مستشفى محمد الخامس بطنجة…. الدّاخل إليه مفقود و الخارج منه مولـود
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (مستشفى محمد الخامس)
الأربعاء 09 غشت 2015 – 15:44:41
• مستشفى محمد الخامس ، أو كما يسميه البعض ” مقبرة الفقراء “
كانت و لا تزال صـُورة مستشفى محمد الخامس في ذهن السكان، أو حتى المضطرين إلى القدوم إليه من مختلف مدن و قُرى الجهة، صـورة سـوداوية ومُخيفَـة، فبيـن تـَدني الخدمات وتفشي الرشوة وسوء التنظيم والقذارة، أضحى هذا المستشفى همّاً ثقيلا جاثما على صدور المواطنين، وبقعة سوداء ما فتئ قطرها يتسع ليسيء إلى صورة مدينة بأكملها..
عندما «يقتحم» المرء هذا المكان، الذي يسمى «مستشفى»، سيحس بالتغيير في التوّ، فلا علاقة لما ستقع عليه عيناه مع العالم الخارجي، والحديث هنا ليس عن صرخات المصابين ودمائهم أو آهات المرضى والحوامل.. فكل ذلك قد يبدو «عاديا» في مستشفى عمومي، لكنْ داخل هذا المكان ستتفاعل حواس الزائر مع غرابة المكان من حوله، وسيشتم رائحة لن يستطيع معرفة ماهيتها أو مصدرها، لكنها بالتأكيد رائحة كريهة.. كريهة جدا، رائحة قد تكون عبارة عن تفاعل «مقرف» بين الدم والدرن والقيح وطلق المخاض.. وكل هذه الأشياء المقرفة سيراها الزائر رأي العين، بعد برهة من ولوجه المكان.
في مدخل المستشفى «ستشنف» آذانَ المرء مقطوعات متنوعة من «ألحان الكآبة»، بدءا بآلام المصابين بالكسور وطعنات الأسلحة البيضاء، مرورا باستغاثات المرضى وأولئك الممسكين ببطونهم أو ظهورهم أو رؤوسهم، محاولين السيطرة على ألم قد يستمر في افتراسهم لوقت أطول، ووصولا إلى آهات حوامل فاجأهن المخاض وأجبـِرن على انتظار دورهن واقفات أو ممددات على الأرض.. وسيقف الزائر مذهولا أمام هذا الكم الهائل من المآسي من حوله، وهو عاجز وغير قادر على مساعدة عجوز شاحب ممدد على الأرض، متكئ على الجدار ينتظر دوره في العلاج.
«الحق في هذا المستشفى لا يُؤخذ إلا بالقوة».. ،أينما ولى الزائر وجهه سيشاهد عراكا أو سبابا بين مواطن وموظف في المستشفى، وإلا فإن أحد الطرفين سيعرض على الآخر «شيئا» أو إن هذا الأخير سيطلب هذا «الشيء» مباشرة..
يزداد الوضع سوءا في قسم المستعجلات، فهذا المكان، الذي يفترض أن يكون أحد أكثر الأماكن حساسية في المستشفى، صار دخوله مفتوحا للجميع، للمرضى كما للأصحاء، ليعيش جوا من الفوضى لا يستطيع أحد تنظيمها، إلى جانب افتقاره إلى أدنى شروط النظافة.
يشكو أطباء هذا القسم أنفسُهم من غياب أدنى شروط الممارسة المهنية، إذ سبق لهم أن راسلوا وزارة الصحة حول استيائهم من «الحالة المزرية والفوضى العارمة التي يتخبط فيها القطاع الصحي في طنجة»، حسب نص الرسالة التي أشارت إلى أن قسم المستعجلات وحده يستقبل، في المتوسط، 300 حالة يوميا، دون احتساب مرافقي المرضى.
وتطرقت الرسالة لجملة المشاكل التي يعانيها القسم، وعلى رأسها مشاكل الولوج المتعسر والاكتظاظ الشديد ونقص التأمين البدني والمعنوي للمرضى والعاملين، إلى جانب «اهتراء البناية وعدم استجابتها لأدنى المعايير الواجب توفرها في قسم المستعجلات»، إضافة إلى «النقص الفادح» في الموارد البشرية والمعدات والأعطاب المتواترة في الأجهزة الحيوية، خاصة جهاز «السكانير»، وكذا انعدام فضاء للانتظار أو الاستقبال، حسب الرسالة.
