“إلياس رئيسا للجهة”
جريدة طنجة – (..)
الثلاثاء 21 شتنبر 2015 – 11:50:00
خلال فترة الثمانينات انتبهَ الـرّاحل الحسن الثاني، كرجُـل دولـة و قـانـون من الطِراز الـرَّفيــع، إلى أهمية مُعـالَجــة مـوضــوع الجهـويـة و النَّظَــر إليْهــا كـأسْلــوب ديمـوقــراطي في التَّدْبير السِيــاسي للبلد و إدارته وفْـَق منْهــاج يتَجــاوَز أسْلــوب المَرْكَــزية المُطلَقة، بل إنّـه أبْدَى، في إحدى خُطبهِ، إعْجـابــه و تــأثُره بـالتّجْـربة الألمـــانية في موضوع “الجهوية”، ولم يجد العاهل المغربي مانعا في التمرد على الأنموذح الفرنسي الذي ظل على الدوام مرجعا “أدبيا” للمشرعين و الساسة المغاربة، و الاستئناس بالتجربة “الجرمانية” في موضوع “الجهوية”
عاهل البلاد محمد السادس لم يتراجع عن خيار الجهوية الذي انخرط فيه المغرب منذ عهد الحسن الثاني، بل إنه اتجه نحو مأسستها و إعادة بنائها بصورة تُضمنُ من خلالها وحدة البلاد السياسية و دون إخلال بطموحاتها في تحقيق تنمية اقتصادية و ثقافية متوازنة تعتمد، وفق الدستور المغربي، على مبدأ دستوري جديد اسمه: التدبير الحر.
هكذا انتقل المغرب إذاً من بلد يضم ستة عشر جهة، دون اختصاصات تُذكر، إلى بلد يتشكَّلُ من اثنتي عشر جهة تحت وضع اعتباري اكثر تقدما و بقانون تنظيمي يمنحها مزيدا من الاستقلالية و الحرية في اتخاذ القرار و دون وصاية ثقيلة من جانب الإدارة المركزية.
لقد خلَّف النقاشُ حول مشروع الجهوية،كأسلوب ديموقراطي في الحكم و ما يرتبط به من إشكالات تنظيمية و سياسية و قانونية، نقاشا “متواضعا” و لم ينتج أفكاراً من شأنها أن تخدم المشروع ، و بما أن هذا النقاش كان محصورا بين نخب محدودة، ينتمي اغلبها لصنف “الحداثيين”، باعتبار أن ” اليمين التقليدي” ابعد ما يكون عن التوجهات الحداثية، و من بينها مشروع الجهوية كمفهوم حداثي، فقد كان بالضرورة منطقيا أن تؤول اغلب الجهات الإثنى عشر إلى تنظيم سياسي يحمل صورة ” الجرار” شعارا له.
إن الطبيعة الجديدة للتجربة الجهوية المغربية فجرت صراعات ضارية بين التنظيمات الحزبية المتنوعة لاحتلال كراسي الرئاسة في هذه الجهات، بينها من ناضل حقيقة من أجل المشروع الجهوي، ومنها من ركب الموجة دون أن تكون له القدرة على تفكيكها و النظر لما بعدها.
قد يختلف أكثر من واحد حول طبيعة المشروع السياسي الذي يخطط له العماري، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن هذا الرجل شجاع ،فقد حدث ذات يوم من أيام الثمانينات أن نهض إلياس يخطب في جمع من التلاميذ بالساحة، إلى درجة أن مدير الثانوية، الذي لم يكن سوى والد رئيس بلدية الحسيمة الحالي، أعجب بهذا الفتى الخطيب المفوه، و تنبأ له باسما بمستقبل زاهر في السياسة، و يبدو أن توقعات الرجل صدقت و انتخب إلياس رئيسا لواحدة من جهات المغرب.