مطالبة للحموشي بالتحقيق في قضية شرطي “فاضح للفساد” بالعرائش

لازالت مُتابعة الشرطي عبد القادر النخشى قضائيا تواصل إثارة الجدل وسط الشارع العام بمدينة العرائش، مفلحة في إثارة البصم على انقسام بين أقلية صامتة وأغلبية مستنكرة لما تعتبرها “مضايقات تعرض لها عبد القادر طوال ثمانية أشهر”، لا لشيء سوى قيامه بإنجاز تقرير يتهم فيه بعض المسؤولين الأمنيين المحليين بالوقوف وراء عمليات لإهدار المال من خلال تلاعبات همت أسطول سيارات الخدمة.

تبعات هذه القضية مست أيضا أسرة الشرطي الذي ظل يعاني من ضغوطات نفسية كبيرة طوال العام الماضي، والتي “كانت تمارس عليه من طرف زملائه” وفق قول أخيه يونس وأخته سمية، وكذا والدته، بسبب مضامين ذلك التقرير الذي بعث به إلى رئيس المنطقة الإقليمية الأمنية للعرائش، بعد اكتشافه للخروقات أواسط سنة 2013.

وواصل أفراد أسرة الضابط النخشى رواية قصة عبد القادر: “لقد بدأت المشاكل في شهر دجنبر 2013، وهو التاريخ الذي راسل فيه الضابط عبد القادر النخشى رؤساءه بشأن وجود خروقات في طريقة تدبير أسطول السيارات الجديد الذي توصلت به المنطقة الأمنية للعرائش، ما تسبب له في إثارة حزازات شخصية مع البعض من المسؤولين هناك، وهو ما يفسر المضايقات التي يتعرض لها بشكل ممنهج”.

الجحيم
القضية المثيرة للجدل في العرائش، حولت كذلك حياة الأم ثلايتماس الشعبوشي وابنتها سمية إلى جحيم حقيقي بعدما اعتُقِل ابنها وحفيدها في نفس الليلة بسبب ما تصفه هي وأبناؤها ومعارفها بـ”مؤامرة محبوكة” بدأت تستهدف أفراد أسرتها الصغيرة مباشرة بعدما أقدم إبنها البكر على تحرير تقرير يتضمن تفاصيل لاتهامات بوجود “تلاعبات خطيرة” في حظيرة السيارات الحديثة التي سلمتها الإدارة العامة للأمن الوطني للأمن المركزي بالعرائش.. وفق تعبيرها.

ثلايتماس، البالغة من العمر 71 سنة، عبرت عن مساندتها لابنها في “فضح المتلاعبين بأسطول سيارات الإدارة العامة للأمن الوطني”، وهي التي لم يعد يغمض لها جفن منذ أزيد من 11 يوما بعدما أصيبت بحالة اكتئاب نتيجة ما طال فلذة كبدها منذ سحب البطاقة المهنية التي تخصّه وجرى إلقاء القبض عليه.

أجهشت الأم بالبكاء وهي تتذكر أن حفيدها اعتقل أيضا بسبب محاولته الدفاع عن والدته، سمية النخشى، التي تعرضت للضرب المبرح داخل المستشفى العمومي للعرائش من طرف ضابط شرطة، قبل أن يقوم نفس الأمني بتعريض ابنها أيضا بالاعتداء البدني وفق رواية أفراد الأسرة التي تقول إن ما جرى قد تم قبالة أنظار عبد القادر الذي أصيب بانهيار عصبي ثالث بعد مشاهدته لأخته تتعرض للضرب من طرف زملائه.

السباعي: الاحتجاج حق دستوري
الشرطي عبد القادر، البالغ 49 عاما والمتزوج والأب للطفلتين سكينة وسلمى، يتابع حاليا في حالة اعتقال على ذمة قضية حرر في شأنها محضر شهد تكييف التهم بوجود اعتداء على موظف سام هو عامل العرائش، والتهجم على منزله والسكر العلني، وهي اتهامات يقول أفراد أسرة الخنشى إنه “لا أساس لها من الصحة”، مضيفين أن كل ما قام به عبد القادر هو التوجه لبيت عامل الإقليم من أجل الاحتجاج ضد الفوضى التي تسبب فيها حفل صاخب نظم وسط تجمع سكني.

وقال محمد طارق السباعي، بصفته منتميا لفريق دفاع الخنشى، ضمن تصريح لهسبريس: “الشرطي مارس حقه في الاحتجاج الذي يكفله له الدستور والقانون، وقد كان احتجاجه حضاريا، وكان لزاما على السلطات المحلية وقف الضرر، وليس تحرير محضر في حق الشرطي”.

أسرة ضابط الشرطة، الذي يشتغل بالمصلحة الإدارية في المنطقة الإقليمية لأمن العرائش، ذكرت من جهتها، في لقاء مع هسبريس، أن المراسلات التي بعث بها قبل مجيء المدير العام الجديد للأمن الوطني، عبد اللطيف الحموشي، تضمنت مجموعة من المعطيات التي تدين مسؤولين أمنيين كبار في داخل المؤسسة الأمنية بالمدينة.

