مؤسسة عبد الهادي التازي منارة علمية تشع نورا بعاصمة البلاد
جريدة طنجة -محمد وطاش (.مؤسسة عبد الهادي التّـازي.)
الثلاثاء 09 يونيو 2015 – 10:02:15
• في اليوم الثالث من شعبان الأغـر ، تـوصلْنـا من أسرة الفَقيد العَزيز الدكتور عبدالهادي التّـازي، تغمّدهُ الله بواسع رحمته،برسالة كريمة،مفعمة بالمشاعر النبيلة، تحمل بشارة عظيمة-مما جاء فيها:
“….نود أن نخبركم بمشروع إنشاء مؤسسة عبدالهادي التازي للتعريف بموروثه غيرالمادي الهائل للسماح للباحثين بإكمال أبحاثه والاستفادة من مقالاته،ولهذا فإننا ننتظردعمكم وتشجيعكم…”.
” ….أحبائي آل التّـازي ، إن والدكم المحبـوب و إن فقدنا طلعته البهية ، فـإن رُوحه الطّـاهرة حـاضرة دوْمـًا في ذاكرتنا ، حيّـة فــي وجداننا، تـُؤنسنا و تُنير نَهْج سُبلنــا ، وتشع نـور المعرفـة من حوْلنـا ، وإنّنــا لجد مسْرُورـين بــإقدامكم على تزكية رُوح والدكم الزكية بــإنْشاء مؤسسة تحمل اسمه للتعريف بمَــوْروثه غير المـــادي…وإنه لمن دواعي الفخر و الاعتـزاز أن ندعمَ هذا المشروع الـرّائـد ، بـــالقلب واللسان والقلم ، عِرْفـانـا بقيمة ومَقـام هذا الرّجـل العظيم الـّذي ما فَتِئَ يُشجّعُنـا و يُحَفزنـا على بـَذْل مَزيد من النبش في الذاكرة إلى أن رحل إلى جوار ربّـه ، و إن جوار الله خير من كل جــوار…”.
وبعد ثلاثة أيام بالتمام،أي في السادس من شعبان، تَوصلنا ببلاغ من أسرة الفقيد تُعلن فيه عَن ميلاد مؤسسة عبدالهـادي التـّازي ،ممّا جـــاء فيه:
“بعد الإذن والمُبــاركة المــولوية الشريفة، وبمُناسبة التّكْريـــم الذي نظّمه المَعْهد الجـــامعي للبحث العلمي وجامعة محمد الخامس بــالـرباط للدكتور عبد الهادي التازي، يوم الخميس 21 مايو 2015 و بحُضـــور عدد من الشخصيات، من وزراء وأساتذة جــامعيين ومديري المعاهد و مُمثلي الهَيْئــات الأكـــاديمية، مغاربة و أجـانب ، تــمّ الإعلان عن إحداث مؤسسة عبد الهادي التـازي التي ستعنى بصيانة و حِفْظ المَــوْروث الثّقــافـي و الأكاديمي لهذا العلم … وهــذا المشروع يُعَد تَكْريمــًا لــرُوح الفقيد و لعَطــاءاته الغـزيـــرة في مَجــال الفكر والتاريخ والتحقيق والدبلوماسية، وتخليدا لمكانته العلمية والأكاديمية المرموقة…”.
و لتقريب القارئ الكريم من أجواء هذا الاحتِفــاء، نـــورد -بتصرف- مقتطفات من مَقـــال نشرته جريدة وطنية تحت عُنْـــوان” إحداث مؤسسسة عبدالهادي التازي بــالرباط تكريمـًا للعَطاءات الغَـزيـرة للعلامة الـرّاحــل”:
… استهلَ اللّقـاء – بمقـر رئـاسة جامعة محمد الخامس -بعرض شريط قصير يـوثّـقُ للَحَظــات من حياة عبد الهادي التازي الزاخرة بالمُنجزات العلمية والفكرية والأدبية والمهام الديبلوماسية؛ و ألْقـى أحمد التـــازي ،حفيد الفقيد الدكتور عبدالهادي التــازي، نص الرسالة الملكية الشريفة التي تـَأذن بإحداث هذه المؤسسة التي سَتحْرص على صيـانــة المــــوروث الفكري والديبلوماسي للراحل، و من جهَتهـــا استعرضت لينا التازي،كريمة الفقيد،تلك المهام المَنُوطــة بالمؤسسة،من قُبيل الحِفـــاظ على مكتبته التي تضم أزيد من عشرة آلاف كتاب مرجعي و مَخْطــوط ووثيقة ، و جعلها رهن إشارة الباحثين والطلَبَة، و نشر مَقـالاتــه و مُحـاضراتـه ، وإحـــداث منح ومؤسسات تربوية باسمه..
