شهر الرّحمة مع مُحمد كنون الحَسَني (2)
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( . رقائق رمضانية . )
الجمعة 03 يوليوز 2015 – 12:08:32
•مع استمرار الحياه وتناوب الليل والنهار، وتغير الفصول والاسحار ، يأتي الينا في اوقات نحتاج اليه بشده ، يأتي ضيفا كريما خفيفا محبا نتعلق به ويتعلق بنا ، يربطنا به رباط الخير دوما ، يحل علينا بنسماته وتبريكاتهالإلهية تزداد فيه العبادات والصلوات وتكثر فيه الحسنات وتمحى السيئات .
شهر رمضان شهر تتعاظم فيه التبريكات الإلهية على عباده الذين كتب الله لهم ان يستقبلوا ويتمتعوا بفضله الذى انعم عليهم به، ليكون لهم شفيعا ومطهرا من الذنوب، يأتي أياما قليلة ليمحوا سيئات اقترفناها في ايام كثيرة، له رحيق وعبق مختلف أجمل من رحيق وعبق الأزهار ، نستنشقه قبل قدومه ليكون سببا لطهارةأنفسنا وتقواها فيكفيه شرفا وتعظيما بأن الله زكاه وفضله على سائر الأشهر بكتابه وأتمم نزوله على نبييه الذى ربّـاه .
تشتاقُ النفوس اليه دوما كاشتياق الزرع للماء ، ليستمر في العطاء ويتعايش في هذه الحياة ,هكذا النفس البشرية ترتقى وتعلوا كلما تزودت بفضائل هذا الشهر الكريم لتنتقل من شوائب الدنيا الى صفاء الزهد فيها . .
إن هذا الشهر عظيم جدا فهو شهر الطاعة والإيمان والبركة والخير والإنعام والتطهير من الذنوب والآثام، وهو موسم عظيم لمن صحت فيه نيته وطابت سيرته وسريرته، وصان صيامه عن اللغو وفحش القول وكف عن الحرام جوارحه ولسانه، وتهذبت بالصيام نفسه وكان عطوفا على البؤساء رحيما بالضعفاء، وهناك أعمال كثيرة يستحب الإكثار منها في رمضان منها:
التوبة إلى الله ومراجعة النفس فيما أقبلت عليه وخاضت فيه طوال السنة, مع الحرص على الواجبات والسنن
وقيام الليل , وحضور صلاة الجماعة في كل وقت , وإحياء ليالي رمضان بالصلاة وقراءة القرآن والذكر, والاجتهاد أكثر في العشر الأواخر منه, وأداء زكاة الفطر.
قراءة القرآن الكريم وحضور مجالس العلم والحرص على التعلم والاستفادة,
الالتزام بالأخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة خلال هذا الشهر, فرمضان ليس شهر صيام وقيام فحسب بل هو أيضا شهر أخلاق ومثل عليا يربي عليها الإسلام أبناءه ويدعوهم إلى التمسك بها, فلا صيام لكاذب أو متكلم بالسوء في الناس, أو مفسد لما بينهم من ود وأخوة, أو شاهد زور, أو مؤذ للناس بلسانه أو بيده أو … لأن الدين الإسلامي هو دين العبادة والعلم والأخلاق فمن فرط في شيء من ذلك فقد فرط في ركن من أركان هذا الدين.وقد جعل الحق سبحانه وتعالى هذا الشهر مناسبة لمراجعة النفس وضبطها وتعلمها الأخلاق الحسنة وتدريبها على ذلك حتى تمضي عليه طول السنة ومدى الدهر تمثل الإسلام خير تمثيل وتعطي للعالم أجمل صورة عن الإسلام وأخلاق أهله.
يحرص الكثير من الناس على اخراج زكاة أموالهم خلال شهر رمضان ، فهل في هذا أفضلية ؟ و بماذا تنصحون من يؤخرون الزكاة أو لا يخرجونها ؟
من روائع الإسلام أنه عالج مشكلة الفقر والحاجة منذ أربعة عشرة قرنا وجعل للمحتاجين والفقراء حقا في أموال الموسرين والأغنياء يكفر من جحده، ويفسق من تهرب منه، ويؤخذ بالقوة ممن منعه، لأن هذا الحق الذي سماه الإسلام الزكاة عبادة وفريضة دينية، ثالثة دعائم الإسلام وأركانه،فالزكاة تطهير لنفس المسلم من الشح، هي أيضا تدريب له على خلق البذل والعطاء والإنفاق.
والمسلم الذي يتعود الإنفاق وإخراج زكاة زرعه كلما حصد، وزكاة دخله كلما روج، وزكاة ماشيته ونقوده وقيم أعيانه التجارية كلما حال عليها الحول، ويخرج زكاة فطره كل عيد من أعياد الفطر ، هذا المسلم يصبح الإعطاء والإنفاق صفة أصيلة من صفاته وخلقا عريقا من أخلاقه. ومن ثم كان هذا الخلق من أوصاف المؤمنين المتقين.
