شهر الرّحمة مع مُحمد كنون الحَسَني (3)
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (( . رقائق رمضانية . ) )
الأربعاء 08 يوليو 2015 – 11:04:39
• قد يكون مصيباً من يقول، إن الصِّيام هو من أجل الصحة، عندئذ يقبل الإنسان على الصيام من أجل صحته، لكن ليست هذه هي العبادة، العبادة أن تُقبل على الأمر تنفيذاً لأمر الله عز جل وطاعة له، وتقرُّباً إليه.
الله جلَّت حكمته حينما يرى عبداً من عباده المتَّقين، يُقبل على الطّاعات، لأنَّها أوامر خالقه، ومربيه، حينما يكون كذلك يكشف الله بعد التطبيق علَّته المعجزة، وحكمته البالغة، وأسراره العظيمة. أي أنت إذا أقبلت على طاعة الله تنفيذاً لأمر الله، وتقرباً إليه، وتحقيقاً لعبوديتك، بعد أن تنفِّذ الأمر يمتن الله عليك، فيكشف لك حكمته، فتكون قد جمعت بين العلم وبين العبادة، أما الذي لا يطبِّق أمراً إلا إذا بدت له حكمته، وبدا له نفعه، وتعلَّقت به مصلحته، فهذا لا يعبد الله لكنَّه يعبد ذاته.
إذا أقْبَلْنَــا على طاعة الله تحقيقاً لعبوديتنا له، عندئذ نكون قد فعلنا ما ينبغي أن نفعل، أما الذي يعلق تطبيق الأمر على فهم الحكمة، ورؤية الثِّمار، فهو لا يعبد الله، ولكنَّه يعبد ذاته. كل أمر إلهي علته أنَّه أمر إلهي، هذه اللَّفتة أيها الأخوة من أجل أن يرقى صيامنا من سلوك ذكي إلى عبادة خالصة، السُّلوك الذَّكي نقطف ثماره في الدنيا، أما العبادة الخالصة فنقطف ثمارها في الدنيا والآخرة. يقول الله تبارك وتعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
فضيلة الدكتور ، محمد كنون الحسني ، بهذا الجزء من حوارنا عن رمضان و آدابه ، سنحاول أن نجيب على أسئلة قرائنا الكرام المتفرقة و المتعلقة بالحياة اليومية برمضان ..
الأصل أن تبقى المرأة على الفطرة التي خلقت عليها بأن تصوم أيام الطُهر وتفطر أيام الحيض، ففي كلاهما طاعة لله وامتثال لأمره، وقد خفف الله على المرأة فلم يأمرها بقضاء الصلاة، لكنه أمرها بقضاء الصيام خلال السنة، نعم أفتى بعض العلماء بجواز ذلك بالنسبة للمرأة الحاجة أثناء قيامها بمناسك الحج إذا خافت ضياع حجها وحضور موعد السفر دون قيامها بطواف الإفاضة الذي هو ركن وأصل في فريضة الحج.
ما حكم الشرع في إفطار الحامل التي يشق عليها الصيام في رمضان ؟
هذا سؤال يتكرر كثيرا في هذا الشهر عن المرأة الحامل والإنسان المريض، وهنا لابد من استشارة الطبيب المختص والمعالج فهو الذي يشخص حالة المرأة الحامل أو الإنسان المريض، ويحكم بجواز الصوم أو منعه، أما من الناحية الشرعية فقد أمر الله سبحانه عباده بالصوم إذا استطاعوا ، أما في حالة المرض الشديد الذي لايقدر الإنسان معه على الصوم، أو الذي يتطلب تناول الدواء في كل وقت، أو الذي يزيد ويتضاعف بفعل الصوم، فقد رخص الشارع بالفطر ، بل قد يصبح الفطر واجبا إذا كان الصوم يؤدي بالإنسان إلى هلاك، لأن الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، ولقوله تعالى: ( ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة).
أما مبيحات الإفطار في رمضان فمنها:
1. المرض لقوله تعالى: ( من كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )، فإذا كان الصوم يشق على المريض ويجهده جاز له الإفطار.
2. السفر، بشرط أن يكون مباحا وطويلا متعبا ـ أن تكون المسافة مسافة قصر ـ وأن يبيت الفطر قبل الفجر، أما إذا كان لاتعب فيه فالصوم أحسن لقوله تعالى: (وأن تصوما خير لكم )
3. الحمل : قال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة ( وإذا خافت الحامل على ما في بطنها أفطرت ولم تطعم)، بل إن فطرها واجب
4. الرضاع: لقوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) قال ابن عباس: ( أثبتت للحبلى والمرضع)، قال ابن أبي زيد القيرواني: ( وللمرضع إن خافت على ولدها،.. أن تفطر وتطعم).
5. الهرم والشيخوخة.
6. شدة الجوع والعطش لدرجة الإحساس بخطر يهدد الحياة.
