الإجهاض : في أربع حالات خاصة
جريدة طنجة – عزيز گنوني ( الإجهاض )
الأربعاء 02 يونيو 2015 – 11:21:46
• وُجود خطر على صحة أو حياة الأم
• زنا المحارم
• الاغتصاب
• تشوهات جينية خطيرة
و النّقـاش لا زال مفتوحــًا…
“الذكور” هنــا، وزير العــدل والحريـــات ووزير الأوقاف ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذين كلفوا بما كلفوا به ليقدموا تقريرا لا يتضمن رأيا أنثويا أو رؤية أنثوية علمية أو قانونية أو سياسية، ولدينا من النساء عالمات بشؤون الدين والدنيا، حبذا لو استمع إليهن ، علنا، أو جاء ذكرهن في من تمت استشارتهم من رجال الدين والطب والحقوق والسياسة ! ….
على أن الوزير الوردي، “المرضي”، ظل وحيدا في ساحة المعركة، يصارع من نذروا أنفسهم للحديث باسم الأنثى ، وإصدار الأحكام الجاهزة على الأنثى ، باعتبارها “جارية” “ناقصة عقل ودين” وباعتبار “القوامة” الواردة في حق الرجل، الذي عليه أن يؤذبها ويضربها ويهجرها متى وأين وأنى رأى ذلك من مصلحته !!….
الوزير الوردي، المواطن، الطبيب، العالم بما يسر الله له، ، من أسرار الحياة ونشأتها وتطورها في الأرحام، بالدقة العلمية التجريبية وليس من باب “يحكى أن” أو “قال قائل”….، دافع بقوة، في لقاء وطني، عن ضرورة مراجعة عاجلة لقانون الاجهاض، في حالات معينة، منها زنا المحارم والاغتصاب والتشوهات الجينية ووجود خطر حقيقي على صحة أو حياة الأم.
هذه حالات من البداهة أن لا تحتمل معارضة معارض، حتى ولو كان من أهل التزمت والغلو. ومع ذلك، وجد من “يفتي” بأن لا حق في إجهاض حمل ناتج عن زنا المحارم حتى ولو صار الأب أب الأم والمولود معا ، أو صار الأخ أبا وخالا، حتى … ولو ترتب عن ذلك ارتباك في الأنساب !!!!…….
شيء يدفع إلى الجنون، أن توجد في زمننا هذا، عقول متحجرة، لا ترى أن من مقاصد الشريعة إسعاد البشر ومن مقاصدها أيضا دفع الضرر. والضرر هنا واضح في وجود حالات اجتماعية جديدة أفرزتها ظروف التطور المجتمعي الذي لا يمكن الوقوف في وجهه، والذي يدفع فتيات صغار السن، بلا تعليم ولا تجربة في الحياة، إلى العمل في بيوت “مسلمين” “بلا قانون ولا دين” كما يقول المثل الفرنسي. أو لم يقل علي ابن أبي طالب: لو كان الفقر رجلا لقتلته بسيفي هذا ؟ !”
فكيف بنا “نعاقب” الأنثى مرتين، عن إثم لا يد لها فيه، ونفرض عليها أن تتدبر حلولا لواقعتها في حين نتوفر نحن على حلول مناسبة، تحفظ لها كرامتها وتضمن للمولود حياة إنسانية طبيعية. هل اختفت الرحمة من قلوب رجال الدين إلى هذا الحد؟
قضايا الاجهاض شغلت الناس طويلا في المغرب ، أقصد الفقراء والمستضعفين، أما غيرهم، من المرفهين، فالمشكل غير مطروح بالمرة. لأن أرض الله واسعة، وأينما توجهوا وجدو من “يأخذ بيدهم” ما داموا “يدفعون”. أما غير القادرات على الدفع، فيدفع بهن إلى الزنازين والمعتقلات، بدعوى “إقامة علاقات جنسية خارج الزواج “الشرعي”، ـ يا سلام !ـ وتسود صحيفتهن بسيء السوابق، ويزج بهن غصبا في أسواق المتاهة والدعارة والتشرد.
يحصل كل ذلـك ونحـن نمارس سيـاسة النعامة، ونستحضر كتب الأولين الذين عاشوا زمانا غير زماننا وأوضاعا غير أوضاعنا، وما زال منا من يعتد بآرائهم وأحكامهم، وكأنه وحي منزل !…ليحاول فرض إطار حياة من نوع خاص علينا ، من باب الوصاية التي يظن رجال الدين أن لهم علينا في إحكام الطوق حولنا، فلا نتحرك إلا بمشيئتهم ولا نختار إلا ما يختارونه هم لنا، شاهرين على الدوام، سيف “ما يجوز وما لا يجوز” في وجوهنـا !…
واقع الاجهاض وحمل الأمهات العازبات، ــ ولكل واحدة ظروفها التي لا يعلمها إلا الله ــ أمر يفرض نفسه على المجتمع، ومعالجته تستوجب استحضار عدد من الحقائق المجتمعية لفهم المشكل والإحاطة به بحكمة، وتبصر، وبعد نظر، ومسحة من عاطفة إنسانية.
