خادمات البيوت القاصرات و الشابات … لقمة عيش مغموسة بعرق الظلم و الجبروت
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (.خادمات البيوت.)
الجمعة 23 أكتوبر 2015 – 10:33:47
ومثل “آمنة ” تعيش المئات من الخادمات داخل البيوت المغربية في وضع اجتماعي تنتقده المنظمات الحقوقية الناشطة في مجال تشغيل الخادمات، وخصوصاً اللاتي لا يتجاوز أعمارهن 15 عاماً، بوصفه تشغيلاً غير قانوني لعاملات المنازل، فضلاً عن استغلال فقرهن وأجسادهن في الكثير من الأوقات.
بصوت خافت، قالت آمنة لـ”جريدة طنجة” إنها قدمت من أحد الدواوير القروية بجهة فاس، بموافقة وتشجيع من أسرتها الفقيرة، موضحة أن “أغلب زميلاتها الخادمات اللواتي تعرفت إليهن بطنجة ينتسبن إلى مناطق قروية”.
واسترسلت الفتاة بأنها “لم تأت في بادئ الأمر للعمل عند الأسرة الميسورة بطنجة برضاها، بل أرغمها والدها على ذلك لتعينه على مصاريف الحياة، وخصوصاً أنه صار كهلاً لا يقوى على العمل”.
عمل القانون على استبدال تسمية خدم البيوت بتسمية العمال المنزليين، تكريسا لمفهوم العمل اللائق، ومنع تشغيل عمال منزليين، إذا كانت أعمارهم تقل عن 16 سنة، وإقرار العقوبة المقررة في مدونة الشغل في حالة تشغيل الأطفال أقل من 16 سنة، وإقرار عقوبة زجرية على الأشخاص الذين يتوسطون، بصفة اعتيادية، وبمقابل في تشغيل العمال المنزليين، ومنع تشغيل العمال المنزليين بين 16 و18 سنة في أشغال منزلية خطيرة، تحدد بنص تنظيمي.
لكن ، كيف للمسؤولين عن تطبيق هذا القانون أن يتحروا عن كل بيوت الأسر المغربية ؟؟ ، القانون عندما يتم التصديق عليه من المفترض أن نكون قد أعددنا الآليات لتفعيله ، لكي لا يتبع بعض القوانين الأخرى التي طالها بالإهمال و عدم التفعيل .
خادمة أخرى، لم تتجاوز ربيعها السادس عشر، فضلت عدم الكشف عن اسمها ، خشية رد فعل الأسرة التي تعمل لديها، تقول إن مغادرتها مقاعد المدرسة فرضت عليها القبول بوضعية الخادمة، مشيرة إلى أنها “تنتمي إلى إحدى القرى الجبلية بضواحي طنجة، والتي تشتهر بتزويدها الأسر الثرية بالخادمات صغيرات السن”.
المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة حكومية، تؤكد في دراسة حديثة أن تشغيل الأطفال يعتبر ظاهرة قروية بامتياز، علماً أن 9 أطفال من أصل عشرة أطفال يشتغلون، ينتمون إلى الوسط القروي، حيث تمثل الفتيات نسبة 46.7%.
حقوق مهدورة
سميرة عزاوي، إحدى ناشطات المجتمع المدني في مجال حماية حقوق الخادمات، أكدت مسألة تفريخ القرى النائية والمهمشة للخادمات صوب المدن الكبرى. ورأت أنها كثيراً ما صادفت بحكم عملها الميداني خادمات وافدات من البوادي.
وزادت عزاوي أنه يمكن تفسير ذلك بالهشاشة الاجتماعية التي تعاني منها تلك البوادي المغربية، وانعدام البنى التحتية، وضعف التوعية بحقوق الطفل من تعليم ولعب وغيرهما، موضحة أن “رب الأسرة لا يعرف سوى لغة المصلحة التي يمكن أن يجنيها من ابنته”.
