النباش يحظى بصفة شريك متميز بمؤسسة عبد الهادي التازي (3)
جريدة طنجة – محمد وطاش ( .مؤسسة عبد الهادي التازي. )
الأربعاء 08 يوليو 2015 – 16:04:03
• بمباركة وتزكية من رئيس مؤسسة عبد الهادي التازي، الأستاذ يسر التازي، نواصل نشر سلسلة حلقات كتاب « التحليق إلى البيت العتيق «لمؤلفه/الفقيد العزيز المرحوم الدكتور عبد الهادي التازي أمطره الله بشآبيب رحمته، وجعل كل حرف من حروف هذا الكتاب وسائر عطاءاته في ميزان حسناتة.
فقراءة ممتعة.
يوم الخرجة
ولقد كانت هذه “الخرجة” في القديم ـ وما أخالها إلا باقية عند بعض الناس ـ تتسم بمظاهر واحتفاءات زائدة، بيد أنها ـ وخاصة بالنسبة للذين يسكنون في الأحياء الجديدة ويحيط بهم من الجهات الأربع جوار من حضارات خرى ونحلة ثانية ـ خفت وطرأت عليها بعض التغييرات.
في المطار
وقد تألف موكب من السيارات في منتصف الليل، في اتجاه مطار سلا المدني، لقد اختلست دقائق عصر هذا اليوم لأبلغ إلى مركز الخطوط الملكية حقيبتي، ولم أحمل معي سوى خرج يدوي يحتوي على (المصحف) وبعض الأغراض الضرورية.
لقد كان على الطائرة التي أقلت الحجاج من الدار البيضاء أن تنزل بسلا خصيصا لأعضاء الوفد وبعض المرافقين له من القصر الملكي، شعرت عند الخروج من المنزل بعد أداء ركعتين بقشعريرة انتفاضة ما نسيتها. وتوالت خفقات قلبي عندما اتجهت السيارة إلى اليسار، مودعة طريق فاس إلى مطار سلا، في هذا المطار المكتظ بالمؤمنين والمؤمنات من الذين وردوا لتوديع حجاج بيت الله، وكان رجال الدرك يقفون بثيابهم الجميلة على الطريق المؤدية إلى المطار، يشيرون إلى الموكب باتجاه المطار الذي كان مظهرا آخر من المـظاهر التي تؤكد حقيقة المغرب المسلم، إن هنا الشيخ والكهل والشاب والطفل، والكل يتمنى أن لو حظي هو كذلك بارتياد تلك الأبهار، لقد تحول المطار إلى عرس بالفعل. واضطرت إدارة الأمن الوطني لتقوية عناصرها لضبط تشوقات المودعين وتجاوزاتهم كذلك، فإن جلهم يريد أن يصل بالحاج إلى سلم الطائرة، إن جانب الدين في البلاد يطغى دون ريب على جانب الأدب فلقد أخذت الطائرة إلى ١٩٥٥م، وأخذتها إلى الكويت سنة ١٩٥٨و وما شعرت بشيء وأنا أغشى المطار، لكني اليوم أشاهد بحرا خضما من البشر، وإن عيوني وأنا على سلم الطائرة عشت من آثار برق “الفلاشات”، فالمصورون المحترفون والهواة كثير، والصحفيون كذلك.
غادرنا مطار سلا على متن (كونسطلاسيون)في الثانية وخمس وثلاثين دقيقة من صباح يوم الجمعة ٢٨ ذي القعدة ١٣٧٨هـ /١٩٥٩/٠٦/٠٥م… بعد إغماضة جفن استيقظت على خيوط الشمس لقد كنا ـ في اتجاهنا للشرق ـ نبحث عن الشمس، الحجاج بلباسهم الأبيض بين مرتل وذاكر، تلوت نصيبي من القرآن لهذا اليوم: {يابني آدم إما يأتينكم رشل منكم} [سورة الأعراف آية ٣٥] {وبشير لقوم يومنون} [سورة الأعراف آية ١٨٨]، وصلنا بنغازي مطار (بنينة) Bnina للراحة قليلا حيث اجتمعنا بالأستاذ عبدالهادي الشرايبي القائم بأعمال السفارة المغربية الذي كان أستاذا لي في مدرسة النجاح، وجدناه في استقبالنا إلى جانب موظفين ساميين من وزارة الخارجية الليبية.
