كلمة في حق أستاذنا الدكتور عبد الله المرابط الترغي وفي أمثاله من عظماء رجال التربية والتعليم.
جريدة طنجة – محمد الحبيب البڴدوري (. عبد الله المرابط الترغي . )
الخميس 09 يوليو 2015 – 13:46:13
لقد كنت تلميذًا له بثانوية ابن الخطيب بطنجة خلال السنة الدراسية 71/72 من القرن الماضي. كان حينئذ في مقتبل العمر، لا تفصله عن باقي التلاميذ إلا بضع سنوات. لذا فقد كانت العلاقة بيننا نحن التلاميذ، وبين أستاذنا الجليل في غاية الخصوصية. فلقد كنا ندرس في شعبة علوم الرياضيات، فكانت حصة اللغة العربية بالنسبة لنا حصة استراحة ينخفظ فيها ضغط تمارين الرياضيات والفيزياء، كما كانت حصة اللغة العربية هي الحصة الوحيدة التي تجمعنا بأستاذ مغربي، فقد كان باقي الأساتذة كلهم فرنسيون.
ومن هذا القبيل كنا نشعر بكثير من الارتياح والتضامن العاطفي الناجم عن وحدة الانتماء زاده تقارب السن كثافة والتحاماً. إلا أن شخصية الأستاذ عبد الله الترغي المتميزة، أضفت على هذه العلاقة نكهة خاصة، مكنتها من التأثير المباشر العميق علينا نحن التلاميذ.
فلقد كان لحزمهِ وصَرامتهِ حين يتعلّـق الأمر بـالتّدْريس، أثـرٌ بـالـغٌ في أنفسنا وسلوكنا، إذ أصبحنا نأخذ دروس اللغة العربية مأخذ الجد، ونتلقى ما يلقحه فينا من معرفة بشَغَفٍ، بل أضحى سلوكنا إزاء المواد الأخرى سلوكا ناضجاً يجعلنا نقبل على الدراسة ونحن نشعر أننا مكلفون بمهمة.
أما الشق الأخر من شخصية الأستاذ عبد الله المرابط الترغي، فهو ذلك الجانب المرح، المقبل على الحياة بانشراح واطمئنان. إذ كنا نتواعد أوقات الفراغ على اللقاء بشاطئ طنجة (البلايا) للعب كرة القدم، حيث كانت المقابلات تتخللها نكت وتبادل للسخرية الراقية، فتتعالى الضحكات، وقد ينهمك الجميع في الضحك المفرط الذي يؤدي أحيانا إلى توقيف المباراة إلى غاية استنفاذ طاقات الضحك لدينا ! وكثيراً ما كانت المباراة تنتهي بالسباحة، فكنا نكمل حصصنا الفكاهية داخل مياه البحر، مستفيدين من خلو الشاطئ من زوار فصل الصيف، إذ كنا نقوم بأنشطتنا هذه خلال السنة الدراسية.
ومما أريد أن أذكره هنا مما يلفت الانتباه هو أن أستاذنــا الشاب كان في غاية النشاط واللياقة البدنية، فقد كان سباحا ماهراً بل وغطاساً متميزاً كما كان يمارس لعبة كرة القدم بإتقان.
كل هذا جعل لشخصية الأستاذ عبد الله تــأثير عميق علينا نحن التلاميذ، ولعله كان تأثيراً متبادلا. فقد شاءت الأقدار أن أحضر – صدفة – حفلة تكريم الأستاذ عبد الله من طرف إخوانه أساتذة جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، فسرني أن أعرف من خلال حديثي معه أن ذاكرته لا زالت تحتفظ بأسماء عدد من المنتمين لهذا الفوج من تلامذته، ولو بعد مرور ما يزيد على أربعين سنة، كد خلالها الأستاذ واجتهد، وحصل على درجة الدكتوراه، وأصبحَ أستاذًا جــامعيًا، رئيسا لشُعْبة، ومؤطرا لما لا يحصى من الأطروحات والأبحاث.

ولم تكن حالة الأستاذ عبد الله، حالة فريدة بثانوية ابن الخطيب، فقد كانت هذه الثانوية – والحق يقال – تَعجُ بأساتذة مُتميّـزين، على رأسهم مدير المؤسسة آنذالك الأستاذ جعفر عبد القادر، والأساتذة، أحمد حشاد، وعبد السلام شقور، ومحيي الدين الريسوني، وأحمد بوكراع، وأحمد الزرهوني، ومحمد العاقل، ومحمد المراكشي، ومحمد التمسماني، وأحمد خليفة، وآخرين إضافة إلى أساتذة فرنسيين مرموقين، أذكر منهم الأساتذة : لاكريز، ولوكونيا، وميس لاكروا، ومارسيليزي، ومدام كوطي ومدام جاك، وغيرهم مما لست أذكر اسمه، لكنني أتذكر شخصيته وقدرته على التأثير في تلامذته. لقد كانوا يتميزون كلهم بالإخلاص في القيام بواجبهم وبمحبتهم لتلامذتهم وحرصهم على مستقبلهم. رحم الله من التحق منهم بدار البقاء، وبارك في عمر من لازال منهم بدار الفناء. ورحم الله أستاذنا المحبوب، وجازاه الله عنا خير الجزاء، وضاعف له الثواب والعطاء بما ربى من أجيال، وبما ترك من علوم ينتفع بها، ومؤلفات يرجع إليها. اللهم أسكنه فسح جناتك، وأفض عليه من رحماتك ومغفرتك إفاضة تليق بجودك وكرمك، إنك جواد حليم كريم.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.


















