ظاهرة السحر و الشعوذة ….. أناس يبحثون عن الحلال في الحرام
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (.السحر ولشعوذة.)
الثلاثاء 22 شتنبر 2015 – 18:44:48
ويقف خلف هذه الظاهرة أناس دجالون ومشعوذون يقومون بدور أساسي في تفشي هذه الظاهرة الخطيرة،بحيث أصبح هؤلاء يشكلون بؤرة الفساد الموجودة في غالبية المجتمعات العربية منذ كثر الحديث في السنوات العشر الأخيرة عن ظاهرة الشعوذة والدجل والسحر.
ونحن في هذا المقام إذ نتعرض لهذا الموضوع الهام بالبحث والمعالجة،لا ننكر بأي حال من الأحوال وجود”الجن”باعتبار أن ذلك قد ذكر في كتاب الله،ويبقى هدفنا الأساسيهوتسليط الضوء أكثر على خلفيات ومحاور هذه الظاهرة وانعكاساتها على النسيج المجتمعي،مما يؤدي إلى خلق الإنسان الساذج والمتخلف الغارق في الأوهام والمسلوب الإرادة والرؤية الموضوعية.
هل المغاربة مشعوذون أم انها مجرد تهمة تلصق بهم وتساهم في انتشارها وسائل الاعلام العربية والمحلية، ولماذا اكتسب المغاربة هذه الصفة، بحيث كلما أثيرت قضية من قضايا السحر والشعوذة في الصحافة تقود خيوطها المتشابكة في احيان كثيرة، الى مغربي او مغربية ساهما اما بشكل مباشر او غير مباشر فيها، لدرجة ان «الخبرة» المغربية في هذا المجال لا يعلى عليها واصبحت مطلوبة جدا مثل العملة الصعبة في مختلف الدول العربية.، ورغم ان الصحافة المحلية لا تتوقف عن نشر مقالات عن المشعوذين وأساليب النصب والاحتيال التي يمارسونها على ضحاياهم والتي تتجاوز الابتزاز المادي الى القتل أو الاغتصاب أحيانافإننا لم نسمع عن حملة لمحاربة هؤلاء المشعوذين الذين يمارسون «مهنتهم» بشكل ظاهر وعلى مرأى ومسمع من الجميع، بل منهم من يملك «عيادات» خاصة في احياء راقية يستقبل فيها الزبائن من مختلف الطبقات الاجتماعية مقابل مبالغ مالية تحدد حسب المنصب الذي يشغله الزبون او الزبونة.
فهل يمكن الحديث عن وجود تواطؤ ما، بين هؤلاء والسلطة، ولماذا لا تتم محاربة هذه الفئة التي تتسبب في تشويه سمعة المغرب والمغاربة؟ خصوصا اذا عرفنا ان القانون الجنائي المغربي لا يتضمن أي عقوبة من أي نوع ضد من يمارس أعمال السحر والشعوذة.
ما زالت سعاد 22 عاما، تعاني اضطرابات نفسية وأعراض اكتئاب مزمن بعد ان تعرضت لعملية اغتصاب على يد أحد المشعوذين سبق وقرر زوجها اللجوء إليه على أمل طرد “جني” سكن زوجته وقلب حياتهم الزوجية رأسا على عقب بعد شهور على دخولهم القفص الذهبي.

وبسبب انعدام لغة الحوار واختلاف البناء الثقافي بينَ سعاد وبينَ قريبها، الذي ارتبطت به وفقا لتعليمات عائلية ،سبب الكثير من المشاكل الزوجية بينهما.
تقول سعاد: “بعد الكثير من المشاكل بيننا قررَ زوجي عرضي على مشعوذ في مدينة طنجة رغم اعتراضي، وفي الجلسة الثالثة رفضَ المشعوذ أن يرافقني زوجي إلى الغرفة، وأجبرني على الاستلقاء على سرير حديدي ورشَ وجهي وجسدي بماء له رائحة العشب، وبدأ يتحسّس جسدي وهو يتلو ترانيم غريبة، وبعدَ وقت ليسَ بقصير هجمَ عليَّ واغتصبني وأنا أصرخ بلا جدوى. فلا زوجي أنقذني ولا أي من النساء اللواتي كُن ينتظرن دورهن في عيادته”.