والأمر بالإنفاق في سبيل الله والبذل بسخاء في وجوه الإحسان وضروب الخير، ثابت بالكتاب والسنة. وهو أمر واجب طوال السنة إلا أنه في رمضان فيه فضل ثواب وأجر كبير، وفيه تأس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان في رمضان كالريح المرسلة من كثرة جوده وكرمه.
أما المتقاعس عن أداء الزكاة والممتنع عن الإنفاق في سبيل الله وإعانة الضعفاء والمحتاجين، فهو مستهتر بركن من أركان الإسلام، بخيل داخل في قوله سبحانه وتعالى : ” وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ” ففي هذه الآية من الوعيد الشديد على الشح بالمال، وحجمه عن أن يكون أداة للنفع العام ما تنخلع له القلوب، وتقشعر لهوله الجلود، وينتزع من النفوس ما جبلت عليه من الحرص على جمع المال وكنزه، وجحود حقوق الله وعباده فيه. قال ابن عباس :” نزلت هذه الآية في مانعي الزكاة من المسلمين وذلك أنه سبحانه لما ذكر قبح طريقة الأحبار والرهبان في الحرص على أخذ الأموال بالباطل يعني قوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ”، ثم حذر المسلمين من ذلك وذكر وعيد من جمع المال ومنع حقوق الله منه، واختلف المفسرون في معنى الكنز فقيل هو كل مال وجبت فيه الزكاة فلم تؤدى زكاته وفي البخاري عن ابن عمر أن أعرابيا قال له : أخبرني عن قول الله سبحانه :” والذين يكنزون الذهب … الآية . قال ابن عمر :”من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له” .
ما هي المخالفات التي يقع فيها بعض الصائمين و التي كثيرا ما تسألون عنها في هذا الشهر الكريم ؟
من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الصائمين الإصرار على الصوم مع وجود مبيح للإفطار مثل:
1. المرض لقوله تعالى: ( من كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )، فإذا كان الصوم يشق على المريض ويجهده أو يتسبب له في مضاعفات مرضية جاز له الإفطار بل وجب عليه إذا كان الصوم يؤدي به إلى مضاعفة المرض أو إلى خطر، وخاصة عند مرضى السكري، والكلاوي، والقلب والشرايين وغيرها، والقول الأول والأخير في مثل هذه الحالات للطبيب فهو الأدرى بحالة المريض وأضرار الصوم عليه.
2. الحمل : قال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة ( وإذا خافت الحامل على ما في بطنها أفطرت ولم تطعم)، بل إن فطرها واجب
3. الرضاع: لقوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) قال ابن عباس: ( أثبتت للحبلى والمرضع)، قال ابن أبي زيد القيرواني: ( وللمرضع إن خافت على ولدها،.. أن تفطر وتطعم).
الهرم والشيخوخة
4. شدة الجوع والعطش لدرجة الإحساس بخطر يهدد الحياة، وخاصة عند العمل في الشمس لمدة طويلة، أو لبذل جهد كبير.
رمضان هو شهر التسامح و الغفران ، كيف لنا أن نسامح كل من أساء الينا و أن نبادر بالتسامح ؟
لقد دعا الإسلام إلى الحوار وحث على التعايش السلمي بين البشر من أجل إقامة نظام عالمي داخل إحدى أهم أسس وركائز هذا الدين وقيمه العليا وهي ” التسامح ” بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني الحريـة والمساواة ، وتقدير الإنسانية ونبذ كل أشكال الكراهية والصراع والعنف، فإذا كان شهر رمضان هو شهر المغفرة والمحبة وصلة الرحم، وهو زمن عبادة الله والتقرب إليه بشتى أنواع البر والإحسان، فمن الواجب على المسلم أن يجعل من هذا الشهر شهرا للتربية على الأخلاق الحسنة، ونبذ كل أشكال العنف والصراع والتضارب، وأن يجعله محطة للتدبر والتعلم، تعلم الحلم والعفو عند المقدرة، تعلم الصبر وكبح كل أشكال الغضب، تعلم مقابلة السيئة بالحسنة، والكلمة الخبيثة بالطيبة، وأن يعاهد نفسه على أن يظل دائما متسامحا مع نفسه ومع أهله، ومع جيرانه ومع أصدقائه، متأسيا في ذلك بنبي الهدى صلى الله عليه وسلم الذي أمره ربه بالصبر والتسامح فقال سبحانه: ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
انطلقوا في الأرضاذن وتمتعوا ، فمن فضل الله الحسنات تتكاثر، وانظروا الى السماء الصافية وابتسموا، وانظروا الى الطير من فوق رؤوسكم وقولوا سبحان من علمه كيف يتغلب على الجاذبية ، لا تتركوا ثقبا للخير الا أن تأتوا وتمرون منه لتحصلوا على رضا ورحمة من الله ، دعونا نستبشر الأجر العظيم من هذا الشهر الكريم لكى يكون بدايةفى التسامح والعفو فيما بيننا .
يتبع ………..
الجزء الأول