هدم مُنشآت الشاطئ البلدي

وقد واكب انطلاق عملية الهدم حضور قوي للأمن كتدبير وقائي، مخافة خروج الوضع عن السيطرة، خصوصا والمنشآت المقرر تدميرها تطلبت استثمارات مهمة لن يكون من السهل التخلي عنها من طرف أصحابها.

ولكن الساعات الأولى من العملية، التي كان من المفترض أن تكون حرجة، لم تشهد أي رد فعل يمكن وصفه بالعنيف باستثناء بعض «المناوشات بين رجال الأمن ومستخدمي بعض المحال نتج عنها توقيف شخصين ووضعهما تحت الحراسة النظرية، وفق ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام.

عملية الهدم التي فاجأت المواطنين قبل أصحاب المنشآت المبرمج تدميرها ستتم على مرحلتين أو أكثر، وفق القرار الصادر بهذا الشأن سابقا والذي بدأ تنفيذه فعلا منذ بضع سنوات، ليتم تأجيله في ما بعد.

ولقد استغرب الكثيرون مما تم الترويج له من طرف منابر ومواقع إعلامية، من أن هدم المنشآت الشاطئية يندرج في إطار القضاء على «أوكار » السكر والدعارة ب «كورنيش » طنجة، والحال أن السكر والدعارة مظاهر اجتماعية يجب تجفيف منابعها ومسبباتها من المنبع، وهي أسباب ترتبط بالوضع الاجتماعي العام بما في ذلك التقصير الحاصل في التعليم والصحة والعدالة والشغل وكذلك الشطط في استعمال السلطة، وتفاقم مظاهر القهر والظلم والفقر والهشاشة، كما ترتبط تلك الأسباب بفشل المغرب في تحقيق العدالة الاجتماعية ، بتوزيع عادل للثروة، ونشر متكافئ لبرامج ومشاريع التنمية بين الحواضر والبوادي وتحقيق المساواة التامة بين رجال ونساء المغرب، في المدن كما في القرى، بعيدا عن المزايدات السياسوية وعن التأويلات الماضوية للنصوص. والحال أن المغرب لا يتوفر لا على إرادة سياسية لذلك ولا حتى على مشروع مخطط، واضح، لأن المشكل أكبر من قرارات حكومية حتى ولو جندت لها كل «طراكسات » الدولة والقطاع الخاص، وعبأت لذلك كل الأجهزة الأمنية بالبلد.

وقد ذهبت بعض التعليقات الصحافية بعيدا في تفسير قرار هدم منشآت الشاطئ، محاولة إيجاد تعليلات وأعذار أخلاقية له ولأصحابه، فتحدثت عن «مراتع وبؤر » لممارسة الدعارة وترويج المخدرات، وكون قرار الهدم شكل مطلبا ملحا من طرف السكان لما في وجود تلك الملاهي والمراقص «المشبوهة » من إحراج لكثير من العائلات «المحافظة » التي ظلت ولسنوات محرومة من حقها في التنزه والاستجمام بهذا الفضاء، بسبب العديد من «الظواهر اللاأخلاقية، » إلى غير ذلك من الكلام الموزون والمقفى والمطبوع بطابع الأخلاق واللاأخلاق ! ….كما أن توقيت قرار الهدم تمت دراسته بعنايةقد يكون، مرتبطا بحلول شهر رمضان الأبرك !!…من أجل وضع حد ل «سيطرة » المراقص والحانات على كورنيش طنجة.

فهل ستحدو سلطات الدار البيضاء وأكادير وتطوان ومراكش وغيرها من المدن الشاطئية والسياحية، حدو سلطات طنجة وتأمر بتخليص «كورنيشاتها » وفضاءاتها العمومية من تلك «المحال المشبوهة » بسبب ما يشوبها من دعارة وسكر وفجور؟ وهي ممارسات مضبوطة قانونا ومدرجة في قوانين الزجر الموكل تطبيقها إلى الجهات المختصة.

هدم المنشآت الشاطئية أمر لا يخرج عن مشروع «تحرير » الشاطئ من «الاحتلال » «القانوني » المرخص به سابقا، لمستثمرين خواص، أو لمستفيدين من الريع «الوطني » بهدف «تأثيث » الشريط الشاطئي، وخلق نوع من «التنشيط » والترفيه، كما هو الشأن بالنسبة لجميع شواطئ العالم. وهذا «التحرير » سيتبعه تنفيذ مخطط جديد لتأهيل الشاطئ يندرج في إطار إعادة توظيف فضاء الميناء القديم وتجهيزه بمنشآت جديدة وحديثة، وبمعايير «دولية » في ما يخص الترفيه والتنشيط، وفق تصور جديد لا شك أن المسؤولين عن إعادة تأهيل الميناء القديم والواجهة البحرية المتوسطية لمدينة طنجة قد أعدوا له العدة وفكروا في إشراك أهل المدينة في ذلك، لأن أهل مكة أدرى بشعابها .

ولأن أهل طنجة يتوفرون على كم متراكم من التجارب في هذا الشأن اعتبارا لأن شاطئ مدينتهم كان أول شاطئ مغربي تم «تأهيله » قبل بداية القرن الماضي، وتجهيزه ليقوم بدور هام في تنمية المدينة التي كان الميناء بمحيطه، الدعامة الأساس لهذه التنمية.

والمؤمل أيضا أن يستفيد أهل طنجة من فرص الاستثمار في المشاريع المقبلة، سواء بالشاطئ أو بالمارينا، لأن ذلك قد يشعرهم بأنهم يشكلون جزءا من مشاريع التنمية التي انخرطوا فيها بمجرد الإعلان عن مخطط «طنجة الكبرى » وأنهم صمام أمان لاستمرار تلك المشاريع ونجاحها وصيانتها.

إلى جانب ذلك، تم الإعلان مؤخرا عن أن الأشغال بالميناء القديم تقدمت بشكل جيد، خاصة بالنسبة للمارينا ولميناء الصيد البحري، بحيث من المقدر أن تصبح المارينا من أهم المرافق الترفيهية البحرية على ضفتي الأبيض المتوسط، انطلاقا من السنة المقبلة.

ومع ذلك، يبقى مشكل تلوث الشاطئ أكبر عائق لتنمية الواجهة البحرية المتوسطية لطنجة ما لم يتم تخليص مياه البحر من آثار التلوث الصناعي والتلوث الناتج عن إفراغ «قاذورات » المدينة في الشاطئ المتوسطي والأطلسي على حد سواء، و «تحرير » الكورنيش من «الروائح الكريهة، » خاصة بالليل، وتطهير البيئة باعتماد الوسائل التقنية الحديثة التي تم بواسطتها «تنظيف » شواطئ كانت ملوثة في اسبانيا والبرتغال ودول سياحية أخرى، والعودة بشاطئ طنجة إلى سابق عهده الزاهر، حيث كان يصنف بين أحسن شواطئ العالم، ولا شك أن أهل طنجة يذكرون أن طائرات حملت أطنانا من رمال الشاطئ البلدي في السبعينات، إلى مدينة نيس الفرنسية، من أجل تجديد رمال «الريفييرا الفرنسية .»

نتمنى !
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا !!!…..
‪