The moroccan from Tangier
جريدة طنجة – السعيد كرماس ( .مقالات.)
الثلاثاء 25 غشت 2015 – 12:04:55
خلال مشاركته إحدى الندوات، طلب منه التعريف ببلده الأصلي، فكان أن أجاب بكل بساطة: أنا من المغرب، فرد عليه أحدهم: وأين يوجد هذا المغرب؟…
استنجد صديقنا بمــا يختزنه من معلومات جُغْرافية من دون جَدْوى، وخطر له أن يذكر مدينة طنجة و مـوقعها على الضفة الجَنــوبية لمضيــق جبل طارق، الفاصل بين أوربــا و أفريقيـا، حينها فوجئ بـالسائل وقد انشرحت أساريـــره، ثم شرع في سرد كتاب وفنانين وأدباء عالميين، عاشوا بطنجة، أو قضوا أزهي فترات عمرهم بها…
منذ ذلك اليوم صارَ صاحبنا معْرُوفــًا لدى الأوساط الثقافية والفنية في تلك المدينة بــالمغربي القادم من طنجة :The moroccan from Tangier.
تعكس هـاتــه القصة الواقعية، المكانة التاريخية والرمزية لمدينة طنجة، المدينة الضاربة في عمق التاريخ والأسطورة، وإلى يوم الناس هذا لا زالت الأسطورة تمتزج بالوقائع، حينما تصير الوقائع وأبطالها كائنات وأحداث أسطورية.
هاته التمثلات ساهم في صنعها أدَبـاء وفنـانــون عِظــام أشهـرهم على سبيل المثــال لا الحصر:
• بول بولز الذي استقر بطنجة منذ أربعينيات القرن المـاضي، و أقـام بهـا مـا يــَزيد عن نصف عمره، أبدع فيها في مجالات الأدب والموسيقى، وقام بترجمة أعمال أدباء وكتاب من طنجة، أشهرهم محمد شكري وأحمد المرابط…
• وليام بوغوز صاحب الوليمة العارية “Le Festin nu“، كانت طنجة بالنسبة إليه وطن الأحلام الخلاقة والمجنونة…
• جوزيف كيسل مؤلف الرواية الشهير الأسد le lion…
• الفَنّـان أوجين دو لاكروا، الذي حل بالمغرب في رحلة استكشافية ذات طابع عسكري، حيث كان مكلفا برسم الأماكن والشخوص، بغرض التعرف على المغرب من خلال الرسم واللون، كانت أشهر لوحاته: عرس يهودي أبدها سنة 1832، بعد عودته لفرنسا، ومن خلا هاته اللوحة الرائعة يظهر بجلاء حضور الضوء واللون اللذان تأثر بهما خلال مقامه بطنجة، وهو كذلك صاحب المقولة الشهيرة: روما لم تعد في روما: “Rome n’est plus Rome“، في إشارة منه إلى انبهاره بطنجة، بعد أن كانت روما قبلة الفنانين بامتياز، وهو بهذا الاعتراف إنما أراد أن يبعث رسالة لكل الفنانين يدعوهم من خلالها لزيارة المغرب، واكتشاف أضوائه وألوانه الساحرة…
• هنري ماتيس سيصل إلى طنجة متم شهر يناير 1912، بعد سبعين سنة من واستقرار دو لا كروا بها، وسيجعل من عروس البوغاز مقاما يرتاح فيه من عناءات بلده الأم… حيث صار مدمنا على زيارتها كلما أتيحت له الفرصة، وكانت فيلا دوفرانس مقر إقامته المفضلة، ومن نافذة غرفته أبدع مجموعة من اللوحات، تميزت بطغيان لون ما حسب تغير الفصول والطقس،سحر طنجة دفعه على الاعتراف بخط يده يوم فاتح مارس 1912 وهو يحاول رسم منظر من مناظر طنجة الخلابة، قائلا: أجد صعوبة في اختيار الأولوان ومزجها لإخراج اللونين الأزرق والأخضر المناسبين، حيث تعجز الفرشاة عن محاكاة هذا الجمال الطبيعي الساحر.
وكغيره من الأدباء والفنانين الذين زاروا طنجة، صار إسم ماتيس مقرونا بالمغرب و بطنجة، إلى درجة أن معهد العالم العربي بباريس نظم معرضا موضوعاتيا لمجموعة أعماله، تحت عنوان: مغرب ماتيس”Le Maroc du Matisse“.
هكذا كـانت طنْجة ذات زَمَن جَميل، و اليــوم مــاذا بقي من سحرها؟
_____________
* أستاذ باحث في الفنون