خاصة، والمغرب كان يعتبر بلدا رائدا في مجال مراقبة الحمل خلال سبعينات القرن الماضي، حيث كانت أقراص منع الحمل والعوازل للرجال والنساء توزع بالمجان على الراغبين والراغبات في تنظيم الحمل. وكان بعض رجال الدين قد أقاموا الدنيا ضد هذا الاجراء، بدعوى أن الإنجاب سنة من سنن الحياة فرضها الله على عباده، بل إنني أذكر فقيها ثار على سياسة تنظيم الحمل بحجة أنها تخالف دعوة الرسول إلى الإنجاب “تناكحوا، تناسلوا، فإني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة” !!!!…… أخرجــه أبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم. ومن صيغ هذا الحديث “تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة.” والواقع أن الذين يحتجون بالحديث لا يضعونه غالبا في سياقه التاريخي بل ولا يأتون بأسباب وروده ومقاصده الحقيقية، ويكتفون باستعراض النص حجة لموقفهم وسندا لرأيهم.
ولكن الرجال والنساء انصرفوا عن قول الفقهاء حين أيقنوا أن في تنظيم النسل راحة لهم وضمانة لاستقرار أحوالهم وأسرهم.، بدل الوقوع في المحذور والسعي إلى ركوب مخاطر الاجهاض السري، للتخلص من حمل غير مرغوب فيه، لضعف الحال وقصر اليد. كما يحدث للراغبات في وقف حمل لم يكن منتظرا ولا مرغوبا فيه، لأكثر من سبب، اجتماعي وصحي ومالي، حيث تضطرهن الظروف، أمام استحالة التوجه إلى طبيب مختص، من أجل إجهاض آمن، يلتجئن إلى الإجهاض السري على يد “العرافات” وبواسطة الوخز بالإبر، والدبابيس، واستعمال أعشاب سامة وكل ما يمكن أن ينصح به، الأمر الذي يشكل خطرا على حياة الأمهات المجهضات وقد يتسبب لهن في عاهات دائمة، إن كتب لهن عمر جديد وبقين على قيد الحياة !. وقد يلجأن إلى المستعجلات، وهن ينزفن دما، حين تشتد عليهن أوضاعهن ويشعرن بقرب هلاكهن…..ليتدخل الطب من أجل محاولة إنقاذهن، وكان الأفضل أن يبدأن بالمستعجلات قبل العرافات…….
ولكن كبرياء المجتمع يأبى عليهن ذلك ! ..
وحين دخل جلالة الملك على الخط، أيقن الكثيرون أن الفرج قريب وأن باب الإجهاض في القانون الجنائي، رغم تشدد الوزير الرميد من باب خلفيته التي نعلم، سائر في طريق الاصلاح. وهو ما كان.
فقد عُرضت على جلالته حالات خاصة يتم رفع العقوبات الجنائية عنها، لوجود مبررات قاهرة، وآثار صحية واجتماعية سيئة على المرأة والاسرة والمجتمع، تتلخص في حالات الاغتصاب، وزنا المحارم، وبسبب تشوهات جينية خطيرة ، ووجود خطر على صحة وحياة الأم، وأضاف سعد الدين العثماني حالة الأم المصابة بأمراض عقلية ونفسية.
وحين استقبل جلالة الملك لجنة التفكير والاستشارة في الخامس عشر من الشهر الجاري، أعطى تعليماته لوزيري العدل والصحة قصد التنسيق وإشراك المختصين من أجل بلورة ما تم الوصول إليه من خلاصات، في مشروع قانون يتم إدراجه في القانون الجنائي كما عدل وكمل. ويتم كل ذلك في إطار احترام تعاليم الدين، و”التحلي بفضائل الاجتهاد” ، موازاة مع العمل على نشر التوعية والوقاية وتبسيط المعرفة العلمية.
وكان طبيعيا أن تحدث نتائج هذه الاستشارة “صدمة” لدى “الحداثيين” الذين كانوا ينتظرون تحريرا كاملا للإجهاض، اعتبارا لمبدأ “حرية المرأة في جسدها” في حين عبرت الأوساط المحافظة عن “ارتياحها” لهذه النتائج التي وإن جاءت ببعض الحلول إلا أن الإجراءات المصاحبة، من باب البرهنة على وجود خطر على صحة المرأة وضرورة إذن الزوج، والبرهنة على وجود التشوهات الجينية إلى آخره، قد تشكل عقبة أمام الراغبات في الإجهاض !!…
على أي، النقـــاش لا زال مستمـــرا…. ما دام البلد يشهد ألف حالة إجهاض سري في اليوم، وما دامت المزابل تتلقف آلاف المواليد الجدد الذين يتخلص منهم بهذه الوسيلة ليصبحوا فريسة للكلاب والقطط الضالة، وما دام القانون متشددا في ما يخص الإجهاض، وما دامت مراكز ودور استقبال الأمهات العازبات وأولادهن تعد على رؤوس الأصابع، وما دام الشارع ودور البغاء و الحانات والكباريهات تعتبر ملجأ من “تقطع بهن حبل العيش” ولجأن إلى أرذل العيش !!!….. ذنبهــن أنهن وقعــن في خطيئة بسبب إغراء ساعة شيطانية ذهبت بما عشن عليه من عفة وطهر وبراءة، ليواجهن مجتمعا أنانيا لا يركز إلا على الأخطاء….”ومن كان بلا خطيئة فليرمها بحجر” حكمة من حكم المسيح، والقصة معروفة !……