وأوضحت المتحدثة أنها كثيراً ما تجد صعوبة في إقناع الآباء والأمهات أيضاً في عدم تسريح بناتهم الصغيرات إلى منازل أشخاص “غرباء” ليشتغلن لديهم مقابل مبلغ هزيل كل شهر، قد لا يتجاوز في أحسن الأحوال 1000 درهم.
واستطردت الناشطة بأنه “من خلال تواصلها مع أسر الخادمات القاصرات خصوصاً، وجدت أن الآباء غالباً ما يفرضون على بناتهم مغادرة الدراسة لاعتبارات اجتماعية واقتصادية، إذ إنهم يتخلصون من الأعباء المادية للتعليم، فتتحول الفتاة إلى مشروع خادمة براتب شهري حتى لو كان هزيلا”.
ظاهرة السماسرة
الخادمات اللائي يأتين للعمل في البيوت لا يصلن بدون وسطاء “سماسرة” يكونون صلة الوصل بين الأسر التي ترغب في تشغيل بناتها خادمات، وبين العائلات التي تبحث عن عاملات المنازل بأقل تكلفة خاصة.
“جريدة طنجة” رصدت حالة أحد السماسرة، يبدو في نهاية عقده الرابع، في حي شعبي طنجة، حيث كان يقف ترافقه فتيات ونساء من مختلف الأعمار، يتجاذب معهن أطراف الحديث، ويلجأ بين الوقت والآخر إلى هاتفه، إلى أن تصل سيارات تظهر على أصحابها علامات الثراء.
هذا السمسار المعروف في هذه المنطقة ليس الوحيد الذي يعمل وسيطاً بين عائلات الخادمات وبين أصحاب البيوت و”الفيلات”، بل تنشط شبكات سرية أحياناً وعلنية أحياناً أخرى في مجال الوساطة لتشغيل الخادمات، مستغلة الفراغ القانوني الموجود بخصوص هذا المجال.
قصص درامية
لم تكن الحكومة لتضع قانوناً لعمل الخادمات لو لم يُصدم الرأي العام المغربي لوقائع وأحداث دموية طالت هذه الفئة من الطبقة العاملة في المغرب بشكل عام، توزعت بين أحداث انتحار بسبب الشعور بالغبن، أو وفيات نتيجة اعتداءات شنيعة من طرف أصحاب البيوت، إضافة إلى قضايا التحرش الجنسي.
قبل مدة، اهتز المجتمع المغربي لقصة وفاة الخادمة “فاطمة”، في ربيعها السابع عشر، إذ لفظت أنفاسها في مستشفى مدينة أكادير، جراء إصابتها بحروق خطيرة في مناطق مختلفة من جسدها، تعرضت لها على يد مشغلتها التي كانت تقوم بتعذيبها عقاباً لها.
وقبل “فاطمة” تعرضت الخادمة “زينب” في مدينة وجدة، لتعذيب وحشي سلطت عليه وسائل الإعلام المغربية الأضواء، ما أفضى إلى احتجاجات منظمات حقوقية مغربية دولية، من قبيل منظمة “هيومنرايتسووتش” التي نبهت إلى الوضع الصعب للخادمات في المغرب.
معطيات وأرقام
ومن المفارقات الحاصلة في موضوع تشغيل الخادمات، أن أغلب الذين يستقدمون الخادمات الطفلات إلى بيوتهم هم من الفئة المتعلمة والميسورة، والتي لديها اطلاع جيد على حقوق العمال وعمال المنازل، وتعلم تحركات الحكومة والبرلمان للحد من ظاهرة تشغيل الخادمات القاصرات.
هذا المعطى يؤكده “الائتلاف الجمعوي من أجل حظر تشغيل الطفلات خادمات في البيوت بالمغرب”، حيث أورد في دراسة حديثة له أن 74% من الفئة المشغلة تنتمي إلى الطبقتين الغنية والمتوسطة، ومن هذه الفئة المشغلة 53% من النساء، و68% من الرجال تابعوا تعليماً عالياً.
