الغشّ ..
جريدة طنجة – عزيز گنوني (.العمود الرئيسي.)
الإثنبن 15 شتنبر 2015 – 16:35:00
وفي حديث آخر “من غشّنـا فليس منّـا” (رواه مسلم)
الغشُّ ليس على سُنن وصَفــات المُسْلمين ، إنّــه نَقيض النُّصْــح و نــوع من أنواع الخيـانــةِ. “فـلا إيمــان لمن لا أمـانــة لــهُ”. الغشّ إخـفاء الـواقـع وإظهــار نقيضه، أو إخفاء العيب أو تزيينه بحيث لا يمكن التعرف على أصله، بواسطة التدليس والخداع. “شر الناس من يغش الناس” (علي ابن أبي طالب).
ولا حَرج في أن نَقــول إن الغش صرف من صروف التعامل بالمغرب الذي شهد، منذ استقلاله، “ملحمات” من الغش الذي كان منها فضيحة “الزيوت المسمومة” التي تفجرت سنة 1959، حين عمد غشاشون مجرمون مغاربة إلى مزج زيوت محركات الطائرات الأمريكية بنسبة 67 بالمائة، بزيت المائدة، زيت الزيتون، وأطلقوا علة “منتوجهم” الجديد، “زيت الغزال” الذي انتشر بسرعة البرق في العديد من جهات المغرب، وسرعان ما بدأت تظهر على المستهلكين أعراض الشلل التام، ليفوق أعدادهم العشرين ألفا، لا زال بعضهم يطالب الدولة بحقوقه.
فضيحة الـزيـــوت المَسْمومة كـانت بحـق فضيحة وطنية، بل دولية، استوجبت تدخل منظمات عالمية لمحاولة استجلاء أعراض هذا المرض “الغريب” الذي روع آلاف السكان وحير المسؤولين المغاربة، آنذاك، عن الصحة العمومية.
ورأينا كيف تمت عمليات اكتشاف المواد الغذائية المغشوشة والفاسدة، خلال شهر رمضان الأخير. مواطنون مغاربة مسلمون وصائمون لله في ذلك الشهر الفاضل، يقدمون لأخوتهم في الله والوطن، لحوما فاسدة وأسمك فاسدة ومواد استهلاكية أخرى فاسدة وعصائر ومشروبات غير صالحة للاستهلاك، طلبا للربح السريع الوفير، ضدا على صحة وسلامة مواطنيهم.
وكثيرا ما طلعت علينا أخبار صحافية تفضح العثور على لحوم الحمير في إعداد النقانق على أنها لحوم بقر، بل عثر، أكثر من مرة، على رؤوس حمير وكلاب في صناديق القمامة العمومية….
مناظر مقززة للحوم حمراء وبيضاء وأسماك مثلجة، مرمية على الأرض في مستودعات غير صحية، تباع بالجملة لأصحاب التقسيط، وخاصة لأصحاب الأكلات الخفيفة، في مختبف المدن المغربية.
وقد نشرت، مؤخرا، إحدى الصحف الوطنية تحقيقا حول مادة ، صُنع صيني، تـ “شرمَل” بها اللحوم الفاسدة، لتعود إليها طراوتها “المصطنعة” ولونها الأحمر القاني الجذاب !… وبالرغم من قيام الجريدة باستفسار المعنيين ، بل والمستعملين، مباشرة، لهذه المادة التي اتضح أنها معروفة جدا من طرف الجزارين، فإن أي بيان في الموضوع لم يصدر عن وزارة الصحة ولا عن مكتب. كما أنه صار معلوما أن العديد من مواد الاستهلاك المعلبة والمصبرة، المهربة من مدينة سبتة، مواد غير صالحة للاستهلاك، أو يقع التلاعب بتواريخ صلاحيتها، فإن هده المواد توجد، وبوفرة، في أسواق المغرب، من “كاسطييخو” الفنيدق إلى باب دكالة بمراكش !!!….
السلامة الصحية الذي لا نسمع عن “مغامراته” إلا أيام رمضان !…..
وخلال الأسبوع الماضي، فجر المكتب المركزي للأبحاث القضائية، فضيحة غش كبرى تتعلق بترويج مواد غذائية فاسدة، غير صالحة للاستهلاك البشري وتشكل خطرا حقيقيا على صحة وسلامة المواطنين.
وقد تمكنت عناصر المكتب من الوقوف على مجموعة من المخازن السرية في طنجة، خاصة بمنطقة بني مكادة والعوامة لا تتوفر على أبسط قواعد السلامة، ومنها يتزود بعض باعة الأكلات الخفيفة بكميات من لحوم الدواجن الفاسدة ، مصدرها “شركة” مختصة في تربية الدواجن وبيع لحومها، ومشتقاتها، إضافة إلى أحد المزودين بمدينة سلا.
الجشع والطمع في الربح السريع المريح، دفع بأصحاب الشركة المذكورة إلى خلط لحوم دواجن فاسدة وغير صالحة للاستهلاك مع بقاياها وعظامها باستعمال آلات خاصة ومزج الخليط بتوابل ومنكهات كيماوية يتم استقدامها من سبتة، دائما، دون أدنى اعتبار لآثار هذه العملية على صحة وسلامة المستهلكين.
تحريات المكتب المركزي للآبحاث القضائية تمكنت بسرعة من توقيف تسعة أشخاص بكل من طنجة والعرائش وسلا، بعد أن ثبت ضلوعهم في هذه الفضيحة الكارثة، أخضعوا للبحث في إطار الحراسة النظرية، قبل عرضهم على القضاء الذي سوف يتخذ في حقهم العقوبات التي يستحقونها، ليكونوا عبرة لسواهم من المفسدين والغشاشين، والخلبة والنصابين والماكرين والمدلسين.
ومعلوم أن القضاء سبق أن أصدر ، سنة 1960، أحكاما بالإعام في حق خمسة أشخاص ممن ثبت ضلوعهم في فضيحة الزيوت المسمومة بمكناس، والمؤبد في حق ثلاثة منهم. ومتع 12 بالبراءة.
وصدق من قال:
ولا ترجع الأنفس عن غيها .. ما لم يكن منها لها زاجر
“فطوبا لمن خلا من الغل .. صدره وسلم من الغش قلبه” !……
انتخـابــات : لا ديمقراطية حقيقية مع الجَهْل والفَقْر ..
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com