحصل على الحد الأدنى والمقبول من الكونفور ووسائل التشجيع والتحفيز، ليقبل على العمل بحيـويــة ونشاط، في حين يطلب منـه الـــوردي أن يقطع الكيلومترات في حافلات مهترئة، وحين تقف عند حُدود خُطــوطهــا يضطر إلى ركوب حمار أو جحش أو بغلة للوصول إلى حيث يشتغل ويعلم الله بأي معنوية وأي حَمــاس سيشتغل!!…
أو لم يكن بمقدور الوزير الوردي أن يعمل مع حكومته التي ضربت ائتلافها «تلفة» الخيانات الانتخابية، على تجهيـــز المناطق النائية قبل الزج بالأطباء في «غياهب الجب» فيأكلهم الذئب وهو عنهم غافل ؟
قد يقول الوردي المناضل الإشتراكي الديمقراطي إن واجب التضحية فرض من فروض المواطنة. نعم، ولكن التضحية يجب أن تسري على جميع المواطنين، إذ لا معنى أن يضطر طبيب المناطق النـــائية لركوب حمار مجذوم، وطبخ «كــاميلته» فوق كـانـون نــارُه من حطب يجمعه بنفسه، بينما يركب زميله في الحواضر سيارات من أحدث الماركات والموديلات، ويلج أفخم المطاعم ويتذوق أطباقا من أشهر «كوزينات» العالم….
التّضحية، حينَ تدُق سـاعتها، يجب أن يَنْبَري لَهــا الجَميع، بعَدْل وتَفانٍ وتَساوِ في الحُقوق و الـواجبــات.
أصلحوا المَنـاطق النــائية وأعدُّوا البنْيــات التَّحْتية الأساسية قبل أن تتّخذوا قَرارات بين أربعة حيطان، تُــؤذون بهــا عباد الله، وإلا فستفيقون يوما لتجدوا أن السحر انقلب على الساحر !!!…..
الغشّ ….
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com