عرافون، منجمّون، دجالون، سحرة، مشعوذون. تلك هي وجوه متعددة لعملة واحدة. بل إن الأدهى والأمرّ هو أن هاته الشرذمة من المشعوذين أطلقوا على أنفسهم مصطلح “حكيم روحاني” ويدعون المعالجة بالقرآن، إلا أن الحقيقة المؤلمة هي استعمالهم للقرآن كشماعة لممارسة طقوسهم الدنيئة وبثّ سمومهم في مجتمع اهتزّ فيه الوازع الديني والوجل من الله عز وجل من جهة، وحاصرته المشاكل الاجتماعية من جهة أخرى، فراح يبحث عن ملاذ له، فعِوض اللجوء إلى الله الذي بيده مفاتيح الكون، يلجأ العديد من أفراد المجتمع المغربي إلى هاته الشرذمة الضالة حيث استهوتهم القوى الخارقة التي تتبجّح بها من خلال معرفة المستقبل وإزالة التابعة والعراقيل وسوء الحظ في الزواج والتجارة وغيرها ومعالجة أمراض مستعصية، فتجدهم يتهافتون على المشعوذين فينفقون الأموال الطائلة لقضاء مآربهم في ما حرمه الله، و نبذه العقل ،والحال أن الكثير من المشعوذين إن لم نقل الكل يستغفلون روّادهم، فتجد بعضهم يكتبون بعصير الليمون والصمغ الأبيض على الورق ثم يدّعون أن الجان خاطبهم.
راجت عبارات كثيرة مؤخرا في المجتمع المغربي، وترددت على مسامعنا أفكار غريبة مثل كم من فتاة جاءها عريس بعد ارتيادها لمشعوذ، وكم من فلانة أصبح زوجها يحبها كثيرا والفضل يرجع لذلك المشعوذ، وكم من طالب نجح في دراسته بعد استعانته بالسحر..،.
لقيت ظاهرة السحر والشعوذة رواجا كبيرا في المجتمع المغربي خاصة في الآونة الأخيرة، إذ لم تسلم من معاناته غالبية العائلات، التي عانى أفرادها الكثير من ويلاته، فكم من ولد هجر أهله دون رغبة منه، وكم من زوجة تركت خليلها رغم حبها الكبير له، وكم فتاة أو شاب تحولت ليلة الزفاف وهي ليلة العمر إلى تعاسة وجحيم، وعاشوا معاناة كان لها أثر كبير على حياتهم اليومية، كل هذا بسبب الحقد .
شابات.. يبحثن عن الحلال في الحرام
كثيرات هن الفتيات التي فاتهن قطار الزواج و ولجن عالم العنوسة بعد تجاوزهن سن الثلاثين، فمنهن من استسلمت لأمر الواقع و لا زالت تنتظر نصيبها، و منهن من راحت تستعين بأساليب جهنمية للظفر بالرجل الذي تريده زوجا لها، و تقول في هذا الصدد السيدة مليكة ذات العقد السابع من العمر، أنها تسمع الكثير عن الفتيات اللواتي يعملن جاهدات للحصول على مقدار من الحنة التي تستعمله العروس في ليلة عرسها و أخذها إلى البحر و رميها، و ذلك بهدف جلب العريس الذي طال انتظاره، حيث تلبس العانس لباسا جديدا و تضع بعضا من الحناء على يديها و تربطها، و عندما تنزعها ترمي الصحن و و الحناء اليابسة في البحر آملة أن يأتيها العريس في القريب العاجل، فيما تصرح سيدات التقتهم (جريدة طنجة) أن هناك بعض العقاقير الطبية و البخور تستعمل كسحر تجعل قلب الشاب المسحور متعلق بتلك الفتاة التي سحرته، و يعجز عن الزواج من أخرى، و من بين هؤلاء عبد الرزاق ذو الخامسة و الثلاثين ربيعا، الذي أصيب بسحر أحدث له شللا و عجزا كبيرا عن الزواج حسب تصريح إحدى قريباته، حيث طلب يد أكثر من خمس فتيات للزواج إلا أنه سرعان ما يطلب من والدته فسخ الخطوبة بعد أيام قليلة من موعد الخطوبة، و يكون ذلك دون سبب مقنع، و هكذا حتى مضت سنوات شبابه و أقبل على الأربعينيات، ليكتشف و بصدفة لقائه مع أحد الرقاة أنه مصاب بالسحر بهدف منعه من الزواج، واضب على الرقية الشرعية إلى أن تماثل للشفاء بعد معاناة تقاسمها و أهله.