وفي المغرب، وفق إحصائيات جمعيات المجتمع المدني الناشطة في المجال ذاته، أكثر من 90 ألف خادمة، 60% منهن تقلّ سنهن عن 12 عاماً، وهو ما يعد انتهاكاً لقانون الشغل الذي يجرّم تشغيل الأطفال في المغرب، إلا أن من الصعب ضبطه باعتبار عدم إمكانية اقتحام البيوت لضبط الخادمات صغيرات السن، وفقاً لتبريرات وزارة المرأة والأسرة المكلفة بموضوع الخادمات.
جوانب المعاناة في أوساط الخادمات، التي غالبا ما يبقى مسكوتا عنها، وبالتالي تضطر الفتيات الخادمات إلى المعاناة في صمت، خاصة أن الشكوى من سوء المعاملة لدى أسرهن أو عائلاتهن، التي قد تصل إلى الاعتداء الجسدي والتحرش الجنسي والتعذيب دون رد فعل، غالبا ما تقابل باللامبالاة وعدم الاكتراث بالموضوع، لأن ما يهم الأسر هو المدخول الشهري لمواجهة أعباء الحياة وظروفها، بحكم وضعها الاجتماعي المزري.
رغم ما أثير من جدل حول موضوع تعنيف الخادمات وأوضاعهن في البيوت المستقبلة، وأمام غياب ترسانة قانونية فعلية منظمة للظاهرة والقطاع أو النشاط، فإن عدد الخادمات آخذ في الارتفاع بالنظر إلى ارتفاع معدل العنوسة في المناطق القروية النائية المصدرة، ما يجعل الفتاة أو الطفل ثقلا كبيرا على الأسرة، مع العلم أن هذا النشاط يمنع الطفل من التمدرس، ويزيد من نسب الهدر المدرسي وبالتالي الانقطاع عن الدراسة، رغم جهود الدولة لتعميم التمدرس في العالم القروي والمناطق الجبلية.
بلغة السوق وسماسرة البشر، تحولت قرانا إلى مشتل أساسي لإنتاج وتصدير الخادمات القاصرات نحو المدن الكبرى، أصبحت بيوت الأسر الفقيرة مزرعة لاستنبات سواعد آدمية ذكوار وإناثا يتم توجيهها منذ سن الثامنة أو التاسعة للعمل بالبيوت كخادمات أو نحو الحقول والصحاري بالنسبة للذكور للاشتغال في الفلاحة والرعي.
قطاع الخادمات واسع بالمناطق الجلية ضواحي طنجة له سماسرته الذين يعرفون أين توجد هذه المشاتل، والسوق النشيطة التي يمكن أن تصدر إليه، فقد ازدهرت عملية جلب الخادمات بالبوادي النائية ، وبالجبال حيث تتناثر دواوير يكاد بعض ساكنتها لا ينتج إلا أطفالا، ويعوّل رجالها على سواعد نسائهم وأطفالهم لتأمين مصاريف الحياة، بالمراكز الحضرية الصفيحية، ازدهرت كذلك هذه العملية بين الوافدين على المناطق التي عرفت انفجارا سكانيا عشوائيا بشكل خطير،.
أما بيوت الاستقبال، فأغلبها من ميسورين وموظفين متعلمين ورجال يسهرون على تطبيق القانون.
انها مسؤولية تتشارك فيها عدة جهات في مقدمتها وزارة التشغيل والتكوين المهني عبر تنفيذ آليات لتحسين مراقبة تشغيل الخادمات، ووزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية من خلال توفير الملاجئ الطبية والاجتماعية الكافية لعاملات المنازل، ووزارة العدل والحريات عبر الضبط القانوني والزجري للظاهرة، إذ لا يمكن الحديث عن أي إقلاع حقيقي للحقوق والحريات بالمغرب، مادامت مثل هذه الظواهر تنخر مجتمعنا..