و في كلمة بعنـــوان “عبد الهادي التـــازي شيخ رواد الذاكرة المغربية ” لعبد الحق المريني،مــؤرخ المملكة -النـاطــق الـرسمي باسم القصرالملكي ، تليت بـالنيـابة عنْهُ ، أعرب فيها عن كون وَفـــاة العـلامــة الـراحــل خسارة كبرى للتاريخ المغربي على العمــوم ، و للتــّاريـــخ الدبلوماسي على الخصوص،واصفا عبد الهادي التازي ب”ابن بطوطة عصره“؛مُذكرًا بـأنّـهُ أوصي بسبعة آلاف كتاب من خزانته الضخمة لجامعة القرويين بفــاس.ذ
وأفــاضَ سعيد الغــازي ، رئيس جـــامعة محمد الخامس،في الحديث عن التازي المفكر الموسوعي ،والفقيه المتمكن ،و المؤرخ المدقق ،و الكاتب المحقق الغَزير التصنيف، بوصفه شخصية لامعة في تــاريخ المغــرب المُعَـاصر ، و علامـة دالـــة بحكم تكوينه الرصين ، و مــا تَقلدهُ من مَهـــام وألفه من كتب و إنتـــاج علمي غزير ؛مُضيفـًا كونه كــان معلمة بـــارزة في الثقافة المغربية المعاصرة،وسفيرا فوق العادة للمغرب،على مدى عقود من الزمن .
أما فريد الـــزاهي،مدير معهد البحث العلمي، فقد أعرَبَ في شَهــادتهِ عن اعْتِزازهِ بتَقلد مَهـــام إدارة المعهد خَلفــًا لاسمين كبيرين في الثّقـافـة المَغْربيــة ، هُمــا عبد الهادي التازي و عبدالكبير الخطيبي؛ مـؤكـّدًا على الطـابـــع المـــوسوعي” الأنسيكلوبيدي“لكتـابـــات التــّازي،وعلى عُمْـق عطـائـــه الفكري و ثُــرائـه و تَعدده ، و كذا على كونه قــامة شـامخة وعلما ساطعا من الأعلام المغربية ،من أمْثــال الفَقيه المنوني والحسن السايح، وغيرهما.
وشَدّدَ مصطفى القباج، الأستاذ الباحث في الفلسفة و عُلوم التربية، على أن الـتـّازي يُمثل عَينة من البـاحِثين غزيري الإنْتـــاج في مَجـــالات مُتَعدّدة ، إذ تَبــوَأ منزلة الـريـــادة في التــّاريخ للديبلوماسية المغربية، و أبــانَ عن حَيَويـة و اجتهـادات عز نظيرها، مُشيرًا إلى أنه كان مُحـــاورا من طــراز رفيــع، و نَمــوذجــًا يُحْتَذى في البحث العلمي، ولديه إلمام واسع بالتوثيق والتواصل.
واستعادَت الأستاذة فاطمة القباج، عُضو المجلس العلمي الأعلى، ذكريات من تتلمذها على أيدي العلامة الراحل بمعهد الفتيات المنبثق عن جامعة القرويين، الذي تم إحداثه بتشجيع من المغفور له محمد الخامس، مستذكرة أسلوبه و حَيـويتــه و انفتـاحـــه على العصر و ُمسْتجَداتــه و مُعــاملته الفريدة لطلبته و طـالبـاتــه، مشيرة إلى أنه شَكّـلَ فلتة من فلتات زمانه، و مدرسة دائِمـة العَطــاء، و خلف فراغــًا من الصعب أن يملأه غيره.
