حرب “الصّايا” لن تقع !
جريدة طنجة – عزيز گنوني
الخميس 23 يوليوز 2015 – 12:16:24
ورغم أفول نجم البرتغال، بعد معركة القصر الكبير التي كانت “انتصارا” بالنسبة لأهل البلد و “كـارثــة” بــالنّسبة للبرتغاليين الذين فَقدوا مُلكهم وسِيــادَتهم على أرضهم بعد أن ضمها ملك اسبانيا إلى عرشه، فــإن “الصاية” ظلت “صامدة” في لغة المغاربة المنتصرين، وفي ثَقــافتهم المَلْبَسِية !
الصاية في لُغَة البُرْتغـــال، لـباس نسائي خارجي”مانطــوم“، تسرب إلى البرتغال من بلاد الغال ، لا يغطي الرجلين. بيد أن بعض الثقافات خـــاصة عند اليونانيين والاسكتلنديين، لا تزال تسمح للرجال بـــارتداء الصاية ! هذه “الملعونة” التي كادت أن تتسبب في كارثة حقيقية لفتاتين مغربيتين، في بداية الألفية الثالثة، وفي بلد يؤمن بحقوق الإنسان الأساسية، “كما هو متعارف عليها عالميا” .
الصاية” أحدثت “حالة” في مدينة انزكان بعد ولوج فتاتين “مصيصتين” أثـارضتــا فضـــول بعض بــــاعة ورواد السوق، من محترفي التحرش إلا أن لامُبـــالاة الفتاتين دفَعت المُتَربّصيــتن المتحــرشين، إلى إعلان “الجهــاد المقدس” من أجل “تغيير المنكر” الذي تمثله “صـاية” برتغالية ارتفعَت قليلاً عن الرُكْبـــة ! …
مشاهد من هذا القبيل نُشاهدها يومِيــًا في شوَارعنا دون زاجر ولا رادع، حتَّــى أضحـت فتيـاتنــا فـــرائس للمتحرشين والمعاكسين والمشاكسين الذين لا يتردّدُون في استعمال العنف اللفظي والجسدي ضد المتمنعات الرافضات لمجاراتهم في مجونهم !!!….
صاية فتـاتي إنزكــان، حولها رهط من المكبــوتين ومن السفلة ومن غوغاء المدينة، إلى قضية أخــلاق عامة” لتتحول، فيما بعد، وعلى مســتوى آخر، إلى قضية ” إخـلال بالحياء العام” تطلبت توقيف الفتاتين، واقتيادهما إلى مخـفر الشرطة وا لاستماع إليهما بمحضر أمني، وتقديمهمــا إلى المُحـاكمــة !..
الأخبار التي تنــاقَلتْهـا الصحــــافة الوطنية والأجنبية وتداولها معظم المـــواقع الإليكترونية للتواصل الاجتماعي، قـــالت إن ضابط أمن في المداومة، سارع إلى إخْبــار النيابة العامة، مرتيـن، بـوجـــود صخب بسوق من أسواق إنزكــــان، بسبب فتاتين “عاريتين” في أيام رمضان !..لتـــأمر النيـابة بـاعتقـــالهما والاستماع إليهما وتقديمهما !!!….
وهو ما حصل، لتَتحرك آلـــة الاحتِجـــاج من جهة المُنظّمـــات الأهلية، الحقوقية خـــاصة، التي انتظمت في وقفات احتجاجية مُطـــالبة بإسقاط المتابعة، المبنية على “باطل”، كما حصل تعاطف واسع مع الفتاتين، و عـــادت قضية “انتهاكات حقوق الإنسان” إلى الواجهة، من جديد، ليستغلها من يتربص بنا ويتصيد عثراتنا في الداخل والخارج.
والحال أن قضايا التحرش وما تتسبب فيه من مآس تعيشها المرأة المغربية، على مضض، وفي “غيبة” تامة للجهات المسؤولة عن توفير حياة كريمة للمواطنين، أصبحت من المطالب الملحة للنساء المغربيات داخل المنظمات الأهلية … ولكن لاحياة لمن تنادي !.. حتى أن بعض المسؤولين عندنا يتركون لدينا الانطباع أنهم يعيشون كوكبا آخر غير كوكبنا، فيفصلون ويخيطون “القضايا” على مقاسات غير مقاساتنا، أو انطلاقا من “اعتبارات” متآكلة، متهالكة، من زمان “اسكت لأمك” !!!…وهم يعلمون أن هذه العملة لم تعد قابلة للتداول في زماننا هذا. فقط الإحترام والعدل والإنصاف والتعامل المسؤول، هو ما يخلق “الهيبة” الإيجابية على مستوى علاقات المواطن برجال السلطة، ايا كان موقعهم ومسؤولياتهم !..
ولَعلّ جَوْلــة في الصَحــافة الـــوطنية، ليوم واحد، تكفي للإطلاع على مدى “التـوتــر” الحــاصل في عَلاقــات المـــواطنين ببعض رجال السلطة، ” غالبًا بسَبب “الحَكْرَة” والشّطَط، والتمييز، والمُحـابــــاة ، والاعتبارات الشخصية والتصرفات اللامقبولة، والظلم .
وإلا كيف يصيغ ضــــابط شرطة قضية “الصاية” بالشكل المثير الذي كيفها به ليدفع النيابة العامة إلى الأمر بتوقيف الفتاتين وتقديمهما للمحاكمة مع ما يمكن أن يجر على الفتاتين من تبعات على مستوى المحيط الأسري والمجتمعي؟
ومن حسن الحظ، أن النيابة العامة انتبهت إلى وقوع خطأ في تكييف “التهمة”، فتبنت ما تضمنته مرافعات دفاع الفتاتين سناء وسهام، بضرورة إسقاط تهمة “الإخلال بالحياء العام” اعتبارا لأن “ما بني على باطل فهو باطل”، إلا أن هيئة المحكمة ، ذهبت إلى أبعد من ذلك، حين أصدرت حكما بالبراءة في حق الفتـاتين وهو حكم رد الاعتبــــار الشخصي والعائلي لهما، كما أن المحاكمة دعمت، بشكل غير مباشر، مطالب الحقوقيين المغاربة، نساء ورجالا، بضرورة “إلغاء” الفصل 483 من القانون الجنائي جملة وتفصيلا ، لأن المحاكمات بسبب اللباس، لم يعد لها موقع في المغرب الجديد، أمام تعاظم النضج السياسي الشعور بالمسؤولية لدي المواطن.
وهكذا جاء حكم المحكمة ليعلن أن “حرب الصاية” لن تقع !
مع الاعتذار للمسرحي الفرنسي جان جيرودو الذي كتب مسرحية “حرب طروادة لن تقع” وعرضها سنة 1935، محذرا من “سخرية السياسيين” وتلاعبهم بـ “رموز القانون”، الأمر الذي قد يدفع إلى اندلاع حرب عالمية ثانية !!!……
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com