فهل نصلي أولا أو نتناول فطورنا الأول؟ في الناس من اقترح البداية بالصلاة للتفرغ للأكل كما يجب! لكن الدكتور الخطيب يقترح الأكل أولا.إن الأصحاء في الصين يؤدون ـ ما داموا أصحاء ـ للطبيب الخاص ضريبة، فإذا مرضوا انعكست الأمور فعالج الطبيب المرضى مجانا! فحتى نظل مستفيدين منكم ـ يقول الدكتور ـ : تناولوا أكلكم أولا!!
وقد استمر “واعظ الركب” يترجم لنفسه، وكان ذلك بعد أن أصر على ألا يتناول ما ليس فيه سكر! قال: إنه إنما عرف بلوغه فقط لما تزوج! وإن الحجام (بو خرص) هو الذي يرسم له الطريق!
قضينا بعض الوقت في الحديث، ثم أخذنا متن الطائرة من جديد، تناولت غذائي على صداع ألم بي في أذني اليمنى، الحديث الذي كان يروج هل سنبدأ بالزيارة أو بالحج؟ وهل سنحج مفردين أو قارنين أو متمتعين؟
وأخيرا وطئنا أرض جدة! كان في استقبالنا بالمطار سعادة السفير الأستاذ محمد غازي صحبة رفيقه في النضال السيد الحاج أحمد الشرقاوي حيث أخذنا إلى دار السفارة.
لقد دخلنا السفارة تحت علم المغرب الخفاق، سألت عن الأصدقاء السعوديين الذين عرفتهم في الكويت بمناسبة مؤتمر الأدباء، الدورة الرابعة ١٩٥٨م.
واعظ الركب دوما يفاجئ الذين يضيفوننا، بعد أن يحضروا ما يحضرون، من شاي أو حليب أو قهوة ـ بأنه لا يتناول الحلو بالرغم من أنه يتناول في غذائه نسبة كبيرة من السكر!!
كلنا يلهث من الحر، والذين عهد إليهم بخدمتنا لا يفتؤون غادين رائحين بالبارد.. بارد! هات باردا! ميزان الحرارة هنا في الصالون المكيف ٣١ إلى جانب الرطوبة! والأستاذ غازي يهنئنا بالحظوة التي حبانا الله بها حيث إن درجة الحرارة خفت هذا اليوم!.
وبعد هذا اشتغل كل بما عهد إليه، ولقد كان السفير الصغير جمال الدين غازي يلوذ بأذيال والده مكتفيا باختلاس النظرات في هؤلاء الزوار الجدد!.
في قصر كندرة
كان فندق قصر كندرة ملكا لشركة مصرية سعودية وكان هو مسكننا بإرشاد السفارة التي أعطتنا أيضا اسم السيد عبدالوهاب جمال الحريري بوصفه مطوفا.
وقد أثارت انتباهي هذه الجملة التي كتبت فوق مغسل الفندق الذي سكناه: “المرجو من السادة النزلاء أن يقتصدوا ما أمكنهم ذلك في استعمال الماء وذلك لقلته بجدة حاليا”. إن الماء هنا يحسب له ألف حساب ولو في أرفع الفنادق المكيفة!.
استيقظنا في الخامسة صباحا بتوقيت الرباط.
زيارة سمو ولي العهد
كانت الظاهرة التي أثارت انتباهي ـ ونحن ننتظر تحديد موعد لزيارة سمو ولي العهد الأمير فيصل ـ أنهم أخبرونا بأنه سيكون في الساعة الثانية عشرة، فسألت: هل السيارة مكيفة؟ لماذا ألقيت السؤال؟ لأن الثانية عشرة عندنا بالمغرب تعني وقت الزوال حيث يشتد الحر! وتبين لي فيما بعد أن القصد إلى ساعة الغروب، إن التوقيت كان يصطلح على هذا، وليس على توقيت جرنيتش!! فعلا كان موعدنا مع سمو الأمير عند الغروب برئاسة الحكومة في جدة، كل أحاديثه كانت تدل على أنه شخصية بعيدة النظر، أثنى على جلالة محمد الخامس وشكر جهوده من أجل استقلال الجزائر، وفي معرض حديثه عن مشكلات البلاد الداخلية قال: “إن أوضاع البلاد العربية الداخلية تسيطر إلى حد كبير على المشكلات الخارجية..”
كان قصرا فخما، ولكن درجة الحرارة فيه نازلة تجعلك تفكر فيها عساه يطرأ عليك وأنت تغادر المكان! وشعرنا ونحن نهم بالوصول إلى باب القصر عند الخروج أننا نستقبل فيحا يلفح الوجوه
(يتبع)
الجزء الثاني