أمهات عازبات
جريدة طنجة – سُميّة أمغار (.أقلام.)
الأربعاء 16 شتنبر 2015 – 12:03:18
الأطفال المتخلى عنهم بالمغرب، من طرف “أمهات عازبات” وقعن في المحظور ، فاق عددهم المليون، خلال العقد الأخير، ما بين من يلفظون أجنة، ومن يتنفسون لدقائق قبل أن يختنقوا وسط الأزبال والقاذورات، ومن كتبت لهم الحياة، يعيشون حياة الشوارع الإهمال والإقصاء والتشرد !!!..
حقيقة إنه وقع بعض التحول الإيجابي في عقلية المجتمع المغربي بخصوص “الأمهات العازبات”، خاصة في المدن، بفضل الزخم الإعلامي الذي “عولم” طريقة تفكيرنا وصياغة أحكامنا، بحيث أن ظاهرة “الأمهات العازبات” خرجت من نطاق المسكوت عنه وتجاوزت الخطوط الحمراء حتى صار الحديث عن هذه الفئة من المواطنات لا يثير أدنى حرج، وخرجت المعنيات بالأمر للعلن، وأصبحن يطالبن بتفهم المجتمع وبنوع من الاعتبار لأوضاعهن والاحترام لإنسيتهن.
وحتى إذا أظهرت الدولة عجزها في حل إشكالية “الأمهات العازبات” أو اتخذت بعد الاصلاحات على مدونة الأسرة، بحذر كبير، مخافة أن تقع في المحظور ( ! ) فإن منظمات أهلية عدة، خرجت للوجود، بإمكانيات ضعيفة، ولكن بإرادة قوية، لاحتضان “الأمهات العازبات” وأطفالهن، ورعايتهن ومساعدتهن على الاحتفاظ بأطفالهن بتوفير بعض شروط العيش الكريم لهن ولأطفالهن.
وشيئا فشيئا، بذأت الغِشاوة تنْجَلي عن أعيُن من كان بهم مرض، بعد أن أيقنوا أن الخطأ من طبيعة الإنسان، وانه من الفضيلة أن يعمد الإنسان إلى إصلاح خطأه بدل التمادي فيه مع ما يترتب عن ذلك من أضرار وأخطاء.
والناظر إلى عمق مشكل الحمل الناتج عن علاقة جنسية خارج إطـــار “العقد” الذي يوثقه “عدلان أملحــان” قبل أن يضع عليه الفقيه “فسّاسته” يجد أن من أسباب ذلك الفقر والجهل ومعاملة الأسرة ثم تدخل على الخط تلك الذئاب البشرية التي لا ترى في الأنثى سوى لحظات متعة جسدية، يعقبها تنكر جارح للفعل وعواقبه، دون اكتراث بمصير الفتاة التي تجد نفسها في دوامة من الخوف والحزن والقلق ، أمام مصير مجهول، مظلم ينبئ بالكوارث !
وتتكرر المأساة حين تنجح هذه الفتاة إما في التخلص من الجنين، أو في الحصول على من يتبناه أو من “يشتريه” ، ففي البلد سوق رائجة لتجارة الرضع، وقد تظهر ، في الصحافة، بين الفينة والفينة، قضية من هذا النوع تثير “اشمئزاز” المجتمع، كما حدث، مؤخرا، في أحد مستشفيات طنجة، وحين تحصل على عمل في بيت من بيوت “المرفهين”، تسقط في “تحرش” صاحب الدار، ثم أبنائه من بعده، ثم تطرد شر طردة، مخافة أن يفتضح أمرهم معها وتغلق الباب وراءها لتفتح باب الدعارة على مصراعيها أمامها، وتحصل الطامة الكبرى….حيث يتعدد الحمل وتتعدد الولادات وتتكاثر أعداد أطفال بلا اسم ولا هوية ولا نسب ولا أهل، تتلقفهم الشوارع لتجعل منهم ما نراه اليوم في شوارعنا ودروبنا مما لا يبشر بخير، إطلاقا !!!….
“الأمهات العازبات” لسن بالضرورة فتيات فقيرات ، غير متعلمات، ولسن في معظمهن خادمات بيوت، فغالبا ما تحدث العلاقة الجنسية خارج “التعاقد الشرعي” عن طريق الإغراء أو الوعود أو العنف أو الابتزاز. كما تحدث بسبب المحيط العائلي حيث لا تجد الفتاة مجالا لإبراز شخصيتها وفرض احترام كرامتها، وتوجد أيضا حالات يتم فيها الترابط الجنسي بمحض إرادة البنت دون ضغط ولا إكراه، ولكن بالرغبة في الأمومة، خاصة بالنسبة للفتيات اللائي يتقدم بهن السن بعض الشيء، أو أن يهرب عنها خطيبها بعد قراءة الفاتحة، ويكون قد أخذ منها وطره، فتسقط في المكروه، ومن الأمهات العازبات أيضا تلميذات وطالبات أقمن علاقات جنسية مع زملائهن نتج عنها حمل بما يحمل من كوارث !!… وكثيرا ما يطردن من بيت الأسرة …والحالات متنوعة كثيرة.