7. الإكراه فمن أكره على الإفطار أبيح له ذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( رفع عن هذه الأمة ثلاثا: الخطأ ، والنسيان، والأمر يكرهون عليه)
ما هو مقدار الفدية المادية لمن أفطر رمضان عن غير عمد؟
من أفطر في رمضان غير متعمد فلا فدية عليه وإنما يقضي ذلك اليوم بعد خروج شهر رمضان، أما الفدية فتجب على المريض بمرض مزمن لايقدر معه على الصيام لافي رمضان ولافي غيره، حيث يخرج عن كل يوم مقدارا من الطعام يشبع جائعا ويكفيه لوجبة واحدة، وأقله عشرة دراهم.
هل الاحتلام يعد من مفسدات الصوم ؟ و هل يستوجب الغسل ثم الصيام او متابعته دون غسل ؟
الاحتلام لايفسد الصوم ولو احتلم الإنسان في نهار رمضان، لأنه يقع في النوم ولادخل للإنسان فيه، وما على المحتلم إلا أن يغتسل عند الاستيقاظ من النوم لأداء الصلوات ولا يؤثر ذلك في الصيام على الإطلاق فالصيام صيام والغسل مرتبط بالصلاة وليس بالصيام.
الحناء و قطرة العين و معجون الاسنان و البخاخ لمرضى الربو و أشياء أخرى من هذا القبيل هل تفسد الصوم؟
مبطلات الصوم معروفة ومحددة عند العلماء منها:
1. الأكل والشرب بعد الفجر .
2. الأكل والشرب قبل غروب الشمس .
3. وصول مائع إلى الجوف عن طريق الفم أو الأنف أو العين أو الأذن.
4. خروج المذي بسبب النظر أو الفكر.
5. الردة عن الإسلام إن تاب ورجع إليه في نفس اليوم.
6. إخراج القيء عمدا.
أما غيرها من الأمور التي لاتصل إلى الجوف والأمعاء فمن المكروهات التي ينبغي تجنبها نهارا من باب الاحتياط، وإذا لم يكن فعلها ضروري يترتب عليه علاج أو إنقاذ من هلاك، مثل مايتعلق ببخاخ الربو.
بعض الأشخاص يأكلون أو يشربون ، و المؤذن يشرع في آذان الفجر ، متى على الصائم ان يتوقف نهائيا عن الأكل و الشرب مع العلم أن هنالك من يقول انه من الجائز الأكل في غضون 20 دقيقة بعد الآذان ؟
الواجب على الصائم الإمساك عند وقت الآذان، لكن فقهاء المالكية ومن باب الاحتياط وعملا بدلالة ظاهر قوله تعالى في آيات الصيام: ( تلك حدود الله فلا تقربوها) قالوا: ينبغي أن يمسك من نوى الصيام من أجل الدقة والتحري قبل حلول وقت الآذان بقيل، لذلك نجد في حصة شهر رمضان الإمساك قبل وقت الآذان بنحو نصف ساعة من أجل الاحتياط الواجب في هذا الباب، وفي الحديث عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابترضي الله عنهما قال (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قام إلى الصلاة . قال أنس : قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية )
قاطع الرحم في رمضان ، ما حكم الشرع في صيامه و قيامه و دعائه ؟
لقد أمر الله بصلة الأرحام والبر والإحسان إليهم، ونهى وحذر عن قطيعتهم والإساءة إليهم، وعد صلى الله عليه وسلم قطيعة الأرحام مانعاً من دخول الجنة مع أول الداخلين، ومُصْلٍ للمسيئين لأرحامهم بنار الجحيم. وعلى الرغم من وصية الله ورسوله بالأقارب وعد الإسلام صلة الرحم من الحقوق العشرة التي أمر الله بها أن توصل في قوله تعالى { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى} البقرة 36 إلا أن جلّ المسلمين أضاعوا هذا الحق مثل إضاعتهم لغيره من الحقوق أو أشد مما جعل الحقد والبغضاء والشحناء تحل محل الألفة والمحبة والرحمة بين أقرب الأقربين وبين الأخوة في الدين على حد سواء.
فصلة الرحم فريضة إسلامية وقطعها كبيرة من الكبائر على المسلم أن يتوب منها إلى الله سبحانه وتعالى حرصا على كمال الطاعات والقربات،خاصة في هذا الشهر الكريم الذي هو زمن الثوبة والمغفرة والرضوان، فلا معنى لأن يتقرب الإنسان إلى الله بأعمال كثيرة في هذا الشهر، ويعصيه بفعل ما هو أعظم، ففي الحديث رَوَى ابنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ عَنْ أبي ذَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ”أَوْصَاني خَلِيلِي بِخِصَالٍ مِنَ الخَيْرِ، أَوْصَاني أنْ أَنْظُرَ إلى مَنْ هُوَ دُوني ولا أَنْظُرَ إلى مَنْ هُوَ فَوْقِي وَأَوْصَانِي بِحُبّ المَسَاكينِ والدُّنُوّ مِنْهُمْ وَأَوْصَانِي أَنْ أَقُولَ الحَقَّ وإِنْ كَانَ مُرّاً وَأَوْصَانِي أَنْ أَصِلَ رَحِمِي وَإِنْ أَدْبَرَتْ (قطعت) وَأَوْصَانِي بِأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ الاّ باللهِ فإنها كنز من كنوز الجنة” .
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر. وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
يتبع ………..
الجزء الثاني