عودة “الثقة” بين البلدين وإصلاح ما أفسدته عجرفة وتهوّر بعض رجال القضاء والإعلام الفرنسيين، من بين أهداف زيارة عمل وصداقة للرئيس الفرنسي إلى المغرب
جريدة طنجة – عزيز كنوني (المغرب -فرنسا)
الإثنين 28 شتنبر 2015 – 16:05:55
ومما يدل على أهمية هذه الزيارة بالنسبة للفرنسيين ، بلاغ قصر الإيليزي الذي أكد أن المغرب يعتبر فاعلا أساسيا على مستوى الاستقرار الإقليمي وأن هذا البلد تجمعه ببلدان غرب إفريقيا علاقات متينة تحظى بالأولوية في السياسة الخارجية المغربية ، وتتميز بالقرب الثقافي واللغوي والديني. كما وأن المغرب بعتبر المستثمر الأول في إفريقيا وأنه يحتضن العديد من المهاجرين والطلبة من المنطقة.وبالتالي فالمغرب يضطلع بدور هان على الساحة الإفريقية والعربية.

زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب اختير لها إطار جغرافي متميز، وموضوع خاص يغلب عليه طابع “التعاون” الثنائي في مجال الاقتصاد والبيئة. إلى جانب “استفادة” المسؤولين الفرنسيين من “خبرة” المغرب في “تربية” و تكوين أئمة “الوسطية” الاسلامية والاعتدال، وفق مبدأ “لا غلوّ في الدين” !… ولعل تكوين أئمة “الإسلام الفرنسي” بالمغرب كان موضوع الاتفاقية اليتيمة التي تم التوقيع عليها بهذه المناسبة.
المغرب أحاط مقام الرئيس الفرنسي بعناية فائقة، حيث انتقلت العائلة الملكية إلى طنجة رفقة جلالة الملك الذي أقام على شرف ضيفه الفرنسي، حلفلة استقبال بقصر مرشان يوم السبت وحفلة عشاء في اليوم الموالي تميزت بحضور المناضل عبد الرحمن اليوسفي، صديق هولاند في النضال الاشتراكي ، كما دعي إليه ضيوف الرئيس الفرنسي من وزراء وسياسيين وأدباء وفنانين، ….ولم نلاحظ بين الوجوه الحاضرة ، رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران.
ولعل موضوع القطار الفائق السرعة كان من أهم مواضع هذه الزيارة حيث إن جلالة الملك قام رفقة ضيفه الفرنسي بالإشراف على تدشين ورشة صيانة القطارات فائقة السرعة التي أنجزت باستثمار بلغ 640 مليون درهم لتعمل في مرحلة أولى على تركيب مكونات القطارات بعد تسلمها من المصانع الفرنسية وفي مرحلة ثانية، ستقوم بعمليات المراقبة والإصلاح والصيانة بشراكة مع شركة القطارات الفرنسية.
معلومات واسعة قدمت ، بالمناسبة، إلى ضيف جلالة الملك حول مشروع القطار الفائق السرعة والخطوط الأولى التي سيقوم بربطها في انتظار أن يشمل مختلف جهات المغرب.
وشكلت زيارة ميناء طنجة المتوسط نقطة هامة في أجندة الرئيس الفرنسي التي استمع إلى شروحات ضافية حول هذه المنجزة التي تعتبر عنوانا للعبقرية المغربية وللنبوغ المغربي وتجسيدا للرؤية الاستقبائية للمغرب فيما يخص تطور العلاقات الإقتصادية والمواصلات البحرية على مستوى العالم.

وكان جلالة الملك قد أعطى انطلاقة أشغال بناء هذا الركب المينائي الضخم في سنة 2003 في إطار برنامج متكامل (70 مليار درهم) فيما يخص عمليات الشحن والتصدير والإستراد وتم إنجازه في إطار شراكة ين القطاعين العام والخاص تهم المركب المينائي طنجة المتوسط (1000 هكتار ) ومنطقة صناعية (5000 هكتار).
ويتألف المركب المينائي طنجة- المتوسط، من ميناء طنجة المتوسط 1، الذي يشتمل على محطتين للحاويات، ومحطة سككية، ومحطة للهيدروكاربورات، ومحطة للبضائع المختلفة، ومحطة للعربات، وميناء طنجة المتوسط 2، الذي يضم محطتين للحاويات و ميناء طنجة المتوسط للمسافرين الذي يضم مناطق للولوج و المراقبة الحدودية وأرصفة لإركاب المسافرين والنقل الطرقي الدولي، ومناطق الضبط، والمحطة البحرية، ومنطقة لوجستيكية حرة ومركزا للأعمال.
وقد تمكن ميناء طنجة المتوسط من التموقع على خارطة موانئ المتوسط، كنقطة بارزة على مستوى الخطوط البحرية العالمية في مفترق طرق بحري دولي يربط القارات الخمس .
ولم تترك الوزيرة الفرنسية التي تلح بعض المواقع بجهة الريف، على التذكير دوما بأصولها الريفية ، نجاة فالو بلقاسم ، وزميلتها في الشغل، الرباطية، مريم الخمري، وعدد مهن أعضاء الوفد الفرنسي، فرصة وجودهم بطنجة، دون زيارة الكنيس اليهودي بشارع باستور، وهو فعلا ما قاموا به، راجلين، في موكب أثار فضول رواد المقاهي المركزية المصطفة على جانبي الشارع الذي صادف ازدحام المارة به خلال نهاية الاسبوع. ولم يتضح ما إذا كان الغرض من تلك الزيارة البحث في إمكانية إبرام اتفاق حول تكوين ” ربيات” عبرانيين لخدمة الديانة اليهودية بفرنسا، أم لأسبلاب أخرى لا فائدة من الخوض فيها.
وكانت أبرز لحظات مقام الرئيس الفرنسي بطنجة هي وجوده إلى جانب جلالة الملك، في حفلة التوقيع على “نداء طنجة” من أجل مبادرة تضامنية قوية لفائدة المناخ”، بهدف توحيد جهوده المغرب وفرنسا لحث المجتمع الدولي على إيجاد إجابات مناسبة وناجعة لإشكالية التغير المناخي.
ويعد “نداء طنجة”، الذي يأتي إطلاقه بعد “نداء مانيلا” (الفلبين)، و”نداء فور دو فرونس″ (عاصمة جزيرة مارتينيك الفرنسية)، بمثابة ناقوس للخطر، بالنظر لاستعجالية القيام بعمل تضامني وقوي لصالح حماية المناخ، وضرورة العمل “بسرعة وبشكل جيد وجماعي” لتكثيف جهود محاربة التغيرات المناخية، بحسب البيان.

