تـاريخ المدرسة الجديدة بمدينة “سبتة”
جريدة طنجة – تأليف: رشيد العفاقي (عرض: عدنان الوهابي)
الأربعاء 16 شتنبر 2015 – 13:05:19
وقد احتلت مدينة سبتة مكانة مرموقة في هذا الإطار منذ عهد الرومان باعتارها حاضرة موريطانيا كلها، واستمر نموها وتطورها في العهد الإسلامي، كما جاء في كتاب “بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة في الدولة المرينية من مدرس وأستاذ وطبيب”(1)، وكتاب “اختصار الأخبار عما كان بسبتة من سني الآثار” لمحمد بن القاسم الأنصاري السبتي (2)، وكتاب “الفنون الستة” للقاضي عياض، وكتاب “الكوكب الوقاد فيمن حل بسبتة من العلماء والصلحاء والعباد” لمحمد بن أبي بكر الحضرمي.
ويمكن الوقوف على المكانة الاقتصادية والعلمية لمدينة سبتة من خلال الأخبار الواردة في هذه الكتب، فقد كانت تشتمل على أزيد من ألف مسجد وسبع وأربعين زاوية وأربعة وسبعون ومئة سوق وستون وثلاثمائة فندقا.. وغير ذلك من المعالم التي تشهد على عظمتها ورفاهية سكانها.
ومن دلائـلِ هذه الرّفـــاهية ما رواه الحسن الوزان عن اشتمالها على أملاك فخمة وديار في غاية الحسن لا سيما في مكان يدعى بنيونس لكثرة ما غرس به من كروم (3).
و قــال في وصفِهــا “وكان فيها كثير من الجوامع والمدارس والعديد من الصناع ورجال الأدب والفكر. وكان فيها نحاسون مهرة يصنعون الشمعدانات والأطباق والمحابر وغيرها، وكانت هذه المصنوعات تباع كما لو كانت من فضة وقد رأيت منها في إيطاليا”(4).
وتتجلى المكانة العلمية لسبتة في ما أنجبته من علماء في مختلف ميادين المعرفة، وفي ما عرفته مساجدها وجوامعها ومدارسها من نشاط علمي وتدريس لكل العلوم والفنون.
قـراءة في الكـتـاب
وفي إطار رصد الحركة العلمية والأدبية بمدينة سبتة والتعريف بمراكز الدرس والتحصيل فيها، صدر عن مطبعة المعارف الجديدة بالرباط كتاب من الحجم المتوسط للمؤرخ الشاب رشيد العفاقي يحمل عنوان “تاريخ المدرسة الجديدة بمدينة سبتة” يروي فيه تاريخ المدرسة الجديدة التي أمر ببنائها السلطان أبو الحسن علي بن أبي سعيد المريني في أواسط القرن الثامن الهجري، فكانت من المؤسسات الرسمية التي شكلت حصنا للعلم والمعرفة بسبتة الإسلامية لمدة تنيف على سبعين سنة.
وقد قسم المؤلف الكتاب إلى ثلاثة فصول:
*الفصل الأول: المدرسة الجديدة بسبتة في عصرها الإسلامي (747هـ ـ818هـ) وخصصه المؤلف للحديث عن تاريخ تأسيس المدرسة و ـبنـائهــا ووصف مَعــالمها و بنـايـاتهــا والتَّعريف بهَيْــأة التدريس فيها. فــأشارَ بداية أنه لا يوجد في المصادر التاريخية ما يفيد بمعرفة تاريخ الإنشاء، وهذا ما دفع الكاتب إلى البحث في المراجع التاريخية الغربية ليتمكن من العثور على إشارة للمؤرخ البرتغالي ماسكارناس في كتابه “تاريخ سبتة” ـ ألفه عام 1648 ـ أنه وقف على قطعتين رخاميتين للمدرسة منقوش في إحداهما تاريخ الفراغ من بنائها وهو يوم عيد الأضحى من عام (747هـ).