أما الـــمـُؤرخ زكي مبارك فــأورد في شَهادته ذكريات من صَداقته القديمة لعبد الهادي التـّازي ،رجـــُل العلم والقلم والديبلوماسية ، في معهد البحث العلمي، إبّـــان رئــــاسة العلامة الراحل له، مشيرا إلى تَشَعب ثَقــافته و امتــداد آفـاقــه، و كَــذا إلى عَبْقريتــه فـي الجَمْــع بين جميـع الاتّجـاهـــات والأفكار والآراء للأساتذة الباحثين مع تركه حرية المبادرة للجميع.
وكان مسك الختام قصيدة رثاء بعنوان “أمة في رجل”نظمها الشاعرالموريتاني المختار ولد اباه في حق العلامة الراحل .َ
هذه مجمل الشهادات التي شَهدها هذا اللّقـا ء، إلاّ أنّهـــا لن تَفي بحَقِّ هذا الرّجُل العظيم،وهناك ثَمة شهادات مُمـاثِلة سَجّلَتْهـا أقـــلام عدد من محبيه و مَعــارفــه وتلامذته و مُجــايليه ، من مفكرين وأســــاتذة و بـــاحثين مرمـوقيــن ، و نـــاشطين في مختلف حُقــول الفنـــون و المعرفة ،فضلا عن شهادات المنتمين إلى منظمات دولية و مجمعات اللغة العربية ،مما يـدعــو و الحــالة تلك إلى جمع ذلك الزخم الهــائـــل من الشهادات والاعترافات في مؤلفات ومجلدات تعريفا بمدى اتّســـاع أفـُق ورحـابــَة صدر هذا العلامة المحبوب، الذي ستظل ذكراه العَطرة راسخة في أعماق وجـدانــنا.
وخير مانختم به، شَهـــادة في حـَقّ العلامة الراحل سجلها الإعلامي العراقي حكيم عنكر في مقال تحت عنوان”الدكتور عبد الهادي التازي.. حديقة أسرار الملك والدبلوماسية المغربية” نقتطف منه مايلي:
في كتابه “المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي” يعتبر- التازي- المرأة وراء كل تقدم في البلاد، حتى أنه قال إن كتاب ابن البيطار حول الصيدلة، ذكر أكثر من ثلاثة آلاف نبتة صالحة للعلاج، لكنه أغفل نبتة واحدة هامة، وهي المرأة.
وفي هذا الصدد قام بــإبـْراز العديد من النِّساء المَجيدات اللّـواتي صَنعن تــاريخ المغــــرب، وفي النموذج الأمثل فاطمة الفهرية التي أسست جامعة القرويين وغيرهن من “النجمات” كما يسميهن.
يذكر أنه لما أراد الملك محمد الخامس أن يؤسس مدرسة خاصة للبنات، في سنة 1946، وقعت واقعة، مفادها أن أحد الشيوخ نهضَ خِــلال الاجتِمـاع، و أخذَ الكلمة و قــال “يا سيّـدي ” الفتاة أفعى ونسقيها سما“، فرد عليه الملك محمد الخامس “ما كانت البنت أفعى، بل هي ملاك، وحتى إن كانت أفعى فــإن التّعْليم لهَا تِرْيــاق”.
هذه الواقعة تكشف عن حدة ذاكرة الرجل، وعن قربه من مصادر القرار، هو المولود في سنة 1921 من القرن الماضي، حتى أن مؤرخا وباحثا مغربيا مثل عباس الجراري، يقول عنه إن “عبد الهادي التازي ابن بطوطة عصره”. وليس التشبيه محض صدفة، فقد سعى الرجل إلى إعادة رسم مخطط جديد لرحلة ابن بطوطة، وإبراز حقائق جديدة حوله.
