عن “الانفلات الأمني”…. نُدندن
جريدة طنجة – عزيز گنوني (.العمود الرئيسي.)
الأربعاء 12 غشت 2015 – 11:31:25
وماذا تعني كَلمةُ “انفلات” في أذْهـانِ الكثيــرين منّـا، ونحْنُ إمـا ضَحـايــا عُنف تَرصدنــا، وأصـابنــا أو شُهود عُنْف أصابَ غيْرنـا، أو قـُراء أخْبـار مهـولـة عن “كـَوارث” حقيقية تسبَّب فيها ما يُسمّيه البَعضُ منّـا نوْعـًا من “التَّراخي” في المَهــامِ الأمنية.
“الانفلات” مصدر من فِعْل انفلتَ، وهو ــ كما تعلمون ــ السادس على لائحة صِيـغ اشتقــاق الفعل الثُلاثي: انفلت (انفعل)، من أفعال المُطـاوعة، شرط أن يكـونَ ظاهراً واضحًا. كقولك كسرته فــانكسر. بمعنى أن الفعل قـامَ من نفسه. وفي الحـالــة الأمنية، يمكن اعتبار أن الأمن وجد “بيئة” طيعة مَكّنتهُ من أن يَنْفلتَ كما “ينفلت” سجين مستغلاً “غَفْلة” سَجـانـه. أو بمعنى أوضَح، أن الأمنَ يكون قد استغل وُجــود حــالة “فلت” فــانفلت !
والحال أن لا هذا ولا ذاك فيما يـُراد ب “الانفلات الأمني” الذي تَعـالت أصوات من هُنا وهناك، تُنَدّد به وتَلوم المَسْؤولينَ على التقصير في مُواجهتهِ.
حيث تعددت الوقفات الاحتجاجية للتنديد بـما اعتاد العامة على تسميته بـ “التسيب الأمني”، مع تنامي الجريمة في كل مكان، وتكاثر الاعتداءات على المواطنين، بالليل والنهار، وأحيانا في الشوارع العامة والاستعمال المفرط للسلاح الأبيض إضافة إلى الاستهلاك المدهش للمخدرات من السليسيوم الذي يطبقه أطفال على مناخيرهم في الشوارع والفضاءات العامة، إلى القرقوبي الذي “يقفز” على الحدود مع “الشقيقة” الجزائر، المغلقة مند مدة، ليبث سمومه في أوساط الأطفال والشباب المغاربة الأبرياء، إلى المخدر ات الصلبة المنتشرة انتشارا واسعا في النوادي والعلب الليلية والمقاهي الشعبية والمناطق السوداء بالمدينة التي يتقاسم النفوذ عليها جماعات “المروجين” و “المروجات” ، فقد تبين بالمكشوف أن العنصر النسوي قد انخرط في شبكات توزيع المخدرات حين أيقن ماسكو الخيوط، أن “الأيادي الناعمة،” لا يرد لها طلب !!!…..
إلى أن عمّ الفساد البر والبحر، …و”الجبل أيضا.”….صاح الفقيه ! دون أن يكترث لصيحته أحد !…
المسؤولون ينفون ما يلصق بهم من “انفلات أمني” مزعوم. ويؤكدون أن الوضع مستقر وتحت السيطرة الكاملة. وأن ما تروج له بعض المواقع الفيسبوكية، أمور ملفقة “مفبركة”، و “مونطاجات” تم وضع اليد على بعض مروجيها .
وعلى نفس هذا النهج سار أيضا رئيس الجماعة الحضرية لطنجة، فؤاد العماري حين طلع علينا بتغريدته الأسبوعية، معلنا أن الوضع لا يمكن تصنيفه في خـانــة “الانفلات الأمني” إذ الأمر لا يعدو أن يكون “حوادث معزولة” يتم التعامل معها في إطار القانون. وفي إطار الدور الهام الذي تقوم به الدوائر الأمنية في مكافحة “الظواهرالإجرامية”، وتوفير الأمن والأمان للمواطنين وللزوار.
العماري حذر من “بعض السلوكات” التي من شأنها أن تسيء لصورة طنجة، “خاصة على المستوى الإعلامي ” “حيث يتم تضخيم بعض الحوادث المعزولة وتقديمها بصورة مبالغ فيها”, وتساءل: ما الغاية من وراء هذه السلوكات ؟”
هذا السؤال، على “العمدة” أن يجد لهُ الجَـواب “الشافي”، لآن وسائل الإعلام يصعب عليها أن تحشر نفسها في “الكوزينة الداخلية” لرجــال الداخلية !….
