حكاية رحلة
جريدة طنجة – عبد المجيد الإدريسي (.أقلام.)
الخميس 17 شتنبر 2015 – 12:53:53
كان محمد بن عثمان المكناسي (1799م)، سفيرا “مفوضا فوق العادة ” . يرجع الفضل كل الفضل في ذلك للأستاذة الدكتورة مليكة الزاهدي ، التي أخرجت النص من الرفوف ” البدر السافر لهداية المسافر إلى فكاك الأسارى من يد العدوِّ الكافر ” . وصف حضارة مملكة نابولي و العمران و الجَمال بها .و عن مصالح المراكب بها ، وهم الإيطاليون الذين يطوعون البحر و الأروبيون في غياب عن المغاربة . لم يكن للمغرب آنذاك خريجوا الجامعات كما كان لأروبا لتعيينهم سفراء و قناصل ( الهيئات الديبلوماسية) ، بل كان للمغرب شخصيات مختارة لهذا الغرض .
بينما كان لأبي القاسم الزياني صفة المخزني، إذ نلمح الفرق بينه و بين ابن عثمان في خطابهما في الكتابة و في الترجمة التي جمعت بين السيرة الذاتية و الأدبية . إلا أننا نتعرف على أحول المغرب من خلال هذين المثقفين في نصوص كانت مخطوطة ، حيث كان محمد الفاسي سباقا لنشر الرحلة إلى إسبابيا في فكّ الأسير . أصبحت لابن عثمان صفة الفكاك أكثر منها كسفير ، رغم صعوبة الاختلاف في القوانين و الجنس و اللغة ، استطاع أن يفكَّ أسارى المسلمين بمالطا ، ولم يكن من بينهم مغربيا واحدا بل كان أغلبهم من الجزائريين. و رغم كل ما يحمله مما يقاسي الناس من أهواله . إنَّ خطابه كان خطابا مميَّزا. إلا أنَّ الأمر لم يخل من فتنة التشويش و الحسد من الماكرين ، وهو من بين العدول المرافقين له إذ لا يفتأ يتحدث عن هؤلاء وهم مغاربة ، و يحملهم عرقلة مهامه بطلب من الجزائريين ( الفتنة الكبرى ) .
جزيرة مالطا لعبت دورا مهما في القرصنة البحرية إذ كان هذا النشاط يُسقط الأسرى العرب في عشها و شباكها . أبحاث الطهطاوي و تمدروسي و الغسّال و الصفار يجعل من هذه النصوص على غرار نصوص ابن عثمان المكناسي (الأنتروبلوجي و السردي ) ليفتح النص عن فقهية النصوص من صيام و صلاة للأسير وهو محكومة بضوابط شرعية في سياق الزمان و المكان و الظروف في مالطا تحت الحجر الصحي الذي خضع له المكناسي بها ، بينما الزياني رفضه في الجزائر . ابن عثمان المكناسي تمَّ له عقد صلح ” أران خويس ” بتاريخ 30/5/1780للميلاد في رحلته الأولى لإسبانيا حيث كانت بيده خيوط الديبلوماسية المغربية . و عند غضبة اليزيد عليه مكث عامين أو ” ثلاث ” بإسبانيا . مالطا و نابولي و أسبانيا هم من بين الدول الأروبية التي قالت إنها فقدت شخصية ابن عثمان المكناسي صديقا عزيزا .
حدث مرة أن قرصن المغاربة باخرة مالطية مطالبين المالطيين بإطلاق الأسرى العرب عوض تسليمهم السفينة و لم يتوفقوا في ذلك .
إلى أن ابتدِع فِكر الأنوار (في القرن الثامن عشر ) بتوجه إنساني يدعو إلى تحرير النساء و الشيوخ و ذوي الأعذار دون شروط ،استفاد منه 1359 أسير و 1500 آخرون في مالطا. على لسان عبد الله العرْوي ، من المفارقة بين ضفتيِْ المتوسط في القرن الثامن و التاسع عشر ، أنَّ التجارة في المغرب كانت تتخذ من وسائل النقل ، الجمال و البغال ، في عدم وجود طرق المواصلات و لا طبعا السكك الحديدية ، حتى قيل إنَّ السفر يعدُّ قطعة من النار . شقاء و عذاب للمسافر من طنجة إلى سبتة ، إذ الرسالة كانت تتدحرج لتصل من هذه الأخير إلى الرباط في مدة 13 يوما ، إن هي بلغت هدفها ، في أجواء من اللاأمن و اللاأمان ( السيبة) . بينما لأروبا كان لها بريد منتظم و شبكة من طرق المواصلات معبدة و على جوانبها أشجار تظللها . و لها أيضا أسطول بحري و شبكة من السكك الحديدية ” رائدة ” في عصرها على المدن التي يتمُّ إنشاؤها .
