“مراجعة ما بعد الانتخابات”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( .أقلام. )
و رغم أن انتخابات الرابع من أيلول الماضي قد انخرط فيها ما يفوق الثلاثين تنظيما سياسيا بالبلد، إلا أن التنافس ظل منحصرا بين القوى السياسية الكلاسيكية، الكلاسيكية بالنظر إلى عمرها التاريخي أو بالنظر كذلك إلى طبيعة منهاجها الفكري.
وهكذا تصارعت في الساحة الانتخابية أحزاب ما سمي بالحركة الوطنية مع أبنائها و أصهارها من باقي الكتل الحزبية، بمن فيهم حزب “التوحيد و التنمية”، عفوا ، حزب “العدالة و التنمية”.
و بالرغم من الأساس ” العلمي” و العملي الذي يسند مضمون المثل المغربي القائل :”ولاد عبد الواحد كلهم واحد”، إلا أن أنظار الملاحظين، و أزعم هنا أني من بينهم، اتجهت لإعارة اهتمام فريد بحزب حديث، كان من منطلقاته الفلسفية، التي أسس نفسه عليها، الدفاع عن “الحداثة” في مواجهة “التقليد”، فقد اعتبر بعض هؤلاء أن حزب الجرار هو المؤهل، دون غيره، لحمل مشعل الحداثة، ليس فقط بالنظر إلى توجهات قياداته، بل بالنظر أيضا إلى طبيعة السيرة الذاتية لهذه القيادات، المليئة بالمحطات النضالية و المعطرة بأريج اليسار زمن عنفوانه.
لقد هُزم حزب “الحداثة” بمدينة البوغاز، وكان لبعض القيادات الجهوية للتنظيم تلك الشجاعة الأدبية و السياسية اللازمة للإعتراف بـ”هول” الهزيمة و وقعها السيء على التنظيم، رغم احتفاظه بموقع الصدارة في ترتيب الأحزاب الفائزة ببلديات هذا الموسم،و في الجهة المقابلة، تمدد حزب “التقليد” بالمدينة الدولية العصرية و زحف على مقاطعات المدينة الأربع.
لن أؤكد هنا أني من معارضي الاستثمار السياسي في الدين، مطلق الدين، و أني أيضا من دعاة “الحداثة و الوسطية”، لكن حزب “الجرار” ، الذي راهن الناس على أهليته الكاملة لمقارعة مستثمري الدين في السياسة، و إعادتهم إلى المساجد و الزوايا، لم يفلح في مسعاه و خسر أكثر من قاعدة بلدية و أكثر من مجلس.
لقد مرت الانتخابات و تعددت الملاحظات بشأن نتائجها، لكنها اتجهت جميعا نحو وصفها بالنزاهة، رغم ما شابها من خروقات في هذه الدائرة أو تلك، و رغم تباين المواقف بشأن “الاستحقاقات”، إلا أنها كانت مجرد مواقف تكتيكية، تُوافق، من حيث الجوهر،على سلامة الانتخابات و تسخير القانون و القضاء لمواجهة ما ثبت من مخالفات، و بهذا المعنى، فإن التشكيك في نزاهة الانتخابات أصبح خير ذي موضوع، لكن ذلك لن يعفي التنظيمات السياسية من ضرورة البحث في أسباب “التراجع” و مراجعة أدوات عملها بصورة تصحح الاختلالات و تجدد الخطاب لتوسيع قاعدتها.
لعل أوْلى “الأحزاب” المعنية بإجراء مماثل هو حزب “الجرار”،فالأجدر بهذا التنظيم، الذي راهن عليه “الحداثيون”، أن يصحح خطواته ، تصحيحا شموليا يمكن تصنيفه في دائرة “مراجعة ما بعد الانتخابات”