إبر في الشمع” و “حرز” لتقوية حب الأزواج
و نجد من الزوجات من يكون السحر عندها الخيار الأول بعد اكتشاف تغير تصرفات زوجها، حتى و إن كانت هي السبب في ذلك بسبب الإهمال و التقصير، فتستعين بالسحرة و المشعوذين، و ترى الكثير من النسوة يقدمن نصائحهن إلى الزوجة الضحية، و أغلب هذه النصائح لا تخرج عن إطار إرشادها نحو عراف أو مشعوذ في ناحية من نواحي المدينة، و كل واحدة منهن تقسم لها بغلظ الإيمان أن شفاءها و دواءها على يديه و أنه الوحيد القادر على شفائها، وأنه الوحيد القادر على إرجاع الزوج إلى صوابه و ترويضه و إدخاله إلى بيت الطاعة، و من بين أكثر الأساليب استعمالا لدى الساحرات لإرجاع الأزواج حسب ما روته جارة المشعوذة القاطنة بإحدى ضواحي طنجة ، غرس الإبر في شمعة، قبل ذلك طلاؤها بواسطة مادة الصمغ المستعمل في كتابة القرآن ثم الهبالة و هي حجر لونه وردي، هذه الأخيرة تهدف إلى فقد الرجل لصوابه ووعيه و يعود إلى زوجته بعد أن غادرها ، و كذلك تستعين بالحرز الذي يعلق في جذع الشجرة بحيث إذا اهتز مع هبوب نسيم عليل أو رياح خفيفة يهتز قلب الرجل الذي هجر زوجته و يعود إلى بيته، و غيرها من الاساليب الجهنمية التي تسعى من خلالها الزوجة لكسب قلب زوجها.
هكذا تتحول ليلة العمر إلى جحيم
لا تختلف قصة عبد المالك في العقد الثالث من العمر يقطن في تطوان ، كثيرا عن أمثاله من العرسان الذين ذاقوا مرارة السحر، كان مثله مثل باقي العرسان يعيش حياته كلها أمل، الى أن يصل ذلك اليوم فيتقاسم مع أهله فرحة عمره، نعم لقد حل ذلك اليوم بعد تحضيرات اشترك فيها كل أفراد العائلة، و حضر الأحباب و تعالت الزغاريد، و لكن مفعول السحر كان قويا استطاع تدمير فرح عبد المالك، و فرق بينه و بين فتاة أحلامه التي أوشك على الاقتران بها، فعندما حل موعد جلب العروس سقط العريس مغشيا عليه في الأرض وسط الحاضرين، فنقلوه إلى المستشفى ظنا منهم أنها نوبة خفيفة من شدة التعب، و لكن الأمر أضحى أكبر من ذلك بكثير فقد بقي في تلك الحالة مغمى عليه رغم أن الأشعة الطبية أثبتت صحة عقله و بدنه، فنقلته عائلته إلى راق قريب من بيتهم الذي أخبرهم بإصابته بالسحر، و تستلزم حالته وقتا طويلا لشفائه، فأصبح عرسه مستحيلا نظرا لحالته الصحية المتدهورة، ما حوّل فرحة عبد المالك إلى مصيبة كبيرة عاشتها عائلته بسبب السحر.
مختصون: سيطرة الخرافات على عقول الناس وراء الظاهرة..