أما دور رجال الأمن في حماية أمن وسلامة المواطنين، رغم الإكراهات المـادّية واللوجستيكية و المَعْنَويــة التـتي يــُواجهونها، فقد نَوّهْنـــا به، في هذه الجـــريدة أكثر من مرّة، وسَجّلْنــا بـــاعتزاز النّتـــائج الباهرة التي يحصلون عليها وباستمرار في حل الكثير من قضايا الإجرام الغامضة، وإلقاء القبض على أصحابها من عتاة المجرمين والمنحرفين. إيمانا منا بأنه من باب الوفاء أن ننوه بالمحسنين من خدام الوطن، ونعزهم ونكرمهم.
أما أن يعمد الإعلام إلى تضخيم “بعض الحوادث المعزولة” و”تقديمها بصورة مُبـالغ فيهـــا”، فهذا أمر “مبالغ فيه” من طرف رئيس البلدية الذي أتحداه أن يأتي بـــأقصوصة تجتمع فيها شروط المبالغة في تقديم جريمة من الجرائم العديدة التي شهدتها وتشهدها مدينة طنجة، والحال أن المحررين في الإعلام المكتوب أو الإليكتروني، يشيرون غالبا إلى مصادر ألمنية في تقصيهم لأخبار الجرائم التي يعملون على تقديمها ، مادة إخبارية، للقراء. اللهم إلا أن يكون في نية الرئيس أن يطلب من الإعلاميين “غض الطرف” عن قَضـايــا الإجْـرام والمجرمين الذين لا تخلُــو منهـم قــرية أو مدينة في العالم، حفاظا على “صورة طنجة” التي كثيراما يسيء إليها الحكام والإداريون والمنتخبون والسياسيون و “يرقعها” الإعلاميون.
وكون أن ما وقع ويقع، يدخل في خانة “الحوادث المعزولة”، فلا اعتراض لأي كان على هذه التسمية، ما دام أن إزهاق أرواح بشرية وعلى قارعة الطريق ، وفي مدينة يباشر إعدادها وتهيئتها لترقى إلى مصاف العواصم الكبرى على ضفتي الأبيض المتوسط، ، يشكل في نظر بعض المسؤولين، حوادث معزولة…عادية، ما دامت نسبة الإجرام لم تصل بعد إلى “منطقة الخطر الأحمر” !!!….
كما أنه لا اعتراض لأحد على إلْغــاء مفهــوم “الانفلات الأمني” من “لسان العرب” لابن منصـور، والصحاح في اللغة للجوهري والقاموس المحيط للفيروز، لسبب بسيط، وهو أنه، فعلا، لا يوجد انفلات أمني بالمغرب، بدليل النتائج الباهرة التي أفضت إليها الحملات التمشيطية الأخيرة بمختلف جهات البلاد، وبطنجة بالذات، من وضع اليد على آلاف المنحرفين المطلوبين للعدالة، والمعتقلين في حالة تلبس، والمشتبه فيهم. ولكن الأمن لا يتحقق ، فقط، بالحملات، مهما كانت نتائجه.ا
الواقع أن هناك ترد للأوضاع الأمنية، وضعفا في مواجهة الضغط الناتج عن تدهور الوضع الأمني، ونوعا من التراخي في معالجة الأوضاع الاجتماعية، وهي أمور تعود بالدرجة الأولى للحكومة ومن مسؤولياتها الأساسية ، فالأمن أساس الملك ودعامته وضمان استقرار البلد وسعادة الأمة. وعلى الحكومة أن تجعل قضايا الأمن من أولى أولوياتها وتوفر لرجال الأمن التحفيزات المناسبة ووسائل العمل الضرورية للقيام بمهامهم التي يتوقف على نجاحها نجاح جميع البرامج والمخططات الرامية إلى تحقيق التطور والنمو المطلوب، خاصة والمغرب يتوفر على كفاءات رفيعة ومهارات عالية بين رجال الأمن المشهود لهم عالميا، بالحنكة والمهارة والفعالية والمهنية العالية.
وأتمنى أن نكون قد أغلقنا هذا الملف نهائيـًا وأن لا نَعُودَ إليهِ مُسْتقبلاً.
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com