كما وصف ذلك ابن عثمان و بعض السفراء لإسبانيا و لنوعية “الحداثة” و التطور الذي كان ينمو بها . كان من مهام السفراء أن يصفوا ما لمسوه من تقدم عمراني بدَلالة لغوية لمصلحة بلدانهم . إذ ما هي الأسباب التي تعمدها بعض من السفراء المغاربة بعدم أخذ النمودج الأروبي و الاقتداء به ليرقى المغرب سوية إلى مصاف القطر لإسباني، خصيصا، و لهذا الأخير أكاديمية عسكرية وهي المؤسسة التي انتصر بها في حرب تطوان سنة 1860م على جيش “الحرْكة المغربية ” المتخلف عن زمانه . و قبل ذلك معركة إسلي سنة1844م . حتى من جملة الأوصاف التي كانت متداولة أيامئذ : سجن المؤمن و جنة الكافر ، ثمَّ ما مدلول ، دار الإسلام و دار الكفر ، “كعلة للتخلف ” إن لم تكن هذه إلا على لسان الأنانية العنيفة .
أبناء الحضر من المدن المغربية كمراكش و فاس و مكناس و تطاون و طنجة ، اشتهرت بثقافة السياحة و الديبلوماسية على نمودج “ابن بطوطة ” “ماركوبولو”. هذه الأخيرة كانت عاصمة “موريطاني طانجيطال” أيام حكم قياصرة الروم . أبناؤها يجوبون بلاد السند و الهند بعد أروبا و الصين و روسيا و الأمريكتيتين ثَم أوقيانيا(أوستراليا) . حتى إنَّ بعضا منهم استوطنوا أقاصي بلاد العالم و انصهروا في مجتمعاتها . من بين هؤلاء شخصية الحاج الحسن القصري الطنجاوي ، (النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى النصف الأول من القرن العشرين ). جال و جاب في مناحي الحياة و استوعب في رحاله و ترحاله لغات عديدة من بينها اللغة الروسية .
دوَّن طبائع أممها و عاداتهم و حضارتهم العمرانية ، بمشاهدات حية لذكرياته التاريخية و الأدبية و معايشته لأفكارهم من المعاني و المعلومات المجتمعية ، و آثار شعوبها . بعد رحلات اخترق فيها أبعاد و آفاق المعمور . استكشف أغوار العالم و استجلى أسراره بتسجيل انطباعات في مختلف البلدان من أشكال العيش . أهَّلتْ شخصية الحاج الحسن القصري الطنجاوي ، بعد عودته إلى مهده بطنجة أن يصبح مترجما أول ، مستقبلا الشخصيات الديبلوماسية و العالمية التي حلت بمدية البوغاز و كانت فعلا مدينة الأنوار . طنجة عاصمة الديبلوماسية و التجارة العالمييْن .
تضج بالقناصل و السفراء و الرأسماليين ، منهم “باربارا هوتون ” التي أنشأت بمعية الحاج الحسن القصري قصرها بحومة ” أمْراح ” الذي يعدُّ الآن من متاحف الخواص الناذرة بطنجة الغراء . على الباحثين في سلكيْ الماستير و الدكتوراة من المغاربة أن ينكبوا على التنقيب عن كنوز بلادهم لشخصيات مغربية عصامية عالمية صنعت تاريخ أمجاد الأمة ، أنْ ينفضوا عليها غبار النسيان و أنْ يخرجوا نصوصها من الرفوف أسوة بالأستاذة الدكتورة مليكة الزاهدي ….
من نُظم الشاعر الإمـام الشـافعي رحمه الله :
سافر تجد عوضا عمن تفارقه ~ و انصب فإنَّ لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده ~ إن ساح طاب و إن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست ~ و السهم لولا فراق القوْس لم يصب

















