تَقنين الكيف مرّة أخرى!
جريدة طنجة – عزيز گنوني
الخميس 09 يوليوز 2015 – 12:36:25
في الوقتِ الذي يَشْهدُ المغرب فيه تَنــامي ظاهرة العنف والإجرام، بكل أشكاله، ويسقط في الشوارع عشرات من ضحايا الاستعمال الجنوني للسلاح الأبيض، تحت تأثير المخدرات ما “صلُب” منها وما “خف”، يعود الحزبان “اللذان على بالكم” ، بعناد، إلى مشروع الكيف الذي جعلا منه “مطية” لتحقيق “مآرب أخرى”، ولحصد أصوات المزارعين والمحولين والمعالجين والناقلين والمتاجرين والوسطاء الدوليين….خاصة وأنه يوجد من بين “طينورات” بعض الأحزاب، قيادات من المنطقة، تعرف معاناة أهل الكيف المعتق، من جبال الريف إلى روابي فاس ووزان، مرورا بالشاون وتاونات، ووصولا إلى “المطعم البلدي” بطنجة، الذي تغنى به شاعر الحمراء محمد بن ابراهيم !..
الحزبان العتيدان جالت قيادات منهما الريف وما جاوره، دعوة لتقنين الكيف و ولالتماس العفو الشامل على المزارعين، في ما جرت به المقادير، وجرتهم إلى المتابعات الدركية، ما دفع بالعديدين منهم إلى العيش في “الظلام”، خشية الوقوع في المحظور والملام !.. ولم يخل “تجمع” سياسي ، أو نقابي، أو شبابي، مما اصطلح عليها ب “اللقاءات التواصلية” من ذكر الكيف الكتامي نسبة إلى كتامة الشهيرة التي أصبحت فرقة موسيقية شبابية اسبانية ذائعة الصيت، تحمل اسمها وتجوب به أقطار وأمصار العالم، دانيها وقاصيها، والحال أن كتامة بلدة طيبة، أهلها طيبون، تعيش نصيبها من الإهمال والتهميش، في صمت، لأن أهلها ليسوا قادرين إلا على الصمت، ومن غامر، قامر بحريته، …ولا يظلم إلا نفسه، لأن سيف داموكليس مصوب دوما إلى عنقه !.. تهمة “زراعة الكيف” جاهزة، والمحاضر أيض جاهزة، بالنسبة للمسترزقين بالعشبة الوحيدة التي تتجاوب مع التربة، إلى حدود الساعة، بينما أباطرة الأباطرة، هم من يستفيدون من العشبة ويجنون الملايير من ترويجها في الداخل، وخصوصا في الخارج، حيث صنفتنا المحافل الدولية المختصة، على رأس قائمة منتجي ومروجي الكيف في العالم….ولا فخر !!!……
وحين نتحدث عن بلدة اكتامة، يجب أن لا نغفل ميناء المتوسط، الذي صار المنفذ الرئيسي لخروج البضاعة المخدرة، التي لا يقوى أكبر سكانيرات العالم دقة وأحدثها من كثرة حالات “التسرب” التي يشهدها هذا الميناء العظيم، والتي يعترضها الحرس المدني الاسباني لتتحول إلى فضيحة دولية ترفع من مهارات الأسبان وتنتقص من نباهة المغاربة. ومن تلك الحالات المثيرة، عملية حجز حوالي 40 طنا من الكيف بميناء الجزيرة الخضراء من على متن شاحنتين اجتاز سائقاهما كل الحواجز القانونية بالمتوسط، ليسقطا في فخ المراقبة الاسبانية. هذه العملية تطلبت تدخل عناصر من المكتب المركزي للأبحاث القضائية. والبحث مستمر، والتهريب مستمر بالمتوسط إلى أن يدخل الخدمة ميناء غرب المتوسط بالناظور، لـ “يخفف” الحمل على توأمه بطنجة !!!
