طنجة و التسوّل الموسمي …. ظاهرة أصبحت تدعو للتقزز
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (.ظاهرة التسوّل.)
الأربعاء 12 غشت 2015 – 10:50:19
ولفَهْم ظــاهرة التّسَوُل الموسمي القديمة نسبيــًا من حيث وجودها، والجديدة في طرق تسييرها وأساليبها المبتكرة، حاولنا فتح ملف التسوّل والمتسوّلين من زوايا مختلفة مستعينين في ذلك بتعاليق الشارع الطنجي و معاينة عدد من المتسوّلين واستجواب البعض منهم.
نبدأ بتِقنيات التسوّل و خصوصًا الجديدة منها، فلم تعد عمليّة التسوّل مجرد طلب حسنة ومد اليد للغير، بل تطوّرت في الأيّام الأخيرة لتصبح ”وظيفة” ومهنة تتطلّب حرفيّة عالية وإتقان جيّد للدور الذي يتقمّصه المتسوّل، إضافة إلى حسن اختيار توقيت ممارسة هذه المهنة والمكان المميّز، وأحيانا الضحية المناسبة، خاصة بالنسبة لمن يعتمد على التحيّل في ذلك، وعادة ما ترتبط هذه التقنيات بخصائص المتسوّل ذاته مثل الجنس والفئة العمريّة، فالذكور منهم يعتمد عادة على تقمّص دور المحتاج الظرفي أو المعاق ليتمكن من كسب عطف ضحيته، في حين تتقمّص الإناث منهم دور الأم الحنون على أبنائها والعاجزة على توفير قوتهم، كما تتغيّر عبارات التسوّل حسب الفئة العمريّة التي ينتمي إليها المتسوّل.
و ترتبط تقنيات التسوّل حسب خصائص المكان الذي يتواجدون فيه، فالمختص منهم بالمساجد يتقمّص دور التقي والزاهد في الدين، أحيانا يعتمدون على نوع اللباس أو اللحية الطويلة، وأحيانا أخرى تراهم يطلبون حسنة لبناء مسجد ولإقناع أصحاب القلوب الطيبة يحملون معهم وثيقة توحي بأنّهم ممثلون لأحد المساجد ووصل تسليم كتب عليه “تسلمت مبلغا قدره…” دون توقيع أو ختم! أمّا المختص بالتسوّل في المستشفيات فيعتمد على عبارات وتقنيات أخرى تتماشى وخصوصيّة هذا المكان.
أما عن الشركات المتخصّصة في التسوّل، فعلى ما يبدو فقد خرج التسول من دائرة الاحتراف والمهارة الفرديّة إلى ما يمكن أن نسمّيه بالعمل التنظيمي والمؤسساتي، فمن خلال معاينتنا للمتسوّلين واستجواب البعض منهم، وجدنا العديد من المؤشرات الدالة على ذلك، نذكر منها:
التّـوزيـع المُحْكَم لمَجــالات نَشاط كُل فِئة من المتسوّلين وانضباط تــام في احترام حدود تلك المجالات، فعلى أي خط للحــافلات العمومية مثلا نجد ثلاث متسوّلات على علاقة ببعضهن البعض، لا يتجاوزن حدود محطة معينة ، وتقريبا نفس الشيء وجدناه على الخطوط الأخرى، أمّا بالنّسْبة للشَوارع الرئيسيّة كشارع المكسيك و شارع محمد السادس و شوارع أخرى عديدة ، فإن المتتبع لتحركات المتسوّلين هناك يلاحظ دقة التنظيم وصرامة الانضباط في التداول على الأماكن المخصصة لهم.
و بالنسبة للمواطن الطنجي و رؤيته للظاهرة فقد تباينت ردود فعل المواطنين والتحاليل بشأن هذه الظاهرة، البعض ربطها بالبطالة وبالأزمة الاقتصاديّة ، والبعض الآخر ربطها بتفشّي ظاهرة التحيّل وانتشار أشكال جديدة من المهن والارتزاق، فكلّما مرّ أحد المتسوّلين إلاّ وتكاثرت التعاليق، البعض يتذمّر من كثرتهم ومن الإلحاح المزعج أحيانا، فمثلا تحدّثت سيدة بحافلة للنقل العمومي عن تذمّرها قائلة “لكي انتقل من منزلي إلى الشغل لابد أن يمر أمامي 7 أو 8 متسوّلين، والغريب نفس الوجوه تراهم كل يوم، ونفس الأماكن ونجدهم يستعملون نفس العبارات، وكأنهم متخرّجون من نفس المدرسة أو يخضعون لنفس الدوارات التدريبية “، وتسايرها الحديث امرأة جالسة بالقرب منها لتثير قضيّة أخرى في غاية الخطورة، وتقول “أحيانا نفس الرضيع تارة تراه مع هذه المتسوّلة وتارة أخرى نجده مع متسوّلة ثانية، أظن أنهم يقومون باكترائه!”.
وذكر لنا مواطن آخر أنه كان ذات يوم ضحية لتحيّل إحدى المتسوّلات بالقرب من المحطة الطرقية بطنجة ، حين اعترضته فتاة لا تبدو عليها علامات التسوّل وأوهمته بأنّ حقيبتها سرقت منها ولم تجد ثمن عودتها إلى مدينة فاس ، فاستعطف حالها وأعطاها ما كان باستطاعته أن يقدّمه كخدمة إنسانية لضحية انتشار الجريمة في البلاد، ولكنه بعد أسبوع وجدها بنفس المكان وطلبت منه المساعدة وروت له نفس الحكاية، فأدرك أنه هو الضحية وليست هي، و حكايات متعددة و متفرقة من النصب الذي يتعرض له المواطنين من المتسولين خصوصا الموسميين منهم .
وفي المقابل، العديد من المواطنين يعبّرون عن تعاطفهم مع بعض المتسوّلين، ورغم قسوة الظروف الاجتماعيّة التي يمرون بها يقدّمون لهم المساعدات، وفي تعليق أحدهم بعد مرور متسوّل معاق أمامه “نحن نتمتّع بصحة جيّدة فما بالك بهذا المسكين”.
و خلال معاينة ميدانية لمتسوّلة ، بعد محاولات عديدة باءت بالفشل مع غيرها ، و هي امرأة أربعينية ، حنطية البشرة، على محيّاها علامات التعب، ربما من قلة النوم أو من الشمس الحارقة التي تلهب كل أعضاء جسمها، أفادت أنها تأتي خصيصا الى طنجة كل صيف ،من أجل الحصول على مال وافر لتقضي به ما تبقّى من السنة، دون بدل أي مجهود، و أضافت قائلة و بكل جرأة……. حجّة و زيارة … الصّيف هادا .. كنجيب لولاد يعاوننوني و يعومو حتا هوما ، و طنجة الحمد لله عامرة فهاد الوقيتة …. هادا ما يبان لهادا …و كاين الراواج فكلشي….
فـإلى متى سنعيش ظـاهرة هــؤلاء المُتسولين المحترفين المرتزقة، الذين يتخذون من طنجة معقلا لممارساتهم المخزية و المقززة و يشوهون شوارعنا و أحياءنا بأشكالهم المفتقرة الى النظافة و مضايقاتهم المستمرة للمواطنين و للسياح الأجانب ؟؟؟؟ ، فأي دور يمكن أن تلعبه السلطة للقضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها على الأقل ؟