ويحدث أن ترتبط فتاة بفتى ويصير الحمل فتهرب من بيت أسرتها، وإلى الأبد، لتتدبر حالها كما تستطيع، إن بالحصول على عمل كخادمة بيوت، أو بممارسة الدعارة وهو السبيل الأسهل للحصول على المال، أو، وفي أحسن الحالات، بالفوز بموقع قدم داخل مركز لاحتضان الأمهات العازبات.
وفي غيبة عن إحصائيات دقيقة، فإن التقديرات المتوافرة تدل عن تنامي أعداد الأمهات العازبات بالمغرب بمعدل من 18 إلى 20 ألف سنويا، يتراوح سنهن ما بين 18 و 30 سنة.
ورغم ضغط ظاهرة “الأمهات العازبات” على المجتمع ، فإن “المؤسسات” تتناول هذا الموضوع في إطار الحذر “الشرعي”….ولكن الحل ، وإن جزئيا، سرعان ما جاء على يد الجمعيات الأهلية التي جعلت من أهدافها الأساسية، رعاية الأمهات العازبات ورعايتهن هن وأطفالهن، ومساعدتهن على مواجهة تكاليف الحياة. أولى هذه الجمعيات كانت بمبادرة من السيدة الفاضلة عائشة الشنا “جمعية التضامن النسوي” التي اقتحمت بها، منذ خمسين سنة، قلعة النفاق المجتمعي، ووضعت الأصبع على مكامن الخطأ والخطر، وأفهمت من في قلوبهم مرض وعلى أبصارهم غشاوة، أن علاقة جنسية بين ذكر وأنثى في سن المراهقة، ليست نهاية العالم، وأن الحل ليس في توزيع صكوك الإجرام والاتهام، بل في البحث عن الحلول وعدم ممارسة سياسة النعامة، بينما الواقع فاضح من حولنا ، يسائل ضمائرنا ويطالبنا بالرحمة والرأفة بفئة منا، “أخطأت” في أعين البعض من بيننا، والخطأ هنا نسبي، بحسب الزمان والمكان وتغيرالمفاهيم والعقليات ….
على الدولة أن تقيم مراكز لرعاية “الأمهات العازبات” وأطفالهن وهم اليوم فوق المليون مغربي، بدون هوية ولا نسب ، بل يشار إليه بتعبير “س ابن س” أي “مجهول ابن مجهول”، كما أنهم لا يستطيعون ولوج التعليم، ولا الخدمات الطبية والاجتماعية الأخرى، لاهم ولا أمهاتهم .
إن رعاية الأمهات العازبات مسؤولية وطنية، تفرضها المساواة بين جميع المواطنين، بحكم الدستور، ثم إنها مسألة إنسانية، يجب أن يتجلى بشأنها الشعور بالتضامن الوطني إزاء فئة من المواطنات جرت بهن أقدارهن بما لا يشتهين، ووقعن في المحظور، فحق مساعدتهن على إصلاح الخطأ وعلى التوبة التي لا تقفل بابها إلا حين تشرق الشمس من مغربها.
“”قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم” (سورة الزمر).
أطفال “الأمهات العازبات” يتحتم معاملتهم بإحسان، وعدم القسوة عليهم، ووضعهم تحت رعاية عائلات مسلمة وعدم تحميلهم وزر والديهم. “كل امرئ بما كسب رهين” (سورة الطور)، أي مرتهن به “ولا تزر وازرة وزر أخرى” (الأنعام) أي أن الانسان لا يؤخذ بفعل غيره .
والتجارب دلت على أن من بينهم من استطاعوا أن يتخطوا “إعاقتهم” النفسية، ليثبتوا ذواتهم، ويحققوا نجاحا باهرا في دروسهم بشهادة السيدة عائشة الشنا التي أكدت أن من بينهم اليوم مثقفون كبار ومهندسون وأطباء ناجحون….فقط لأنهم وجدوا من يقف بجانبهم ويرعاهم ويوفر لهم سبل النجاح في الحياة. وسينعم الله عليهم بدخول الجنة، إذا ماتوا على الإسلام.