يعد مستشفى محمد الخامس مستشفا إقليميا، وهو الأكبر في الجهة، لكنه لم يعد قادرا على تحمل الضغط المتزايد عليه، حسب ما يؤكده الأطباء أنفسهم، فهذا المستشفى، الذي لا يتجاوز إجمالي أسرّته 250 سريرا وعدد أطبائه، في مختلف التخصصات، 55 طبيبا، من ضمنهم 29 جراحا، بات يستقبل الحالات القادمة، ليس فقط من طنجة والقرى المحيطة بها، بل من مدن بعيدة نسبيا، مثل القصر الكبير وشفشاون، وهي حالات تأتي، أحيانا، دون خضوعها حتى للإسعافات الأولية، رغم وجود مشافٍ في المدن التي أتوا منها أو في أخرى أقرب إليها من مستشفى محمد الخامس.
ويضم هذا المستشفى عشرات التخصصات، على رأسها الولادة وطب الأطفال وتصفية الكلي والجراحة العامة وجراحات العظام والدماغ والشرايين، وهو ما يجعل منه مشفى ذا طابع جراحي أكثر منه علاجي، وهو الجانب المفروض توفره في مستشفيات المدينة الأخرى، التي تتوزع عليها تخصصات طب العيون والأنف والحنجرة والغدة الدرقية والجهاز التنفسي والأمراض العقلية، لكن مصادر طبية من المستشفى تقول إن أغلب تلك المستشفيات تحيل حالاتها، في نهاية المطاف، على مستشفى محمد الخامس، متسببة له في ضغط إضافي.
إلى جانب ذلك، يشتكي أطباء المستشفى من الزيادة في عدد الحالات القادمة من مناطق داخل طنجة، رغم توفرها على مستشفيات يفترض أن تساهم في تخفيف الضغط، وعلى رأسها مستشفى محمد السادس، الذي افتـُتِح قبل بضع سنوات، والمتوفر على قسم للولادة وللمستعجلات، لكنه يبقى غير كافٍ لتخفيف العبء على المستشفى الإقليمي، بالرغم من وجوده في مقاطعة بني مكادة، ذات الكثافة السكانية العالية، لكنّ مصادر طبية قالت إن هناك «تقصيرًا» من لدن باقي المستشفيات التي ترفض استقبال حالات من اختصاصها أو إن المرضى لا يجدون أطباء مداومين خارج أوقات معينة، رغم أن المفروض في تلك المستشفيات أن تشتغل بدوام متواصل، وهو الأمر الذي كان محل شكاوى العشرات من المواطنين.
إذا كان عنصر الأمن أهم شيء يجب توفره في المستشفيات، فإن هذا العنصر أبعدُ ما يكون عن مستشفى محمد الخامس، فلا شيء سيمنع أيا كان من ولوج هذا المكان، سواء كان مجرما أو مدمنا أو حتى مجنونا.. الجميع يستطيعون دخول المستشفى والوصول إلى غرفة الولادة أو غرفة الزيارات أو المستعجلات، دون أن يسألهم أحد عن سبب «الزيارة»..
علـّق أحد الأطباء على الوضع الأمني قائلا: «نحن أنفسنا لا نحس بالأمان، فبالأحرى المرضى، ففي ظل غياب حراس الأمن داخل المستشفى، نكون نحن مجبرين على أداء هذه المهمة»، ثم يستعرض الطبيب العامل في قسم المستعجلات مجموعة من السكاكين متفاوتة الحجم تم ضبطها بحوزة أشخاص، الله وحده أعلم بنواياهم..
في إحدى اللحظات، دخل شخص وبدأ يتوسل إلى طبيب ويرجوه أن يصف له دواء ما.. أكد له الطبيب أنه يُمنـَع عليه وصف دواء له أو إعطاؤه عينة منه، بل يحظر عليه هو نفسه الاحتفاظ به، غير أن الشخص، مكفهر الوجه وحادَّ القسمات، «لم يستسلم» وتحول طلبه إلى رجاء ودموع.. وبعد رحيله، علق الطبيب قائلا: «هذا الشخص مدمن، والدواء الذي يطلبه خطير جدا ولا يباع لدى الصيدليات، بل يعطى للمرضى مباشرة في مستشفى الأمراض العقلية أو في مركز معالجة الإدمان فقط»، وأضاف: «هل لاحظت كيف وصل إلينا بسهولة؟! كان بالإمكان أن يحمل معه سكينا ويصيبنا بمكروه دون أن يمنعه أحد»..
وقال الطبيب إن المستشفى متعاقد مع شركة أمن، لكن دورها محدود جدا ولا يشمل التأكد من هوية الداخلين إلى المؤسسة الصحية أو العمل داخل ردهاتها، وإنما يكتفي الأمنيون بالوقوف في البوابة.
