لغة الجمـال
جريدة طنجة – رشيد غلام (.أقلام.)
الأربعاء 29 يوليوز 2015 – 14:02:38
ما احـوجنـا الى لغـة تَخــاطُبٍ غير سجـــالات المنطق العقلي و حجية دلائله، و غير مفاهيم السياسة و منظوماتها الفكرية . ما احــوجنا الى لغة تنفذ الى كيـاننـــا دون موازين العقل و جمارك المنطق. مــا أحوجنا الى لُغــة تُخـاطب أعمق ما في الوجدان و أرق ما في الكيان ؛ ما أحـوجنا الى لغـة الجمــال.
تعرف الله الى خَلْقهِ بصَنْعته و تَودُد اليه بنعمته و أسر قلوبـــه بتجليات جماله في آياته . وجعل رسالته بينهم قرآنا كريما بديعا في إحكامه معجزا في بيانه ،جميلا في جرسه وبلاغته . وجعل رسله عليهم السلام أحسن الناس وجوها و أحسنهم صوتا ، والطفهم عريكة وأفضلهم خلقا . فكانوا رسل الحب والجمال ، استمال الله بهم القلوب الى محبته و لطف بهم الطبائع العنيدة آلى شريعته .ووصف نفسه سبحانه انه جميل يحب الجمال . ويثيب على الحسن حيثما وُضع ؛ خلقاً وقولا و مظهرا . وقال أنه يحب المحسنين . و أوجب الاحسان على كل شي ، وفي كل شي .
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : اذا حضرت الصلاة فليأذن أحسنكم صوتاً ..) جعل نداء الوصال مع الله في الصلاة جمالا ، و ندبنا ان نأخذ زينتنا في كل صلاة وحبب إلينا الطيب حين ذكر انه من محابه . و أحب التحبير في قراءة القران وقال( ليس منا من لم يتغن بالقرآن )، وجعل الشعر والشعراء من جند رسالته وقال ( ما بال أقوامٍ نصروني بسيوفهم ألا ينصروني بشعرهم ) .
و تغنى مع الاصحاب في بناء مسجده واستقبل الانصار بالغناء في مقدمه . و قال ( اذاابردتم إلي فأبردوا الي بحسان الوجوه حسان الكُنى ) و طلب الى أصحابه أن يكونوا شامة بين الناس ، بمظهرهم و أخلاقهم . ومن يقرأ كتب الشمائل المحمدية يجد تجليات الجمال المحمدي في كل دقائق خلقته الشريفة و تفاصيل هيئته المنيفة . قال صلى الله عليه وسلم ( ما بعث الله نبيا في قومه إلا جعله أحسنهم صورة و أحسنهم صوتا ، وإن نبيكم لأحسنهم صورة وأحسنهم صوتا ) لست بمقتدر على ان احصي لغة الجمال في دين الله و الرسالة المحمدية ؛ فكتب ثرات ملأى زاخرة بذلك . لكن أغفلها المسلمون و توالت على الأمة محن و فتن بعد الانكسار التاريخي بسقوط الخلافة الراشدة و تولي الملك العضوض العصبي لمقاليد الامر . شغل المسلمون بالحفاظ على بيضة الأمة و دينها . ولم يجتهدوا في تأسيس علم جمالٍ إسلامي الاس والمحتد . الى ان انبرى الى ذلك بعض مفكري عصرنا الحاضر ، ولا زال الامر في نئنئة البدو و تلمس المعالم .
ما أحوجنا الى لغة الجمال في خطابنا الحاضر تزيل عن سماحة الاسلام ما علق به من شذوذ التصور و عنف الموقف و جهل الخلق . لغة الجمال متجلية في بيان الخطاب و جرس الشعر ، رقيقة في رنة الموسيقى و نغمة الغناء ، جذابة في سحر الصورة على التلفاز و السينما .
ما أحوجنا فقه جمالي و تربية جمالية و جيل جمالي لبث الجمال في الانفس و الافاق . يتصدر لذلك علماء وفقهاء و مفكرون في علوم التربية و الجمال و التعليم ، لتأسيس مناهج تعليمية جمالية ، لصناعة جيل جمالي .
اذا كانت العقول السليمة تنقاد الى لغة الحق اذا خوطبت بها ، فإنها اكثر انقيادا الى لغة الجمال اذا دعيت به . الجمال له سلطان قاهر على الوجدان ، وتدركه القلوب بلا عناء الفكرة . ولا تملك فكرة القلوب بدون جمال و لا يدوم سلطان بدون جمال إلا أن يكون متغلبا بالعنف .
أورد مولانا جلال الدين الرومي قصة في المثنوي ؛ عن فتاة من ارض الروم اعتنقت دين الاسلام ، وحاول أبوها أن يخرجها منه بكل الوسائل والحيل ، فلم يفلح . ومرة التقى في بعض جولاته التجارية في ارض العرب ؛ مؤذنا قبيح الصوت يؤذن في أحد المساجد . فطلبه منه أن يصحبه لأرض الروم كي يؤذن لابنته في كل صلاة و أعطاه من المال ما لا يملك معه رفض عرضه .
وسافر معه و صار لأبنته في كل صلاة بصوته القبيح ، وتحملت الفتاة الحديثة العهد بالإسلام قبح صوته مدة ، وسائلته مرات أهكذا نداء الصلاة في الاسلام ؟ و يجيبها نعم . حتى خاطبته يوما : إن ديناً يدعى له بهذا القبح ؛ لا يمكن أن يكون ديناً جميلا . فخرجت من دين الاسلام ورجعت الى دينها .
يستلهم الرومي من هذه القصة ؛ أن دعوة الله لا يمكن الا ان تكون بالحب والجمال …( ادعو الى ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ).
يتبع …
– فنان مغربي