” سيرتها الأولى؟ “
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( أقلام )
الأربعـاء 30 شتنبر 2015 – 13:00:25
تؤكد إحصائيات شبه رسمية أن أزيد من ستة ملايين تلميذ و تلميذة يجري تسجيلهم سنويا في المدارس الابتدائية و الثانوية، فيما تلتحق آلاف أخرى كل سنة بمختلف أسلاك التعليم العالي.
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى مقبولا أو دليلا رقميا على حجم التمدرس، لكن الواقع أن لا أحد انتبه إلى حجم الإنفاق العمومي الذي يقود إلى تحقيق هذه الأرقام، سواء عبر الاستثمارات المتعلقة بإنشاء البنيات الضرورية أو عبر توفير الموارد البشرية الضرورية، مع ما يترتب عن ذلك من إنهاك للخزينة العامة للدولة.
لا أحد يجادل في أن الإنفاق العمومي مطلوب لتأمين حاجات المجتمع المختلفة و الضرورية، لاسيما ما تعلق منها بمجال حيوي و استراتيجي كالتربية و التعليم، و المغرب، بلدا و نظاما سياسيا، اختار لنفسه اقتصاد السوق بدل الاقتصاد الموجه، ما يفرض، بلغة المنطق السليم، أن تكون مبادئ هذا الاقتصاد واضحة في السياسات العامة للدولة، بمعنى أن الإنفاق و الاستثمار العمومي في قطاع من القطاعات يجب أن يحقق فائدة و أن يكون ذا مردودية تنعكس إيجابا على تطوير البلد و الإجــابة على أسئلة التنمية، غاية كل عاقل، و إلا فما الداعي لهذا الإنفاق العام ؟
تنفق الدولة المغربية ربع ميزانيتها سنويا على التعليم، و هو رقم ضخم بالنسبة لحالة المغرب، لكن البلد لا يكاد يستفيد شيئا من حجم هذا الإنفاق ،بسبب تدهور حالة التعليم و تحوله إلى بئر عميق “تُهدر” فيه الأموال العامة دون أن يُنتظر منه طائل، عدا تخريج أفواج جديدة من “المعطلين” كل موسم، و توظيف موارد بشرية جديدة كل سنة ليست بالضرورة مؤهلة تمام التأهيل للقيام بمهام التربية و التعليم كأساس ضروري لبناء صرح التقدم والتطور.
في السنوات الاخيرة، صارت السلطات التَّعليمية تَهْتم بتَحديد ما صـارَ يُعرف لدى رجال التعليم بعتبات الانتقال من مستوى تعليمي إلى آخر، و مضمون هذه “البدعة” أن إدارة التعليم، تفاديا لرسوب جميع التلاميذ أو أغلبهم في مستويات التعليم الابتدائي، نهجت سياسة تشبه سياسة “تخفيض” أسعار الأدوية التي اعتمدتها وزارة الصحة، و بدل أن ينتقل التلميذ من مستوى دراسي إلى المستوى الذي يليه، بعد حصوله على المعدل السنوي المعروف، فإنه صار الآن يتمتع بـــ”تنزيلات هامة” نهاية كل سنة دراسية، و يكفي أن يجتاز التلميذ الاختبار حتى يتمكن من الانتقال، و لا يهم بعد ذلك إن كان قد حصل على نقط و معدل رقمي يسمح له بذلك أم لا.
يبدو أن الحكومة،”سدد الله خطاها”، قد اكتفت في موضوع التعليم العمومي، بكل فروعه المتدلية، بنظرية “الشفوي الصامت”، أي أنها طيلة مدة الولاية لم تقدم شيئا من شأنه أن يشخص الأدواء التي يُقاسيها التعليم، تمهيدا لاتخاذ قرارات ملائمة و كفيلة بإبعاد هذه العلل، و الرفع من مكانة التعليم و تجويد أدواره، و هل سنتجح الحكومة، في العودة بالمدرسة ،فقط و فقط، إلى “سيرتها الأولى”؟