أكدت الأخصائية الاجتماعية نادية.ت في اتصالها مع (جريدة طنجة)، أن القاسم المشترك بين مرتادي السحرة و المشعوذين هو الجهل و ليس الأمية، لأن غالبيتهم يملكون مستوى ثقافي معين ما تؤكده الشواهد الميدانية، و بالتالي فإن تفشي ظاهرة السحر بالمجتمع المغربي في أوساط المثقفين، يعود بالأساس إلى ابتعاد الإنسان عن دينه و قيمه و مبادئه الإسلامية، كما أرجعت محدثتنا أيضا أسباب الظاهرة إلى سيطرة الخرافات في أوساط عامة الناس، و تزايد الأمراض النفسية و العقلية في السنوات الأخيرة، فكانت بيوت المشعوذين ملاذهم الوحيد للتخفيف عن معاناتهم حسب اعتقاداتهم، و تتقدم كل العوامل السابقة الذكر.. تضيف الأخصائية.. خواء القلب من الإيمان بالله عز و جل، و في نفس السياق أشارت إحصائيات لباحث مغربي أن 52 من المائة من النساء يلجأن إلى المشعوذين، و 60 من المائة بين 20 و 30 سنة من كلا الجنسين، و 40 من المائة يملكون شهادات دراسية عليا، لتوضح هذه الإحصائيات أن الجنس اللطيف و ذوو الشهادات الأكثر استعانة بالسحر و الشعوذة.
الدين: تصديق الساحر كُفر بما انزل على الرسول محمدصل الله عليه و سلم
اعتبرت الشريعة الإسلامية السحر من أكبر الكبائر و أعظم الجرائم عند الله تعالى، و قد نهى النبي عنها في قوله:(و اجتنبوا السبع الموبقات فقيل:يا رسول الله و ما هن؟ فقال صلى الله عليه و سلم:(الشرك بالله و السحر و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أكل مال اليتيم،وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات)،و في هذا الصدد يقول السيد محمد.ت إمام مسجد في اتصاله مع (جريدة طنجة )، أن إتيان السحرة و المشعوذين و العرافين حرام، وهو من عمل أهل الجاهلية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:( من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه فيما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم)، و يضيف محدثنا أن الشخص الذي يستخدم السحر في علاجه فهو دليل على أنه يستخدم الجن و يدعي علم الغيب، و يكون ذلك باستعماله ضرب الحصى أو الودع أو التخطيط في الأرض أو سؤال المريض عن اسمه و اسم أمه أو اسم أحد أقاربه، فلا يجوز العلاج عنده، كما لا يجوز المجيء إليه و لا سؤاله لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم:(من أتى عرافا فسأله من شيء لم تقبل له صلاته أربعين ليلة) أخرجه مسلم، فيجب على المسلم أن يدع هذه الأمور التي تنسب إلى الجاهلية و يبتعد عنها كل البعد، و يحذر من سؤال أهلها أو تصديقهم، و يتقرب إلى الله تعالى بالطاعة و العبادة حفاظا على دينه و عقيدته.
في ظل تزايد أعداد أدعياء الشعوذة والفتاحين في غالبية المجتمعات العربية،والذين يستغلون نقاط الضعف الإنساني،وحالات اليأس والإحباط لدى بعض المرضى بإمكانية الشفاء من أمراضهم،ونظرا لخطورة هذه الظاهرة الغريبة،فإن الواجب الاجتماعي والإنساني يحتم على الجميع،وخاصة النخب المثقفة،من علماء وأطباء وأخصائيين اجتماعيين ووسائل إعلام..الخ،ضرورة أخذ الحيطة والحذر وشحذ الهمم،وبذل الجهود من أجل مواجهة تفشي هذه الظاهرة الخطيرة،والقضاء عليها من خلال الملاحظة والمحاسبة الصارمة لهؤلاء الذين يرجون الشعوذة والدجل في المجتمع تحت مسميات كثيرة،وعلى الجهات الرسمية أن تعي وتتذكر جيدا،أن لظاهرة الشعوذة،خلفيات وانعكاسات خطيرة جدا على النسيج المجتمعي،ولا يستعبد أن تكون هذه الظاهرة موجهة من الخارج لتحقيق أهداف خطيرة،من بينها تدمير شخصية وسمعة المغاربة أمام الرأي العام،باعتباره شخصا جاهلا ومتخلفا،يتعامل مع الأوهام والخزعبلات ويعيش في أوهام ما قبل التاريخ وبالتالي فإن الشعوب العربية لا تمثل شعوبا متحضرة لها شخصيتها الوطنية والقومية المتميزة التي تضعها في مصاف الشعوب الأخرى.