وشرع الضابط النخشى،وفق أفراد أسرته، في تناول مجموعة من الأدوية بعد دخوله في مرحلة اكتئاب جد متقدمة، خصوصا بعدما تعذر عليه أن يظفر بلقاء مع المسؤولين المركزيين والإقليميين لوضعهم في الصورة إزاء ما يعتبره “اتهامات” في حق مجموعة من المسؤولين الأمنيين.

وأوردت الأسرة أن “السيل بلغ الزبى يوم الأحد من الأسبوع الماضي، عندما عمد بعض المسؤولين إلى تلفيق تهم مجانية للضابط نخشى، بعدما توجه بسيارته إلى منزل عامل مدينة العرائش على الساعة الواحدة صباحا من أجل إبلاغه بالضجيج والضوضاء الذي تسبب فيه مهرجان تحتضنه المدينة وسط تجمع سكني، حيث خرج إليه حارس الفيلا الذي أكد له أنه سيخبر العامل، قبل أن يفاجأ بعشرات رجال الأمن وعناصر السلطات المحلية، الذين حرروا له محضرا يتضمن اتهامات بالسكر الطافح والسب واستعمال العنف، وهي الاتهامات التي تقول الأسرة أنها غير صحيحة”.

شهادة حارس العامل
هذه الاتهامات لم يتردد حارس مسكن العامل في نفيها بنفسه في محضر استماع رسمي حرره ضباط الشرطة القضائية، تقول أخته سمية التي تشتغل أستاذة لمادة الفلسفة في التعليم الثانوي بالمنطقة.

محمد طارق السباعي، واحد من المحامين الثلاثين الذين يدافعون عن الشرطي عبد القادر، اعتبر بدوره في تصريح لهسبريس أن متابعة موكله لا تعدو أن تكون مجرد تصفية حسابات نظرا لكونه قام بفضح الفساد داخل مؤسسة الأمن الوطني بمنطقة العرائش.

وقال السباعي، الذي سيواصل الدفاع عن الشرطي وابن أخته خلال جلسة يوم الإثنين المقبل بعد رفض محكمة العرائش تمتيعهما بالسراح المؤقت، “إن المساندة الشعبية التي رافقت الجلسة الأولى لمحاكمته تؤكد أن هذا الشرطي “فاضح الفساد” محبوب من طرف ساكنة العرائش ومجتمعها المدني، وأن له وضعية اعتبارية خاصة داخل نفوسهم”.

وأضاف رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، “الشرطي عبد القادر النخشى هو من فاضحي الفساد في الإدارة العامة للأمن الوطني، وبالتالي فقد فجر العديد من الملفات، وقد تم اعتقاله بعدما احتج بشكل حضاري ضد سلوك لا حضاري يتمثل في موسيقى صاخبة، وطلب تدخل السلطات المحلية وممثليها من أجل وقف الضرر الذي طاله وطال باقي سكان الحي السكني الذي يقطنه”.

تقرير مثير للجدل
تضمن التقرير تفاصيل أسماء المتورطين والطريقة التي تتم بها عمليات التلاعب بالأسطول عبر تغيير محركات السيارات الجديدة بأخرى متهالكة من أجل تصريفها في السوق الموازي، والذي حرره الشرطي النخشى، حيث قال في محضر أمام ضباط الشرطة أنه يتعرض لمضايقات من طرف مسؤوليه بسبب شكاية وجهها لرؤسائه يتهم فيها البعض منهم بإهدار المال العام والتلاعب في أسطول سيارات الأمن.

التقرير أورد فيه الشرطي أسماء الورشات التي تتولى عملية استبدال المحركات، والأرقام التسلسلية لهذه المحركات، والطريقة التي تتم بها عمليات إصلاح وهمية للسيارات.

نداء للحموشي
ووجهت أسرة الشرطي نداء إلى عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني، من أجل فتح تحقيق في هذه القضية، بدءا من التقرير الذي وجهه عبد القادر النخشى بشأن تلاعبات رؤسائه، والمتابعة التي يتابع بها حاليا أمام القضاء بتهم تقول الأسرة إن ابنها أكد أنه لا أساس لها من الصحة.

ويأتي هذا النداء في الوقت الذي ستواصل فيه المحكمة الابتدائية بالعرائش النظر في قضية عبد القادر النخشى، لعقد جلستها الثانية يوم الإثنين المقبل للنظر في قضية “الاعتداء على موظف سامي” والسكر العلني وغيرها من التهم.

وأضافت الأسرة “إبننا يخضع لعلاج بالأدوية، والتي لا تجعله في كامل قواه النفسية، ثم لو كانت مسألة السكر الطافح صحيحة، لما لم يقم رجال الأمن بعملهم عبر سحب رخصة القيادة وحجز سيارته، ثم لما لم يعتقل في التو… هناك أمور لا داعي لشرحها أكثر… على الأقل في الوقت الراهن”.