فهو يعتبره من الشخصيات البارزة واللامعة في العالم، ورحلته ترجمت إلى أكثر من خمسين لغة، وعلى رأسها اللغة الصينية، يقول عنه:
” هذا الرجل الذي استطاع أن يجول عالم الأمس وثقافاته، يمثل النموذج الذي يقتدى، في حين يهمل من طرف العرب والرحالة الآخرين، بينما المستشرقون يحتفلون به، ومن أجل كل هذا كان هذا الاهتمام بابن بطوطة “.
يذكر أنه وقف على لوحة لرحلاته في جزر المالديف، تورد أن من أسباب إسلام أهل المالديف هو أبو البركات البربري، وحين تأمل اللوحة المعروضة وجدها مزيفة، فطلب العودة إلى اللوحة الأصلية، ووقف على الخطأ، فأخبر الملك الحسن الثاني ، الذي وجه إلى رئيس البلاد رسالة برد الاعتبار إلى ابن بطوطة….
لا يحكي الدكتور عبدالهادي التازي بشكل مباشر، وهو مثل أي رجل دبلوماسي، شديد التحفظ،إضافة إلى ذلك، فشخصية الملك الحسن الثاني كانت تطربه، بل ويعتبره من أشد الملوك المغاربة ذكاء وقدرة على إدارة الدولة. وكان لا ينفك يذكره في جلساته بإعجاب شديد، ويرى أيضا أن محمد السادس، يسير على نهج والده في الحكم وقيادة الدولة.
لا يحكي الدكتور عبدالهادي التازي بشكل مباشر، وهو مثل أي رجل دبلوماسي، شديد التحفظ، ويعتقد أن الأحكام والأقوال مسؤولية، ترهن صاحبها، لذلك لا بد من التريث فيما يخص إصدارها، وفي هذا عندما يعرض إلى فترة من التاريخ السياسي في البلاد، خلال ما سمي بفترة “سنوات الرصاص”، وهي الفترة التي عرفت فتح السجون أمام المعارضين، وسيادة القمع والتنكيل، قلما تعثر له على رأي في هذا الجانب.
…اشتغل التازي في الديوان الملكي إلى جانب كبار المستشارين، ويعتقد أنه على المستشار الملكي أن يكون في مستوى القسم الذي يؤديه للملك بالكتمان والحفاظ على المجالس والأسرار. لذلك من النادر جدا أن يكشف التازي في حواراته عن طقوس الحكم وتسيير الدولة.
ظل التازي يدافع عن موقع المغرب في محيطه العربي والجغرافي، وليس مستغربا أن نجد كتبه تتخذ لها موضوعات من قبيل جولة في التاريخ الدبلوماسي للمغرب ،واستعراض نماذج من مراسلات ملوك المغرب مع ملوك عصرهم، وتدخل المغرب في حل النزاعات الدولية، وتطلع المغرب للتوسع على المستوى الإفريقي والقاري، وهي “عقدة” لم يتجاوزها التازي أبدا، وظل يعرف بمكانة بلاده في كل مناسبة تتاح له وفي كل مؤتمر.
للدكتور عبد الهادي التازي رأي شهير كان قد بسطه في مؤتمر مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 2009، حول ضرورة الاعتماد على اللغات الكونية في التعليم، وعدم بقاء العرب سجناء لغة الوحدة “إننا كآباء – و أنـا أتحَدّثُ عن نفسي- ندرك الحاجة المـاسّة لتلقيـن العلم بمعنى العلم (La science)، وليس بمعنى “العلم الإسلامي” الذي حمل نفسه الأستاذ كولدزيهير Goldziher عناء تفسيره لينعت علماء الإسلام بأنهم Catéchiste يعني فقيه دين! نقصد بالعلم البحث الصرف الذي كان أسلافنا يخصون صاحبه بنعت التعاليمي”..
فهنيئا لأسرة التازي ولكافة المغاربة والمشارقة بميلاد مؤسسة عبد الهادي التازي،رفع الباري شأنها في الأعالي وجعلها منارة شامخة يهتدي بشعاع نورها القاصي والداني ، ممن يرومون التنقيب عن أنفس معادن المعرفة في مناجم عطاءات فقيدنا الغالي.