لقد كُتب الكثير عن الكيف، عن أصوله الصينية والهنـديـة والآشـورية والأسيوية والأوروبية والأمريكية اللاتينية ، وعن تـاريخ إدخـالـه للمغـــرب، والسماح بزراعته بـ “ظهير”، وسلسلة التنظيمات التي لحقت بهذه الزراعة، إلى جانب “الطابا”، بعد الحماية، وإحداث “المونوبوليو” الأول بطنجة، إلى انبعاث موجة “الهيبي” في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وهم خليط من شباب أقوام مختلفة، متنوعة، استخرجوا من العشبة العجب العجاب، بعد أن كان موطنه “الشقف” و “السبسي” والغراف والهراوة و”التدريحة” و “التقطيبة” و”التبويقة” ……لتزدهر زراعته وتجارته ويكثر الطلب عليه عبر العالم المتحضر والغني، بوجه خاص ، ثم لتبور تجارته بعد أن تقلصت مساحة زراعته إلى أقل من 50 ألف هكتار، بحكم محاربة الحكومة لزراعة الكيف، وبعد أن رفعت بعض الحكومات الأوروبية طابع التجريم عن الاستهلاك الذاتي.
وهو ما يطالب به زعماء بعض الأحزاب، ليس ذلك حبًا في المزارعين المهددين بالسجن أربعا وعشرين ساعة على أربع وعشرين، بل طمعا في أصواتهم التي قد ترفعهم غدا، إلى دفة الحكم، ليتنكروا، غذاة فوزهم، لوعودهم التي قطعوها على أنفسهم، كما فعل جل من سبقوهم، في “انتظار تكرار اللعبة”. أو ليست الديمقراطية اللعبة المفضلة عند سياسيي أحزاب المناسبات والانتخابات ؟، حتى وإن ملأوا الدنيا صراخا أنهم إنما جاءوا لتخليق الحياة السياسية بالبلاد وأنهم “زاهدون” في المناصب والامتيازات، وأنهم …..
وأمام محاولات بعض أحزاب المعارضة، الحصول على “وعد” بإمكانية مراجعة المتابعات المتعلقة بزراعة الكيف، على خلفية مقترح قانون تقدم به حزب سياسي معارض، أعلن وزير الداخلية، أمام مجلس المستشارين أن القانون يمنع زراعة الكيف والاتجار فيه وأن الحكومة ملزمة بمحاربته .
تصريح وزير الداخلية وضع حدا لمطامع بعض أحزاب المعارضة بإمكانية “تقنين” زراعة الكيف ، لأن القانون يمنع منعا كليا زراعته والاتجار فيه وبإمكانية العفو الشامل على المزارعين المتابعين.
وكان فريق حزب الأصالة والمعاصرة بالغرفة الثانية قد وضع مقترح قانون يقضي بتقنين زراعة الكيف عبر استغلال العشبة في صناعة مواد طبية وصناعية. وهو أيضا ما سعى إليه حزب الاستقلال الذي قدم، هو أيضا، مقترح قانون في الموضوع بمجلس النواب.
موضوع تقنين الكيف لاستخلاص ما يحتويه من عناصر صالحة للاستعمال في مجال الطب والصناعة، موضوع وجيه تجب دراسته علميا بتعاون مع الجهات الدولية التي سبقتنا إلى ذلك، ولكن دون محاولة استغلاله انتخابيا أو “شوفينيا”.
ولا ضرر في الرجوع إليه مرة وأخرى، فلربما أن “نضج” الحكومة لم يكتمل بعد، لتقبله ، وقد تأتي حكومة أخرى أو حكومات أخرى تكون أكثر انفتاحا على مواضيع شائكة كموضوع الكيف ومشتقاته، وتقبل بالخوض فيه، من منطلق علمي وصناعي، بعيدا عن كل مزايدة سياسوية أو انتخابية.
المهم أن يعمل السياسيون بحكمة “كلام أقل” و “عمل أكثر” وأن يستعينوا على قضاء الحوائج وبلوغ الأهداف بالحكمة والرزانة والمنطق والتبصر وبعد نظر.
فلا شيء ثابت في السياسة سوى فرضية ” التغير” !!!
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com