أما معالمها فهي لا تخرج عن طريقة بناية المدارس في العصر الوسيط، إلا أنها بنيت في غاية الاتقان والروعة وتجلن فيها جمالية الفن المعماري المغربي الأصيل فهي تحتوي على مسجد بديع الصنعة، أما هيئة التدريس فيها فاعتمد المؤلف في حصرها والتعريف بها على صاحب بلغة الأمنية أبو بكر الحضرمي لأنه الوحيد الذي أمكنه أن يعرف من أحوال أساتذة المدرسة ما لم يعرفه غيره، وخصوصا أن من بينهم من كان شيخه.
وبما أن الدروس كانت تعتمد على الإقراء فقد وجد الأساتذة ضالتهم في خزانة المدرسة التي وفرت لهم أساس المادة العلمية التي كانوا ينثرونها على تلامذتهم ويختم المؤلف فصله بالحديث عن المضيأة التي تتميز بالإبداع وإحكام البناء.
* الفصل الثاني: المدرسة الجديدة بسبتة تحت الاحتلال البرتغالي والإسباني (1415م ـ 1891م).
و وصف فيه الباحث النكبة التي لحقت المدرسة بعد الاحتلال البرتغالي لسبتة سنة (1415م)، وفقد استيلاء رجال الكنيسة عليها وتحويلها إلى دير للرهبان الثالوثيين وظلت كذلك إلى أن دمرت أواخر القرن التاسع عشر، وكانت مهمة الرهبان الثالوثيين هي افتكاك الأسرى المسيحيين من بلاد المغرب وخصوصا في مدينة تطوان لأنها هي أقرب مدينة مغربية إلى سبتة والانتقال من سبتة إليها سهل ومتيسر.
ومن أشهر عمليات افتكاك الأسرى تمثيل الرهبان الثالوثيين الملك البرتغالي في مفاوضات افتداء الأسرى المسيحيين في معركة وادي المخازن. ويشير الباحث رشيد الغفاقي في هذا الفصل إلى أن بناء المدرسة المرينية ظل محتفظا بجل معالمه المعمارية حتى سنة (1891م) حيث قضى أحد التصاميم الحضرية الجديدة لمدينة سبتة بتدميرها، ليتم تسليم القطع المتبقية منها إلى متحف مدينة قادس.
* الفصل الثالث: الآثار الباقية من مبنى المدرسة الجديدة بمدينة سبتة.
ويفصل فيه الكاتب القول في بعض الآثار التي نجت من التدمير والضياع من المدرسة الجديدة السبتية بفضل نقلها إلى متحف قادس وقد تولى المتحف المذكور تسليم بقايا المدرسة العربية إلى متحف سبتة في أواخر القرن العشرين وتشمل على ثلاث سواري صغيرة من المرمر مع تيجانها، وخمسة سواري كبيرة أيضا من المرمر بعقودها ورؤوسها وكتاباتها العربية، وبوقال بئر يشتمل دوره الأعلى على كتابات، مع ست لوحات من خشب السقف، وثمانية عشر لوحة خشبية، وثلاث مرافع أقواس، اثنان مزدوجتان، وفي الأخير خمسة أنسجة كانت تشكل بطانة سقف مسجد ودور البهو العلوي، ومثله نسيج كان يشكل سقف مرفق آخر في ملك البلدية.
وقد اعتمد الكاتب في عرض وتحليل بقايا المدرسة على ما أنجزه المؤرخ الإسباني برخيليو مرتنيث إينامورادو الذي انجز دراسة قيمة تعتبر نموذجا لما ينبغي أن تكون عليه دراسة الأثر الإسلامي.
إن هذا الكتاب هو ثمرة مجهود محمود بذله المؤلف رشيد العفاقي في التعريف بحاضرة سبتة أعادها الله إلى دار الإسلام، هذه المدينة المتألقة في مجال العلوم والآداب التي كان لها دور في إثراء الفكر الإسلامي، واعتبرت منارا للعلم والآداب ومهدا للفضل والصلاح.
1ـ المؤلف مجهول ـ تحقيق محمد بن تاويت ـ مجلة تطوان 64/9
2 ـ تحقيق عبد الوهاب بن منصور ـ المطبعة الملكية 1969
3 ـ وصف افريقيا ـ للحسن بن محمد الوزان ـ تحقيق محمد حجي ومحمد الأخضر ـ ص 317 ـ الطبعة الثانية / 1983 ـ دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
4 ـ وصف افريقيا ص 317