وسبق للمستشفى أن عاش حالات ذعر كثيرة، انطلاقا من محاولات اختطاف رضع، ومرورا بضبط مدمنين ومروجي مخدرات ومسلحين، وصولا إلى الشجارات العنيفة، بل ومحالات الانتحار، من جهته، سبق و أن صرح مندوب وزارة الصحة في طنجة، إن غياب الأمن عن المستشفى راجع إلى العدد الكبير من الوافدين عليه والذين يصعب حصرهم، حسب تعبيره، و أكد على أن للمواطنين دور كبير في تردي المستوى الأمني، حيث إن الكثيرين لا يحترمون مواعيد الزيارة ولا القانون الداخلي للمستشفى.
يبدو أن مسألة تدني الخدمات في مستشفى محمد الخامس باتت أمرا «عاديا» جدا، فلا يكاد يمر يوم دون تسجيل شكاية بهذا الصدد، وهو الأمر الذي تعترف به مصادر طبية من داخل المستشفى وترجعه إلى الضغط الكبير عليه وإلى «عدم تعاون المستشفيات الأخرى داخل وخارج طنجة».
وإلى جانب ذلك، تـُطرَح مشكلة النظافة بقوة، فأثناء تجول الزائر بين جنبات المستشفى، وخاصة في غرف المرضى، سيصطدم برائحة كريهة تزكم الأنوف، ناهيك عن بقع الدم والمواد العضوية المنتشرة في أغلب الأقسام..
ولا تتوقف مشاكل المستشفى عند هذا الحد، بل إن بناياته في حد ذاتها أضحت متقادمة جدا وصارت في وضع مُزرٍ للغاية، وتكفي زخات مطرية قليلة لفضح عيوب هذا البناء، الذي أنشئ في ثمانينيات القرن الماضي، حيث إن المياه تتسرب إلى أقسام المستشفى وإلى غرف الأطباء والموظفين. وذكرت مصادر عليمة لـ«جريدة طنجة» أن مياه الأمطار صارت تتسرب إلى أساسات المستشفى، ما يهدد بإغراق المستشفى أو تآكل هياكله وانهياره، وهي المشكلة التي اكتـُشِفت قبل سنين وما تزال إدارة المستشفى عاجزة عن معالجتها.
من المفروض أن تحتضن طنجة مستشفى جهويا متعدد التخصصات سيتحول، في ما بعد، إلى مستشفى جامعي بالموازاة مع إنشاء كلية الطب، على أن تتم إعادة ترميم وهيكلة مستشفى محمد الخامس وتحويل باقي المستشفيات إلى أقطاب خاصة بحالات محددة، وهي كلها أفكار و وعود وزارة الصحة، و أكدت مصادر من مستشفى طنجة أن هذه الوعود ما فتئت تتردد منذ ما لا يقل على 15 سنة، وعلق أحد الأطباء: «لن نصدق وعود إنشاء المستشفى الجديد إلا إذا كان هناك أمر ملكي.. أما وعود وزارة الصحة فمجرد فقاعات في الهواء».
صار انتقال أطباء مستشفى محمد الخامس إلى المصحات الخاصة أمرا «معتادا» في ظل عدم احترام القوانين المنظمة للخدمات العمومية التي تمنع أي موظف في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة من العمل في القطاع الخاص.
ويوجه المواطنون شكايات يومية بهذا الصدد إلى إدارة المستشفى وإلى الجهات الرسمية حول غياب الأطباء عن عملهم في وقت المداومة، إذ يفضل هؤلاء الاستجابة لنداءات مرضى المصحات الخاصة، التي تضمن لهم دخلا إضافيا قد يصل إلى ثلاثة أضعاف دخلهم الشهري في المستشفى العمومي، وهو رقم يتضاعف لدى الجراحين والاختصاصيين، حسب معطيات مصادر طبية.
ولا يتوقف الأمر عند تحول أطباء مستشفى محمد الخامس إلى «شبه موظفين أشباح»، بل إن تصريحات مواطنين تؤكد أن بعضهم يتحولون إلى وسطاء للمصحات الخاصة، حيث يقومون بإحالة المرضى عليها، بحجة عدم توفر الإمكانيات التقنية أو البشرية في المستشفى العمومي.. ورغم أن المادة الـ27 من قانون الخدمات العمومية تمنع منعا صريحا موظفي المستشفيات العمومية من العمل في المصحات الخاصة، فإنه لا أحد سمع بلجنة تفتيش خرجت من مصالح وزارة الصحة لضبط مثل هذه الخروقات.
طنجة لم تعد تقوى على تحمل هذه الأوضاع المزرية التي تصيب مرافقها الحيوية ، الاستشفاء حق أساسي من حقوق المواطن ، فكما نطالب المواطن باحترام واجباته اتجاه بلده و حكومته ، فعلى بلده و حكومته احترام حقوقه عليها ، نحن ب 2015 و ما زلنا نتكلم عن الحق في التطبيب و التعليم ، عار علينا أن نوصم مدينتنا و بلدنا بشكل عام ، بعار إهمال حقوق المواطن الأساسية …