ويدعو المغرب وفرنسا، اللذان سيضطلعان برئاسة المؤتمرين العالميين لتغير المناخ (كوب 21 وكوب 22)، لاغتنام فرصتي هذين المؤتمرين بباريس ومراكش، لتسريع التحول نحو اقتصاد عالمي أخضر، بشكل تنصهر فيه بانسجام التطلعات المشروعة للتنمية مع ضرورة استدامة الموارد والتقليص من المخاطر البيئية.
وذكّر “نداء طنجة” أن المغرب وفرنسا لن يدخرا أي جهد من أجل التوصل إلى اتفاق عالمي شامل، ومستدام ومتوازن وملزم قانونيًا، يرتكز على أهداف ومبادئ الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة، بشأن التغيرات المناخية، ويساهم في الإبقاء على الاحترار العالمي دون مستوى درجتين مئويتين، والوصول إلى اقتصاد خال من الكربون.
ويدعو المغرب وفرنسا، الدول المتقدمة بتحديد حجم الدعم المالي الذي تقدمه حاليا، وكذلك الدعم الذي تعتزم تقديمه خلال السنوات القادمة، في أفق تحقيق هدف رصد 100 مليار دولار سنويًا، ابتداءً من سنة 2020، من مصادر عمومية وخاصة، لصالح المبادرات الهادفة للحد من التغي بعد الأزمة التي عصفت بهذه العلاقات لما فوق السنة.
وأفاد هولاند بأن محادثاته مع جلالة الملك تمحورت حول ملفي الأمن والاقتصاد، ومواضيع أخرى تهم التعاون الثنائي في مجالات ذات الاهتمام المشترك. وأضاف أن البلدين أكدا عزمهما على تمتين أواصر التعاون لمواجهة الاضطرابات التي تهدد المنطقة وتحقيق الأمن والاستقرار. وبالمناسبة أكد الرئيس الفرنسي أن توشيح المدير العام للأمن والاستخبارات المغربية لا زال قائما بالرغم من أن هذه العملية لم تكن ضمن برنامج هذه الزيارة.
وحول قضية ابتزاز المغرب من بعض الصحافيين الفرنسيين، أكد هولاند أن القضاء في فرنسا “مستقل”، كما أن الصحافة الفرنسية تتمتع بـ”الحرية”، ويمكنها أن تناقش جميع الملفات، شريطة توفرها على معلومات ومعطيات دقيقة ومضبوطة”، مبرزا في ذات السياق أن العدالة هي التي ستقول كلمتها في الملف.وأضاف أن اعتقال الصحافيين المتورطين في هذه القضية، دليل على أن القضاء الفرنسي قام بدوره، وحقق في المسألة، واتخذ القرار بناء على المعطيات التي توفرت لديه”، كاشفا في الوقت ذاته عن كون “قضية الابتزاز كانت موضوع نقاش بينه وبين الملك محمد يتعلق بالمغاربة المقيمين بفرنسا.

ومن أبرز مؤشرات الثقة بين البلدين، استمرار تعليم اللغة الفرنسية بالمغرب والحفاظ عليها في النظام التعليمي، بالإضافة إلى اعتماد باريس على المغرب في مجال تكوين الأئمة، “وذلك حتى تتوفر فرنسا على “إسلام فرنسي” وفق التجربة المغربية الناجحة .
وكشف الرئيس الفرنسي أنه اتفق مع جلالة الملك على أن يشارك في القمة العالمية للمناخ التي ستستضيفها العاصمة الفرنسية خلال شهر دجنبر المقبل، مشيرا أنه من دلالات وجود المغرب ممثلا على أعلى مستوى، في هذه القمة، تأكيد التزام المغرب بالعمل على حماية البيئة والمحافظة عليها، كما ستكون فرصة ليتسلم للعاهل المغربي رئاسة القمة العالمية للمناخ للسنة المقبلة بمدينة مراكش.
ومساء الأحد غادر الرئيس الفرنسي مدينة طنجة مودعا بنفس الحفاوة التي استقبل بها. وكان في توديعه بمطار ابن بطوطة، رئيس الحكومة ووزير الشؤون الخارجية والتعاون ورجال السلطة المحلية ورؤساء وأعضاء المجالس المنخبة وعدد كبير من المئؤولين، مدنيين وعسكريين وأعضاء السفارة الفرنسية بالمغرب.