‫… وطنجة الأخرى ؟

يبدو أن بعض جوانب البنيــات الأساسية لمدينة طنجة لم تتبع مخططات التنمية الكبرى التي تشهدها المدينة، بالرغم من “البروباغاندا” القوية التي تثار بهذا الشأن والتي لا تستطيع أن تثبت أمام الأمر الواقع.‬

‫وإن نظرة متفحصة لحالة المدينة، من حيث تجهيزاتها الأساسية، من إنارة ونظافة وطرق وأرصفة، وجولان، وغيرها، تعطي المواطن والزائر فكرة عن ضعف الاهتمام بالمنشآت “الخارجية” للمدينة وعن النقص الحاصل في تصور وتنفيذ الاصلاحات الهيكلية التي من شأنها أن تخلق فضاء مريحا للعيش في المدينة، والحال أن هذا الفضاء كان موجودا ولعشرات السنين، ولو يكن به ما ينغص على الناس حياتهم أو يدفعهم إلى اليأس والقنوط.‬

‫والملاحظ اليوم نوع من الارتخاء والإهمال في تدبير بعض جوانب الشأن العام المحلي الأمر الذي يتسبب في تذمر المواطنين واستيائهم. والأمثلة في هذا الباب كثيرة، منها، على سبيل المثال لا الحصر، وجود “بالوعات”، للصرف الصحي عارية، قد لا يلتفت إليها المواطن فيسقط فيها. وقد حدث مؤخرا، أن علقت رجل شاب بواحدة من هذه البالوعات ما تطلب تدخل عدد من المواطنين لمساعدته على “تحرير رجله”. وكان طبيعيا أن يتسبب هذا الحادث في استياء كل من شاهده أو علم به.‬

‫ولكن، إن هناك ما هو أخطر. فلقد تعرض طفل لا يتعدى سنه أربعة أعوام، لصعقة كهربائية، في محج محمد السادس، على طريق مالاباطا، حيث كان يلهو بالقرب من بارك مالاباطا، ولم ينتبه إلى وجود أسلاك كهربائية عارية وغير محروسة، فوقع صريعا وغاب عن الوعي، واضطر مواطن ، نظرا لتأخر وصول سيارة الإسعاف، إلى حمل الطفل بسيارته الخاصة إلى مستعجلات المستشفى المركزي حيث لفظ أنفاسه الأخيرة، بالرغم من المجهودات التي بذلها الأطباء لإنقاذ حياته.‬

‫الطفل يتحدر من مدينة الراشدية وقد حل رفقة والديه بطنجة، من أجل الاصطياف، ولكن القدر لم يمهله طويلا، فمات ضحية ما يمكن أن نسميه نوعا من الإهمال، خاصة والمنطقة تشهد عددا من الأشغال الكبرى.‬

فعلى رقبة من تقع مسؤولية وفاة هذا الطفل البريء الذي لو تم اتخاذ تدابير الوقاية اللازمة، ولم تترك أسلاك كهربائية عارية لما هلك على هذا الشكل العبثي ‪!‬ رحمه الله.

وعلى طول شارع محمد الخامس، انطلاقا من ساحة فرنسا، توجد أيضا أسلاك عارية متدلية من أعمدة كهربائية، لا نعلم إن كان بها تيار كهربائي أم لا. وحتى إن لم يكن، أوَ ليس من باب الحزم تغطية هذه الأسلاك أو إخفاءها بالمرة. ونفس الشيء ينطبق على شارع بلجيكا حيث توجد قواعد مربعة تخرج من كل زاوية أوتاد حديدية من عشرين سنتيمترا، عارية ، كثيرا ما تصطدم بها أقدام المارة، فيسقطون أرضا، خاصة النساء والأطفال وكبار السن. وليست هذه المرة الأولى التي تثار فيها هذه المسألة، على المواقع وصفحات الجرائد. ولكن لا حياة لمن تنادي ‪!‬….

ولا أظن أن رجال البلدية لم يلاحظوا وجود بقعة منخفضة بالطريق العام، قرب البريد المركزي، تسببت في سقوط سيدة مسنة لم تنتبه لوجودها وكان أن تدخل العديد من المارة ورواد مقهى مجاور لإسعافها إلى أن استردت أنفاسها من هول “الخلعة”، وشدة الألم بساعديها.

نفس الشيء يمكن قوله عن بعض الأرصفة الموجودة في أحياء مركزية ومنها شارع بلجيكا حيث تنفك البلاطات عن بعضها وتصبح متأرجحة عند وقوع الأقدام عليها، وعند تجمع المياه تحتها، يرفع ضغط الأقدام بقوة، المياه الوسخة إلى أسفل ثياب المارة، مع ما يحصل لهم من إزعاج وضيق وتذمر ‪!‬….

ولن أختم هذه “الباقة” من أخبار المعاناة اليومية للمواطنين في مدينة طنجة المقبلة على ما هي مقبلة عليه من مشاريع “فوقية” كبرى، دون إثارة “معضلة” احتلال الأرصفة التي هي ملك عام، من طرف كل من هب ودب، من باعة كل شيء، حتى تحولت المدينة إلى “بازار” كبير مفتوح…..على المجهول. دون إغفال إقدام المقاهي على امتداد خارطة المدينة، على استغلال الأرصفة العمومية، الأمر الذي يضطر المارة إلى النزول إلى قارعة الطريق بما في ذلك من تهديد لسلامتهم، خاصة الأطفال ويمنعهم من الوصول في أمان إلى مساكنهم.

فهل هذا الاحتلال للملك العمومي مرخص به من المصالح البلدية ؟
أكتفي اليوم بالإشارة، “لأن “اللبيب” بالإشارة يفهمُ ” كما يقول المثل. وأتمنى أن لا أضطر للعودة إلى هذا الموضوع ، لأنه مؤلم ومثير ومغيض ولآنه يوحي بأن لا خير ينتظر في من يمضي ومن يقبل، خاصة والمقبلون، في معظمهم، هم أنفسهم المغادرون، وبالتالي، فلا أمل في التغيير إلا أن يلحقنا “توفيق أقدار لأقدار” ‪!‬ ….. .